|
عرفات - واس
توافدت جموع من حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر أمس إلى مسجد نمرة لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا اقتداءً بسنَّة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والاستماع لخطبة عرفة.
وقد امتلأت جنبات المسجد الذي تبلغ مساحته (110) آلاف متر مربع والساحات المحيطة به التي تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع بضيوف الرحمن.
وتقدم المصلين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية، فيما أمَّ المصلين سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ بعد أن ألقى خطبة عرفة - قبل الصلاة - التي استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر.
ودعا سماحته في الخطبة الناس إلى تقوى الله في السر والعلن وتوحيده وإقامة أركانه والتمسك بنهج الله القويم واتباع سنَّة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم في جميع أعمالهم وأقوالهم.
وقال سماحته: «إن أول أبواب هذا الدين هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقضاء والقدر والبعث بعد الموت».
وبيَّن أن للعقيدة الإسلامية خصائص منها أنها مبنية على توحيد الله في ربوبيته وإلوهيته وأسمائه وصفاته، وقال:»إن الله أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله، ويجب أن تصرف جميع أنواع العبادة من الدعاء والاستغاثة والالتجاء والاضطرار إلى رب العالمين فهو المالك لذلك كلّه وله الأسماء الحسنى والصفات العلى اللائقة بجلاله، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، نثبتها كما جاء بها الكتاب والسنَّة ونثبت حقيقتها على ما يليق بجلال الله وعظمته».
وتحدث سماحة المفتي عن خصائص العقيدة الإسلامية قائلاً: «من خصائص هذه العقيدة أن تفاصيلها تؤخذ من كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي معصومة من الخطأ بعيدة عن الشُّبهات فيجب قبولها كلّها ولا تعرض للآراء والأهواء كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به»، ومن خصائصها الوضوح والبيان والظهور، فالقضايا الأساسية واضحة كل الوضوح لمن تدبر فليس فيها تعقيد ولا غموض ولا فلسفة، بل أدلتها واضحة من الكتاب والسنَّة واضحة المعاني بيّنة الألفاظ، ومن خصائصها أنها تتفق مع الفطرة المستقيمة والعقل السليم فليس فيها ما يتنافى مع الفطرة المستقيمة التي فطر الله الناس عليها».
وأكّد سماحته أنه ليس في النقل الصحيح ما يختلف مع العقل الصحيح أو يحيله، حيث دعا القرآن «العقل» إلى التدبر والتفكر في آيات الله وعظم شأنه، مشيرًا إلى أن من خصائص الشريعة الإسلامية أنها عقيدة الوحدة والألفة والجماعة وتربط بين أتباعها برابطة الإيمان بعيدة عن اللون واللغة والإقليم.
وأبان سماحته أن العبادات ما بين فرائض يجب أداؤها عند استكمال شروطها وما بين نوافل العبد مخير فيها ولكن الشارع حثَّ عليها لجبر النقص وتكميل الخلل ليكون من أدى الفرائض من المتقين ومن أدى الفرائض مع النوافل كان من الأبرار المقربين ونال محبة الله، مشيرًا إلى أن لهذه العبادات خصائصها وأنها توقيفية يعلم تفاصيلها من كتاب الله ومن سنَّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وبيَّن سماحة المفتى أن من أتى بعبادة غير مشروعة فقد ابتدع في دين الله مستدلاً بقول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، مشيرًا إلى أن من خصائص العبادة تقريب العبد لربه فلا صلة له بدونها، وهي مبنية على الاتصال المباشر بالله، مشددًا على عموم وجوبها واستمرارها على المكلفين ذكورًا وإناثًا، أغنياءً وفقراءً، حكامًا ومحكومين إذا توفرت الأسباب والشروط.
وتحدث سماحة المفتي العام للمملكة عن أنواع من العبادة وبيَّن أنها ما بين عبادة بدنية وما بين عبادة مالية وما بين ما جمع بينهما، مؤكدًا أن ذلك تيسير للمسلم لأدائها وتكثير مصادر الحسنات ورفع الدرجات، مشيرًا إلى أن من خصائص بعض الشعائر أنها ظاهرة معلنة مثل الصلوات الخمس، حيث يؤذن لها وتُقام في الجمعة والجماعة وفي المساجد والزكاة ظاهرة والصوم معروف والحج بمشاعره وأوقاته الخاصة.
وأشار إلى أن من خصائص هذه الشريعة رفع الحرج وأنها ميسرة على الإِنسان كما قال سبحانه وتعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}، مؤكدًا أنها ليست طقوسًا فارغة، بل لها آثار إيجابية في إصلاح الفرد والجماعة في الأقوال والأخلاق والأعمال، وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وتشعر العبد بالسكينة والطمأنينة وراحة النفس، مستشهدًا بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أرحنا يا بلال بالصلاة). وقال: «إن الأصل في المعاملات الحل إلا ما دلّ الدليل على تحريمه {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وأن النصوص جاءت بالمحافظة على المال واكتسابه بالطرق الشرعية من بيع وشراء وتجارة وصناعة وعملاً باليد»، مذكرًا بما سأل عنه صلى الله عليه وسلم أي الكسب أفضل قال عمل الرجل بيده.
