|
مكة المكرمة - عمار الجبيرى - عبيد الله الحازمي :
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - افتتح صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية أمس فعاليات أعمال مؤتمر مكة المكرمة الحادي عشر الذي تعقد الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي تحت عنوان «التحديات الإعلامية في عصر العولمة» بمقر الرابطة بأم الجود بمكة المكرمة بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين وأساتذة الجامعات الإسلامية.
وكان في استقبال سموه لدى وصوله مقر الرابطة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي وعدد من المسئولين وفور وصول سموه بدأ الحفل الخطابي الذي أقيم بهذه المناسبة بتلاوة آيات من القرآن الكريم ثم ألقيت كلمة المشاركين ألقاها نيابة عنهم رئيس المجلس القومي للصحافة والإعلام في السودان الدكتور علي بن محمد شمو رفعوا فيها شكرهم وتقديرهم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيزآل سعود - حفظه الله - على رعايته لهذا المؤتمر كما أجزلوا الشكر والامتنان لحكومة وشعب المملكة العربية السعودية على رعايتهم وخدمتهم لحجاج بيت الله الحرام مؤكدين على أهمية هذا المؤتمر وما يتناوله من موضوعات.
ونوه برعاية خادم الحرمين الشريفين لهذا المؤتمر ودلالتها العظيمة التي تتعلق بشأن الإسلام والمسلمين في عصر العولمة وهو شأن عظيم يستحق أن يكون مثار الاهتمام من القائمين على أمر الإسلام وأن يعقد له مثل هذا المؤتمر المتخصص الذي تدور أعماله حول المسلمين والعولمة.
ثم ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله التركي كلمة قال فيها: إنه من دواعي السرور أن تجتمع في مثل هذه الأيام المباركة من كل سنة، نخبةٌ من أهل العلم والباحثين في الشأن الإسلامي العام، في هذا المؤتمر لتدارس موضوعٍ من الموضوعات ذاتِ الصلة بواقع الأمة وقضاياها.
وأوضح أن أهم ما يتسم به عصرُ العولمة، ما يسمى بثورة المعلومات، ذلك أن وسائل الاتصال اندمجت مع وسائل الإعلام، في تكوين شبكة عالمية تعتمد على التقنيةِ الرقميةِ والإرسال الفضائي، يتواصل الناس بواسطتها، ويتبادلون المعلوماتِ بشتى صورِها، المكتوبةِ والمسموعة والمرئية.
وقال معاليه إنه لا مِرْيةَ في أن التقنية العالية التي تخدم الاتصالَ وتُطورُ وسائلَه قد أحدثت تغيراً عميقاً في العلاقات والتعامل، وجعلت الاتصالَ في صميمِ حياةِ الناس، حتى أصبحوا يعتمدون عليه في كثير من شؤونهم وأعمالهم، لا سيما مع تسهيل أعمال الترجمة التي تُزيل الحواجز اللغوية.
وأضاف يقول: لئن كان الأفرادُ يستخدمون وسائلَ الاتصال، لتبادل المعلوماتِ بعفوية وارتجال، فإن المؤسساتِ المهتمةَ بالإعلام لها رسائلُ تبلغُها وأهدافٌ تسعى إلى تحقيقها، من وراء ما تبث من برامج، وما تقدم من موادَ ومحتويات، فإذا كانت الرسالةُ الإعلاميةُ بريئةً من الأغراض السيئة، إنسانيةً في ذاتها، متصلةً في أهدافها بمصالح الأمة والتفاعلِ الاجتماعي الإيجابي، وكانت المادةُ الإعلاميةُ منضبطةً في محتواها بما لا يتعارضُ مع العقيدة والقيم الخلقية الإسلامية، فذلك هو الإعلامُ الذي ينشده المصلحون، والذي يَصْلُحُ عليه حالُ المسلمين، وينسجمُ مع خصوصيتهم ويساعدُهم على تقوية الأواصرِ بينهم، وتبليغِ رسالتِهم إلى العالم.
