نتائج الانتخابات التشريعية على مستوى مجلس النواب الأمريكي لم تأت في صالح الرئيس باراك أوباما، وبالطبع ليست في صالح الحزب الديمقراطي، وإنما جاءت في صالح الحزب الجمهوري الذي يمثل المعارضة في الكونجرس الأمريكي. محصلة القول هنا أن الناخب الأمريكي الذي لا يملك الكثير من الخيارات قرر معاقبة أوباما معاقبة أولية في رسالة عدم الرضا تلك التي أوصلها للرئيس أوباما عن طريق صناديق الاقتراع التشريعية.
يعني هذا أن أوباما سيلقى معارضة قوية من قبل الحزب الجمهوري المسيطر بأغلبية على مجلس النواب.
لكن من حسن حظ أوباما حافظ حزبه الديمقراطي على الأغلبية في مجلس الشيوخ في الكونجرس الأمريكي، مما قد يعني سهولة تمريره للقرارات والسياسات على ذلك المستوى من المجلس التشريعي الأمريكي.
حدثت هذه التطورات السياسية بعد أن تناقصت شعبية الرئيس الأمريكي أوباما بشكل غير مسبوق من قبل، بل وفي مدة زمنية قياسية قصيرة تقل عن سنتين بعد أن ارتفعت نسبة تذمر الناخبين الأمريكيين جراء عدم قدرته الوفاء بوعوده التي أطلقها إبان حملته الرئاسية قبيل وصوله إلى البيت الأبيض.
حقا هل هذا يفسر تصويت الناخبين الأمريكيين لمرشحي الحزب الجمهوري في مجلس النواب الأمريكي؟ من هنا فإن السؤال لماذا لم يصوت الشعب الأمريكي للديمقراطيين في مجلس النواب؟ لا يقل أهمية عن السؤال لماذا صوت الناخبون الأمريكيون لمرشحي الحزب الجمهوري وهم قد صوتوا ضد مرشح هذا الحزب في الانتخابات الرئاسية قبل سنتين تقريبا؟.
نعم لقد انتهت سنتان تقريبا على حكم ادارة أوباما منذ أن صوت له الناخبون الأمريكيون والرجل لم يتمكن من تحقيق وعوده لهم، السؤال لماذا؟ لا يختلف عن الأسئلة السابقة، لا بل ولا عن كافة لأسئلة التي سبق وأن أثيرت حيال ضعف فعالية كافة رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية منذ القدم وحتى العهد الحديث.
ذلكم بالطبع ليس الفرق بين قدرة الفرد على أداء عمله والوفاء بوعوده وتعهداته، بقدرما هو الفرق بين قدرة الفرد في مقابل قدرات العمل المؤسساتي المتأسس الذي لا يتأثر في البلاد الأمريكية كثيرا بقدرات الفرد مهما كانت وأيا كانت.
إذن هناك فرق بين القدرة على إطلاق الوعود وبين القدرة على تحقيقها، فكلما كانت المؤسسات السياسية فاعلة ومتجزرة في قواعد المجتمع،كلما صعب على الفرد تغييرها لتسهم في تحقيق أهدافه او لنقل وعوده والتزاماته.
هذا ما يفسر واقع اوباما السياسي، فأوباما بعد أن دخل البيت الأبيض لم يعد بذلك الرجل الذي كان قبل أن يدخل البيت الأبيض، الفرق ليس في ذات أوباما وشخصه وفكره بقدر ما يكمن الفرق في الواقع السياسي والمؤسساتي الأمريكي الذي كان وما زال عصيا على أن يسيطر عليه من قبل معظم من دخلوا البيت الأبيض من الرؤساء الأمريكيين.
أوباما إذن لا يعد استثناء للقاعدة هذه، السبب أن طموحات وآمال الشعب الأمريكي بأن يحقق لهم الرئيس أوباما معجزة إقتصادية توفر لهم الرخاء والأمن والاستقرار الوظيفي والاجتماعي تبخرت على صخور العقبات والمعوقات السياسية المؤسساتية التي وقفت عائقا صلبا وسدا منيعا أمام محاولات التغيير والجهود والتحركات السياسية الفردية لأوباما، بل وللغالبية العظمى من الرؤساء الأمريكيين.
نعم هناك فرق كبير بين إطلاق الوعود ومن ثم تحقيقها، أو إنجازها، كما هو مرغوب ومطلوب من قبل من تبناها وأطلقها من رجال السياسة، وبين القدرة على تنفيذها كما هو مرغوب ومطلوب من قبل من طالب بها من الناخبين (الذي يمثل رضى الناخبين).
هذا الفرق تحديدا هو الفرق بين قدرة السياسيين على إنجاز ما وعدوا به الناخبين، وبين الإشباع الفعلي لاحتياجات ومطالب الناخبين، إنه الفرق الذي يمثل الشرعية السياسية للحكم من جهة، ومن الجهة الأخرى الفرق الذي يساعد على ارتفاع نسبة شعبية الحاكم ويضمن له الاستمرارية في الحكم لفترة رئاسية ثانية.
إذ من السهل جدا أن يعد الإنسان أشخاصا آخرين، وهو في قمة نشوته وحماسه واندفاعه لتحقيق هدف ما، أو للوصول إلى هدف معين، وفي قراراة نفسه أن يفي بوعوده بالفعل.
لكن من الصعب جدا أن يفي ذلك الإنسان بوعوده تلك طالما كان طريق تحقيقها مليئا بالأشواك، تحفه العقبات، وتعترضه المعوقات والمتناقضات خصوصا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
الحديث هنا ليس بذاك الحديث الذي يميز بين كفاءة أو فاعلية الأنظمة السياسية، أو حتى المفارقة فيما بينها تفضيلا من حيث المنجزات أو الشرعية.
كما ولا يسعى المقال للمقارنة الإيجابية أو السلبية فيما بين آليات أداء عمل حكومات الدول أيضا، بقدر ما يعد محاولة جزئية جادة لشرح وتحليل نتائج الانتخابات التشريعية الأمريكية الأخيرة التي عادة ما تتغير من مناخ داعم للحزب الجمهوري إلى الديمقراطي أو العكس تماما كما هو حال التغيرات غير المتوقعة في المناخ الأمريكي.
هل هي نعمة؟ أم نقمة؟ وهل يمكن القول: إن حالة المأسسة السياسية الهادفة إلى تحقيق التوازن بين السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، والقضائية) تعيق من حركة الرئيس الأمريكي وتمنعه من تحقيق وعوده للناخبين؟ أم يا ترى أن آليات المؤسسات السياسية التي يصعب تحريكها بشكل منفرد لعبت دورها في منع الفرد من فرض هيمنته على الجماعة وتسلطه على النظام؟ أم أن نظام الفصل بين السلطات المؤسساتي ساعد على هيمنة سلطة الجماعة على الفرد وهمشت من دوره أيا كانت شخصيته القيادية كارزمية أم عادية؟
أسئلة تجد اجاباتها فقط في تصور الناخبين الأمريكيين وفي تقلب أمزجتهم السياسية كلما تقلبت أحوالهم الاقتصادية.أمزجة تقرر نوع وحجم العقاب السياسي انطلاقا من مبادئ القانون الاقتصادي.
www.almantiq.org