وأوضح سماحة مفتي عام المملكة أن الله سبحانه وتعالى نهى عن الإسراف بقوله: {وَلا تُسْرِفُوا أنه لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، ونهى عن التبذير بقوله، {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، أن الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} ومنع المسلم من أن يعطي المال لمن لا يحسن التصرف فيه بقوله: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا} وأرشد إلى كتابة العقود خوفًا من النسيان بقوله: {إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إلى أجل مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}.
عقب ذلك تحدث فضيلته عن المعاملات الإسلامية وقال: «إن للمعاملات الإسلامية خصائص ومن خصائصها أن المال بيد الإِنسان وملكه الله إياها واستخلفه فيه، فيجوز للمسلم التصرف في هذا المال من حيث التملك والإنفاق والتنمية بما يوافق شرع الله، وجعل الناس متفاوتين في أرزاقهم لحكمة أرادها كما قال في كتابه الكريم: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}» مرجعًا ذلك إلى اختلاف مواهبهم وقدراتهم وجهدهم في تحصيل المال وتنميته.
وأشار سماحته إلى أن من خصائص المعاملات الإسلامية التوازن بين حاجة الفرد والمجتمع فلا يطغى بعضهم على بعض، مبينًا أن الإسلام سعى إلى إقامة مجتمع طاهر نزيه عفيف يقوم على ارتباط الرجل بالمرأة بالزواج الشرعي وبين علامات الأسرة بيانًا واضحًا خوفًا على الأسرة من التفكك والانحلال وعلى المجتمع من الانهيار والفساد.
وأكّد سماحته أن الإسلام لا يعترف بأي علاقة سرية قائمة على غير الشريعة مثل الزنا والشذوذ والتبني وجعل ذلك منافيًا للديانات السماوية ومناقضًا للفطرة وللقيم والأخلاق، مبينًا أن من خصائص الأسرة أنها لحفظ النوع البشري وتكثير النسل وإرضاء الغريزة بالطريقة المشروعة.
وبيَّن سماحته أن الإسلام حثَّ على إكثار التناسل عملاً بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)، مشيرًا إلى أن الجيل الصالح تسعد به الأمة في دينها ودنياها. وقال: «إن من خصائص الأسرة الرحمة والمودة والسكن بين الزوجين وأن ذلك لا يتم إلا في ظل أسرة مباركة تغرس المودة في قلوب الأبناء وارتباط بعضها ببعض ولا يتم كذلك إلا على الأسرة الشريفة التي قامت على المبادئ الشرعية، وأن من الخصائص الأسرة التوازن والتعامل مع الغزيرة فلم يدع إلى كبتها ولا إلى التبتل ولا إطلاق العنان للشهوات، بل أحاطها بسياج من الحياء والعفة ووضع نظامًا للاستمتاع بهذه الغريزة يكفل المسلم العفة والسلامة والنزاهة ومن خصائصها كذلك أن الله وزع الواجبات بين الزوجين الرجل والمرأة، فالرجل له القوامة وعليه النفقة والمرأة أمور المنزل والتعاون مع زوجها في كل ما يسعد هذه الأسرة» مستدلاً بقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
إثر ذلك تحدث فضيلة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ عن العقوبات في الإسلام، حيث أوضح أن الإسلام نظم العقوبات والزواجر وذلك نظرًا لأن النفس إمارة بالسوء ميالة للهوى غير معصومة من المعاصي والآثام وقد سلك الشرع في ذلك الترغيب والترهيب لينهى المسلم عن الإجرام والفساد، مستدركًا بالقول: «ولكن من عباد الله من لا ينفع معه الترغيب والترهيب وينتهك حرمات الله ويتعدى على حدود الله فجاءت العقوبة الشرعية حماية للمجتمع وقاية له وحفظًا لدماء المسلمين وأموالهم وعقوبة لمن وقع فيها وكفارة لمن أقيم الحد فيها وزجرًا لمن تسول له النفس الوقوع في الجريمة».
وتحدث سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء في خطبته عن الوسطية في الإسلام وأشار إلى أن الدين الإسلامي دين الوسطية والاعتدال مستدلاً بقول الله سبحانه وتعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} مبينًا أن لهذه الوسطية معالمها ومظاهرها التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنَّة، وإن من معالمها التوسط بين الجفاء والغلو في باب الإيمان بأنبياء الله ورسله، حيث دعت الشريعة إلى الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله استنادًا على قول الله عزّ وجلّ {قُلْ آمنًا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحد مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}، مشددًا على أهمية معرفة قدر الرسل والأنبياء في عبادة ربهم وتبليغ الرسالة، حيث نهى عن الغلو فيهم كما غلا من قبلنا في أنبيائهم وكذا من فرطوا فيهم وقتلوهم وكذبوهم.