وأكد الدكتور التركي أن الانفتاح الذي جاءت به العولمة في مجال الإعلام والمعلومات، يُعدُّ تحدياً جديداً وشديداً، في وجه العمل على إصلاح إعلام الأمة وتحريرِه من السلبيات فالإعلام العالمي يمارس منافسةً شديدةً في داخل العالم الإسلامي، بامتلاكه لنسبة كبيرة من الوسائل الفضائية، مع الاحترافيةِ في الإنتاج والأداء، والاعتمادِ على الخبرة في دراسة المجتمعات، ووفرةِ الوسائل في إنتاج البرامج العامةِ والتخصصية، الأمرُ الذي يجعل كثيراً من المسلمين في موقع المتلقي الذي لا يُنتجُ المعلومةَ، بل يستهلكُها أو يعيدُ إصدارَها، وقد تكون منطويةً على خطر على العقيدة أو الأخلاق.
وقال معاليه: ومع هذا فلا ينبغي أن يقف المسلمون أمامَ هذه التحدياتِ، مشدوهين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً، وقد أرشدهم القرآن الكريم إلى مبدأ: (إنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ) وأرشدتهم السنة إلى مبدأ: «لا تَحْقِرَنَّ منَ المَعْرُوفِ شَيْئاً» فخطوةٌ واحدة من التقدم في الخير أو الابتعادِ عن الشر، عملٌ صالحٌ لا يستهان به، فقد يترتب عليه خيرٌ عظيم، خاصةً وأن العالم الإسلامي يتوفر على إمكاناتٍ ماديةٍ جيدة، ويزخرُ بالكوادر الإعلامية والخبرةِ الفنية التي تستطيع - بإذن الله - إذا ما أُحسن توظيفُها من خلال مشاريعَ ومؤسساتٍ صالحة، أن تُنتجَ أعمالاً إعلامية متميزة، تكون بديلاً صالحاً يَفيءُ إليه أبناءُ الأمة سواء في العالم الإسلامي أو في مجتمعات الجاليات، ويُسهمُ به المسلمون في الشبكة العالمية للإعلام والاتصال، في الدفاع عن قضاياهم ونشرِ ثقافتهم، وتقديمِ ما لديهم في إصلاح المجتمعات الإنسانية.
واعتبر أنه ليس من الحكمة أن يُقصرَ النظرُ إلى العولمة، على جوانبها السلبية، وأن يُوقَفَ منها موقفَ الممانعةِ والاحتماء، بل لا يجدي معها إلا المشاركة بما ينفع، وذلك يقتضي التعرفَ على جوانبها الإيجابيةِ العديدة، واستثمارَها في الخير، ومن ذلك دعمُ التواصلِ والتعاون الإسلامي بواسطة الإعلام والاتصال.
وأكد الأمين العام للرابطة أن الأمة لا تزال بخير، ولا تزال قلوبُ أبنائِها حيثما كانوا تنبضُ بالوفاء والولاء لها، ومن ثَم فهي تتطلع وبخاصةٍ في مجتمعات الجاليات المسلمةِ إلى ما تنتجه أمتُهم من أعمال إعلامية وثقافيةٍ تشدهم إلى دينهم وتربطهم بأمتهم وقال يكفينا مثلاً ما يصدر من هذه البلاد المباركةِ من قنواتٍ إذاعيةٍ وتلفازية تنشر القرآنَ والسنةَ والثقافةَ الإسلاميةَ، والأمثلةُ في العالمِ الإسلامي وخارجِه كثيرة، وهي تحتاج إلى مزيد من الدعم والتطوير والتكامل.
وتوجه بالشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين، الملكِ عبدِ الله بنِ عبدِ العزيز آلِ سعود، على الرعاية الكريمة التي أولاها لهذا المؤتمر، وعلى الدعم المتواصل الذي تلقاه الرابطةُ من حكومته الرشيدةِ في مناسباتها ومناشطِها ولصاحب السمو الملكي الأميرِ خالدِ الفيصلِ بنِ عبدِ العزيز، أميرِ منطقة مكةَ المكرمة، لتفضله بافتتاح هذا المؤتمر، وعلى اهتمامه بمناسبات الرابطة وبرامجها، وعلى ما يقوم به خدمةً لدينه وأمته ولهذا البلد الأمين ومن يفدُ إليه.
