|
كان يا ما كان، نحكي وإلا نصلي على النبي العدنان.
في قديم الزمان لم تكن الطائرة ولا السيارة ولا القطار.. وفي ذلك الزمان القديم، كانت وسيلة النقل المشي على القدمين أو الركوب على دابة. وذات يوم عزم رجل على السفر إلى مدينة بعيدة، فجهز طعامه، وحضّر زوادته، وبدأ المسير منذ الصباح على قدميه.. وأثناء سيره التقى برجل آخر عازم على السفر مثله، فسأله أن يترافقا؟ فوافق. ثم سأله عن اسمه؟ فقال: أنا اسمي الرجل الرديء. ثم سأله الرجل الرديء عن اسمه؟ فقال: أنا اسمي الرجل المليح.
وهكذا مشى المليح والرديء، وأثناء الطريق جاعا.. ففتح المليح زوادته وقال للرديء: تفضل وكل معي. فأكل معه الرجل الرديء من الزوادة. وبعد الأكل والراحة واصلا السير.. وكذلك، في كل مرة، كان المليح يفتح زوادته، ويأكل معه الرديء منها، حتى فرغت زوادة المليح.. وبقيت زوادة الرديء سالمة لم تمس.
وبينما هما سائران في الجبال والسهول، بلا طعام، جاعا، ففتح الرديء زوادته، وأخذ يأكل وحيداً. ولم يقل للمليح تفضل وكل معي. فجاع المليح كثيراً، وبحث هنا وهنا فلم يجد طعاماً إلا مع الرديء. فقال له: إننا في مكان ليس فيه طعام ولا شراب إلا معك، وأنت تعرف أننا أكلنا معاً زوادتي. فقال الرديء: لن أعطيك رغيفاً إلا إذا أخذت مقابله عينك.. فوافق المليح مرغماً وأعطاه عينه مقابل رغيف من الخبز..!! ومرة ثانية جاع المليح فقال للرديء: أعطني رغيفاً ثانياً. فقال الرديء: لن أعطيك إلا بأخذ عينك الثانية، وهكذا أخذ عينه الثانية، أغلى ما عنده، مقابل رغيف من الخبز.. ثم تركه نائماً تحت شجرة، ومضى.. وفي المساء شعر المليح بغروب الشمس، فعرف من ذلك قدوم الليل. فتسلق الشجرة خوفاً من وحش يفترسه وبات على الشجرة حتى الصباح، وعند طلوع الشمس، عرف من حرارتها أن الصباح قد جاء.
ومن فضل الله تعالى أن أرسل له طائرين، واحد أعمى، والآخر مبصر، فقال الطير المبصر للطير الأعمى: جئت بك إلى هذه الشجرة لأن أوراقها تفتح البصر. فما عليك إلا أن تقطف ورقة وتمسح بها عينك الأولى وأنت تقول بسم الله..!! وأن تقطف ورقة أخرى، وتمسح بها عينك الثانية وأنت تقول بسم الله..!! فتصير معافى مبصراً بإذن الله.
ففعل الطائر الأعمى ذلك وعاد مبصراً..!!
وأثناء ذلك، كان المليح يسمع كلامهما، وحوارهما، فعرف ما حصل وجرى بينهما، وتعلم. فأخذ ورقة من الشجر ومسح عينه الأولى بقوله بسم الله.. ثم مسح الثانية كالأولى، وكم فرح وشكر الله تعالى أن عاد مبصراً..!!
ثم فتح المليح المحرمة التي كان بها زوادته، فقطف أوراقاً من الشجرة حتى ملأت المحرمة، وحملها ومضى سائراً بها، فوصل إلى القرية وأخذ ينادي أنا مداوي العيون، أنا الكحال أنا أشفي من الرمد ومن العمى.. وكان كلما حضر إليه أعمى يمسح عينه بورق الشجرة فيصبح مبصراً ولكن وقبل أن يشفيه يشرط عليه أن يعطيه أجره رغيفاً من الخبز ليس غير وهكذا كان كل أعمى يعطيه رغيفاً ليشفى فيأكله.