وبيَّن سماحته أن علامة وسطية الإسلام التوسط في مطالب الروح والجسد والدنيا والآخرة، مستدلاً بقوله تعالى {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}، مفيدًا أن الشريعة الإسلامية دعت إلى تهذيب النفس في العبادة المشروعة ونهت الترهب والتنسك الذي يدعو إليه غلاة تهذيب النفس المهملين لحال الجسد، وأباحت الانتفاع بالطيبات ونهت عن الركون إلى البهيمة المادية التي كان عليها مكذبي أنبياء الله ورسله.
وأضاف: «إن من معالم وسطية الإسلام أنها لم ترض مذهب من منع التجييز والتغيير مطلقًا ولا من بالغ في التجييز حتى في الثوابت والمبادئ بل وضعت أمورًا ثابتة لا تتغير بتغير الأحوال والأزمان، فالعبادة كالعقائد والعبادات موصل للأخلاق، وهناك من يجتهد فيه حسب القواعد الشرعية، ومن هنا نعلم أن الشرع لا يقر من دعا إلى التجييز والتبديل في الثوابت والمستلزمات لتوافق الحضارات المادية وتواكب متطلبات العصر كما يزعمون».
وأوضح أن من الخصائص الوسطية في الإسلام العدل المطلق بين المسلم والكافر والقريب والبعيد والصديق والعدو كونها شريعة حق، حتى في الحيوان فهي شريعة عدل فهي خير كلّها.
وأفاد سماحته أن من معالم وسطيتها نبذ الغلو والتمتع في الدين وطلب التيسير، مستشهدًا بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام (إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) مبينًا أن النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم كان إذا خيّر بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا. وبيَّن سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ أن من مظاهر هذه الشريعة أنها عالمية في العقيدة ووصفت الله بأنه رب العالمين ودعت إلى توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته والإيمان بجميع الرسل والإيمان بوحدة العقيدة، وقد دخل من ضمن هذه العقيدة شعوب وأقوام على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم، وأنه بالإيمان تكونت أمة واحدة في غاية الرقي بعيدة عن الوثنية وعبادة غير الله والظلم والفساد.
وأشار إلى أن مظاهر عالميتها كذلك أن كتاب الله تحدى به الكفار والمخالفين في كل الأزمان بقوله: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}، ومن مظاهر عالميتها أنها تعالج مشكلات الحياة وتواكب الأحداث وصالح تطبيقها لكل زمان، وأنها دعت وبيّنت أن الأصل في الناس جميعًا أنهم من ذكر وأنثى، فلا شعوبية ولا عنصرية ولا قبلية في هذه الشريعة، بل دين حق يجمع الشعوب، مستشهدًا بقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم: (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد الا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى).
وواصل سماحة مفتي عام المملكة حديثه في خطبته عن عالمية هذه الشريعة بقوله: «إن علامة صلاحها لكل زمان ومكان صمودها عبر التاريخ أمام الأحداث الجسام فلم تؤثر الحركات الهدامة ولا التيارات المعادية ولا الفتن الداخلية ولا الحروب الخارجية، بل ظل الإسلام قويًا شامخًا تحدى حروب الردة، صمد أمام حروب الردة والصبئية والباطنية والزنادقة وشعارات الفلاسفة والشيوعية والاستشراق والتنصير، وسيظل الإسلام قويًا إن شاء الله أمام هذه التحديات والحملة الشرسة والتشويه المتعمد لصورة الإسلام وسيظل قوة الغد وحضارة المستقبل، لأنه دين العدل والإنصاف بخلاف العولمة التي ثقافتها تسلّط القوي على الضعيف وطمس هويته وتأمين مصالحة وسيظل يهتم بمصالحه مما ينذر بالبطالة والفقر وغلاء الأسعار وغير ذلك من الكوارث».
وبيَّن سماحة المفتى أن دين الإسلام جاء لتكريم ذلك الإِنسان الذي خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته ونفخ فيه من روحه وحفظ عقيدته وعرضه وماله وعقله وحقوقه مهما كان جنسه وعرقه ومهما كان عالمًا أو جاهلاً حضريًا أو بدويًا، ونهى عن الاعتداء عليه من أي أنواع الاعتداءات، مؤكدًا أن هذا خلاف الأنظمة البشرية التي جاءت للمحافظة على حقوق الأغنياء الأقوياء وإجحاف بحق الفقراء، حيث إن قوانين هذه الأنظمة حبر على ورق تكيل بمكيالين تجعل للقوي الحق في الاعتراض والنقض على كل قرار يختلف مع مصالحهم.