عقب ذلك ألقى سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ كلمة أوضح فيها أن الله جل وعلا جعل الإسلام رسالة عالمية وجعل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة عالمية ولهذا وجب على الأمة الإسلامية أن تبلغ رسالات الله للعالم في مختلف أصقاع الأرض وبين أن تبليغ الرسالة يجب أن يكون كما جاء عن الله ورسوله مع التصدي لكل العقبات التي تحول بين ذلك وبين تبليغ الرسالة وتأمين المجتمع المسلم من كل التحديات التي توجه إليه.
وقال: إننا في عصر تقاربت فيه المسافات والتقت فيه الحضارات وتطورت وسائل الاتصال بين الناس مما أحدث شيئا في العقيدة والفكر ونمط الحياة فنحن في عصر العولمة الذي أبرز إشكاليات وأبرز تحديات للعالم الإسلامي وأن أعظم ما تواجهه الأمة الإسلامية التطور الإعلامي الهائل الذي له الأثر العظيم وتأثيره في الناس معروف فهو بالغ التأثير سريع الانتشار وتعلق الناس به حتى ولج كل بيت شاء الناس أم أبوا.
وأكد أن الحرب الإعلامية على الإسلام وأهله أمر واضح ظاهر في كثير من وسائل الإعلام العالمي حرب على الإسلام ويستخدمون أحيانا أسماء مستعارة والهدف هو الإسلام وحده ومحاربته ومبادئه وأخلاقه وقيمه وأن من واجب العالم الإسلامي تجاه هذه التطورات أن يكون موقفه عظيم من خلال إعلام إسلامي قوي يقارع الحجة بالحجة ويدحض الباطل بالحق.
وقال سماحته: إن الإعلام الإسلامي إذا طور على أيدي المخلصين قابل هذا الباطل بالحق المبين وأوضح محاسن الإسلام وقيمه وهذا هو المطلوب منا حيث إن أعدائنا اتخذوا وسائل الإعلام وسيلة لهم لنشر هذا الغزو الفكري الخطير ولاسيما ما يعرض في التلفاز وشاشات العرض مما له التأثير على الأمة في أخلاقها وقيمها ومما زاد الأمر سوءاً أن بعضا من وسائل الإعلام الإسلامي وبعض المحطات المنسوبة لبعض المسلمين أصبحت صدى لهذا الغزو الثقافي الخطير وأصبحت تقلد الإعلام الغربي الهابط في كثير من شؤونها مؤكدا أن هذا شيء خطير فالإعلام الإسلامي يجب أن يتجرد لدعم الأخلاق والقيم والدفاع عن الحق ونشر محاسن الإسلام وفضائله وأفاد أن الرابطة حري بها أن تقوم بالدور الفعال ولاسيما لو كان لها قناة فضائية أو اشتراك في القنوات العالمية لتنشر من خلاله الفضائل والقيم الإسلامية وتقارع الحجة بالحجة وتدمغ الباطل بالحق وأكد أن علاج هذا التطور الإعلامي لا يكون بالانغلاق ولا بمنع الزحف الإعلامي الهائل ولا أن نتجاهل ذلك الإعلام الذي فرض نفسه على الواقع وإنما يكون علاجه إما بمراقبة أي حدث هام عرضه هذا الإعلام وأن نقابله بالحق الواضح المبين وتوعية المتلقي توعية إسلامية في نفسه ليكون على بصيرة مما يلقى ويعرض وأن ننشر قضايا الأمة وندافع عنها وننشر فضائل الإسلام وندافع عنه ليكون لإعلامنا وقع تأثيري على العالم وننبههم من هذه الأخطاء بالأسلوب الجذاب البعيد عن الشدة وإنما هو نقاش علمي هادف لأنه لا يمكن أن تدحض الباطل بقوة الكلام وإنما بالكلام الموزون الرزين الذي ينطلق من أسس علمية ثابتة وكشف أن هذا المؤتمر يناقش التطور الإعلامي وثماره وكيفية التغلب على كثير منه داعيا إلى استغلال الإيجابيات الإعلامية وتوظيفها لخدمة ديننا والدفاع عن قضايانا وعرض فضائل الإسلام ومحاسنه ولابد للأمة المسلمة من إعلامي صادق متزن يعرف الحق باعتدال وإنصاف ودعا الله أن يوفق خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وسمو أمير منطقة مكة المكرمة على دعمهم - حفظهم الله - لرابطة العالم الإسلامي ورعاية مناشطها.