وراح المليح يسافر من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة وهو يداوي ويرفض المال والذهب أجراً له لا رغيفاً من الخبز، فسمع به ملك المدينة، وكانت عنده ابنة جميلة وحيدة ضريرة وكان ذلك الملك يقول: من يشفي ابنتي من العمى أزوجه إياها ومن لم يستطع قطعت رأسه؟ فتقدم للملك كثير، وكان نصيبهم قطع الرأس، لأنهم لم يستطيعوا شفاء ابنته.
ولما سمع الملك بالمليح أمر بإحضاره فجاء إليه وقال الملك: أنا لي ابنة ضريرة فإن شفيتها زوجتك منها وإلا قطعت رأسك. فقال المليح: أنا لا أقبل إلا رغيفاً من الخبز. فقال الملك: حسنا اشفها وبعد ذلك نتحدث في الأمر.
دخل المليح إلى غرفة ابنة الملك وأعطاها ورقة لتمسح بها عينها.
بقولها بسم الله ثم العين الثانية بقولها بسم الله، ففعلت وشفيت وعادت مبصرة وعندما سمع الملك بذلك سر سروراً عظيماً فقال له المليح: أعطني رغيفاً من الخبز مقابل ما فعلت لأذهب وأشفي غيرها.. فقال الملك: وكيف؟ لن أدعك تذهب وعلي نذر في رقبتي، إنه من شفى ابنتي زوجته منها وأنا قطعت رؤوساً كثيرة من أجل ذلك. فكيف يكون موقفي من الله ومن نفسي، ومن الناس.. يجب أن أوفي بنذري.
وهكذا قبل المليح بالزواج من ابنة الملك.. وبعد فترة من الزمن مات الملك فانتخب الشعب المليح ملكاً عليه إذ لم يكن له وارث.
وعندما جلس المليح على كرسي المملكة وأخذ يتذكر ما حدث بينه وبين رفيقه الرديء، وما عاناه من جوع وفقد بصر. فأمر بفتح تكية قرب المدينة يقصدها جميع الغرباء ويأكلون على حساب الملك، وعين موظفاً من أجل ذلك وأمره بكتابة أسماء جميع من يأتون إلى التكية، وفي كل مرة كان الملك يقرأ أسماء من يقصدون التكية ولا يجد اسم الرديء فيها.
وذات يوم أحضر الموظف المكلف بكتابة الأسماء قائمة وكان من بين أسمائها اسم الرديء.. ولما قرأ الملك اسمه قال: أحضروا إليّ الرديء، فأحضر له الرديء. ثم قال المليح: أتعرفني؟ قال الرديء: كلا يا سيدي الملك. قال المليح: أنا الذي أخذت عينيه مقابل رغيف الخبز. فعرفه الرديء ولم يتصور أنه سيشفى ويصبح ملكاً، ثم قال له المليح: أتعرف بماذا حكمت عليك؟ قال الرديء بين الدهشة والذهول لما يجري: ماذا يا جلالة الملك؟! قال المليح: حكمت عليك بالإعدام، ففي الغد يقطع رأسك في الساحة العامة، فإذا كانت لك وصية قلها لي، أو خبر قله لي لأخبر عائلتك قبل أن تموت.
قال الرديء: لي طلب صغير، قال المليح: ما هو؟ قال الرديء: قبل أن تقطع رأسي أعطني اسمك المليح وخذ اسمي الرديء، فقال له المليح: يا عزيزي المليح لا يصبح رديئاً، والرديء لا يصبح مليحاً، فالناس معادن، وهكذا عفوت عنك فاذهب لشأنك، فذهب الرديء.
وتوتة توتة خلصت الحتوتة.
***
رسوم
1- سما علاء
2- مريم مصطفى
3- ديمة سختيان
4- ديالا طارق
5- أسيل رضوان
6- ديانا ناصر
7- هلا رجائي