وقال: «هؤلاء المستعفون احتلّت بلادهم وشردوا من أراضيهم وهدمت البيوت على رؤوسهم، وقُتل الأبرياء وانتهكت أعراض النساء وحصل اختلال في الأمن ودكت بينهم الحروب الطائفية والحزبية، والأسلحة بينهم حتى قتل بعضهم بعضًا ووضعت الدساتير والقوانين لتبرر تلك الجرائم وتفعل تلك الجرائم على مسمع ومرأى ممن يدعون حقوق الإِنسان، فأين حقوق الإِنسان من هذه الجرائم، لا أحد يحرك ساكنًا ولا يجرم مجرمًا، بل لو أحد نادى بحقوق بلاده لجرم وعُقب ولاتخذ قرار ضد المجرم حياء ولا مضض ولأصبح أدراج الرياح»، مؤكدًا أن الإسلام لا يعرف الزيف ولا المعايير لأنه كما يحرم الإرهاب ويجرم الإرهاب والإخلال بالأمنيين فإنه أيضًا يحرم احتلال البلاد وظلم العباد ويدعو إلى أن القتال لا يعالج بالقتل ولا يعالج بالعنف.
وأكّد سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ في خطبته أن التيسير في إتباع كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عليه الخلفاء الراشدون وصحابته الكرام.
واستعرض سماحته في خطبته خصائص الإسلام العامة واصفًا إياه بأنه دين رحمة وتسامح ونبذ للشدة والعنف بجميع صوره، وقال: «الرحمة من صفات محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك ذكره الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وهي رحمة في الشريعة وتعاليمها في العبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك، ففي العبادات لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها «.
وبيَّن أن الدين الإسلامي دعا إلى الرفق واللين، وأن الرفق ما ورد في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه مستدلاً على ذلك برحمة الأبوين ورحمة الصغار والأيتام والأرامل والعجزة والخدم والعمال والجيران والتراحم بين الزوجين وبالأرحام، كما استدل بقول الله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ} وبقوله عزّ وجلّ {وَمَنْ يَقْتُلْ مؤمنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} كما استدل بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)».
وقال: «إن الإسلام حرَّم الدماء المعصومة بغير حق، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة)، وحرّم الإسلام الإرهاب بجميع صوره ودعا إلى مجتمع آمن مطمئن يعيش في ظله الجميع بعيدين عن الحروب والفتن فبالأمر يحج بيت الله الحرام وبالأمر تعمر المساجد وبالأمر ينتصف للمظلوم من الظالم».
وأشار سماحته إلى أن من مقومات المجتمع الأمن شكر النعمة واستعمالها في طاعة الله عملاً بقوله تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، وأن عدم شكر النعمة يؤذن بالعذاب وانتزاع الأمن، استدلالاً بقول الله عزّ وجلّ {وَضَرَبَ اللَّهُ مثلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}».
وبيَّن سماحته أن من أسباب الأمن الاستقرار السياسي، حيث أمر الشرع بطاعة ولي الأمر والالتفات معه، وحذّر من عصيانه والخروج عليه ورغب الإمام في شأن الرعية بالعدل بينهم وسياسته بالحق.
وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ: «إن من خصائص الإسلام العامة أنه رسالة عالمية لجميع الخلق ودعوته لجميع الناس في كل الأزمان استدلالاً بقول الله تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}، واستدلالاً بقول محمد صلى الله عليه وسلم: (وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت للناس عامة فلا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كان في النار).
وأكّد سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ أن الإرهاب يقطع بنفى الغلو مهما كان مصدره، مشددًا على أهمية قطع الأسباب التي تمده ورفع الظلم عن المستضعفين والمسلمين ومعاقبة المجرمين أفرادًا أو جماعات. وقال: «إن دين الإسلام جاء بارتباط العقل بالعمل وأن العمل والإيمان جزءان وأن الإيمان مربوط بالعمل وأنه يزيد بزيادته وينقص بنقصانه وأن أدلة الكتاب والسنَّة ربطت الإيمان بالعمل، فعلى المسلم أن يتقي الله وينفذ فرائضه ويؤدي واجباته ويعرف حقوق الله وحقوق عباده، وأن أغلى ما يملك المسلم في هذه الحياة هو إيمانه ودينه مطالبًا المسلمين بالاعتزاز بالشخصية الإسلامية».
وحذّر سماحة مفتي عام المملكة من أن يخجل المسلم من إظهار دينه في أي مجتمع وفي أي مكان مطالبًا المسلمين بعدم الالتفات إلى من عطلوا فرائض الله وانساقوا وراء الفتن والمغريات.