بعد ذلك ألقى صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة كلمة نقل فيها تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله للجميع.
وقال (إن افتتاح هذا المؤتمر الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي إحياء لسنة حميدة استنها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه والتزمها أبناؤه من بعده مبتهلا فرصة هذا الجمع السنوي الحاشد للمسلمين بدعوتهم لبحث وسائل تعظيم التعاون والتضامن بينهم ومدارسة مشكلاتهم وطرح الحلول لها).
وأضاف سموه يقول: (أرحب بكم في المملكة التي تستقبل الآن الملايين من ضيوف الرحمن بالمزيد من ترقية الخدمات المقدمة لهم والتيسير عليهم في أداء نسكهم نسأل الله جل وعلا العون والتوفيق في خدمتهم حتى يؤدوا الفريضة في أمن وطمأنينة ويعودوا إلى بلادهم سالمين غانمين إن شاء الله).
وبين سموه أنه إدراكا لمسؤولية المملكة تجاه الأمة الإسلامية فإنها تعمل جاهدة على نصرة قضايا الأمة والدفاع عنها في المحافل الدولية وتبرهن على إنسانية الإسلام ببذل عونها للقضايا الإنسانية دونما تمييز وتحرص على جمع الكلمة وتصفية النزاعات وتوحيد الصف الإسلامي امتثالا لقوله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، وأكد سموه أن المملكة تسعى لتوظيف الرصيد العظيم من القيم الإنسانية والحضارية الراقية للأمة الإسلامية من أجل تحقيق تكامل حقيقي بين المسلمين.
وقال سموه: (حسنا فعلت رابطة العالم الإسلامي إذ طرحت التحديات الإعلامية التي تواجهها أمتنا أمام هذا المؤتمر بهدف التوصل إلى وسائل وآليات متجددة تناسب طبيعة هذه التحديات).
وبين سمو أمير منطقة مكة المكرمة أنه بفعل التطور الهائل في وسائل الاتصال أصبح للإعلام سطوة عالمية لا تخفى حتى أصبح من أمضى الأسلحة الحديثة سلبا وإيجابا وأبعدها أثرا وتأثيرا في ترسيخ المفاهيم العامة وقد طالت أمتنا الكثير من سهامه ظلما وعدوانا وبهذا تصبح المهمة الأولى لإعلامنا الإسلامي مواجهة هذا التحدي الخطير بأن يعرض من خلال آليات رصينة ووسائل مدروسة منهج الاعتدال والوسطية في الإسلام وصبغته الحقيقية السمحة البريئة من وصمة الغلو الذي حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) والتأكيد على أن الإسلام قادر على حل مشكلات الإنسان مؤصل لقيم الحق والعدل والسلام التي تتطلع إليها البشرية.
وأكد سموه على أنه يجب على إعلامنا أن يمثل على الجانب الآخر الحصن المنيع لحماية الأمة من الفوضى الفكرية التي تتعرض لها نتيجة الانفتاح على عالم بلا حدود من الأفكار والثقافات وأن يولي عناية خاصة بالشباب لحمايتهم من السقوط في شراك الفكر المنحرف وتجنيب الأمة المزيد من التشرذم والضعف والاضطراب ومصادرة حجج أعدائها ومبرراتهم للنيل منها ومن دينها.
وأشار إلى أن هذه المهام العظام المنوطة بالإعلام الإسلامي يتوقف نجاحه فيها على مدى التنسيق والتعاون بين مؤسساته المعنية في البلاد الإسلامية وترسيخ ميثاق الشرف الإعلامي والتزامه في تعامله البيني والعالمي.
وشكر سموه في ختام كلمته سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ومعالي أمينها العام والقائمين على الرابطة والمؤتمر على الجهود المشكورة في خدمة الإسلام وقضايا الأمة والتحديات التي تواجهها سائلا الله تعالى التوفيق للجميع. عقب ذلك تسلم سموه هدية تذكارية من معالي أمين عام رابطة العالم الإسلامي بهذه المناسبة.