كانت الصين يضرب بها المثل في البُعد عن المملكة؛ إذ يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «اطلبوا العلم ولو في الصين»، ولكن الصين لم تعد بعيدة بفضل التقدم المذهل في وسائل المواصلات والتقنية.

وعلى ضفاف نهر هوانج يو في شنغهاي التي تعد ثاني أكبر المدن الصينية بعد العاصمة بكين أقيم معرض إكسبو شنغهاي 2010، وهو المعرض الأضخم في تاريخ المعارض الدولية؛ إذ تشارك فيه أكثر من 200 دولة، إضافة إلى العديد من الشركات العالمية والمنظمات الرسمية. وفي إطار تأكيد الروابط والعلاقات الوثيقة بين المملكة والصين التي تعد الآن من أكبر الاقتصاديات العالمية شاركت المملكة بجناح كبير أقيم على مساحة 7000م2، وافتتحه صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور منصور بن متعب وزير الشؤون البلدية والقروية وبعض أصحاب السمو والوزراء ورجال السلك الدبلوماسي ورجال الفكر والثقافة ووسائل الإعلام المختلفة التي كان حضورها مميزاً يعبر عن الاهتمام بالمملكة وشعبها وقيادتها، ونالت الرقصات الشعبية والتراثية التي أدتها فرق الفنون الشعبية المشاركة إعجاب الجميع. ومن الجدير بالذكر أن الرئيس الصيني هوجين تاو قد زار المعرض في لفتة كريمة تدل على مكانة المملكة لدى القيادة الصينية، وكان عنوان المعرض (مدن أفضل.. حياة أفضل)، وقد قارب عدد زوار جناح المملكة خمسة ملايين زائر. وكان هدف المملكة من المشاركة في هذا المعرض هو إقامة جسر تواصل بين الشعبين الصديقين، وتعريف الشعب الصيني بثقافة وتنوع النشاطات وجغرافية المدن في المملكة، والتعريف بالمدن السياحية والاقتصادية في مملكة مترامية الأطراف. وقد أبرز المعرض مشروع خيام منى وخدمة الحجيج التي تعبر عن مقدرة المملكة على القيام بالممارسات الحضارية في الظروف الصعبة؛ إذ تقدم هذه الخدمة مع غيرها من الخدمات لثلاثة ملايين حاج في وقت محدد، وقد حصل هذا المشروع على مركز متقدم من بين 120 دولة مشاركة.

ولتحقيق الهدف من المشاركة في هذا المعرض حشدت المملكة الطاقات المناسبة ووفرت الإمكانات لتحقيق تطلعات المملكة حكومة وشعباً لتحقيق الأهداف المرجوة من مثل هذه المشاركات العالمية لتعكس الصورة الحقيقية لمملكة الإنسانية شعباً وقيادة وروحاً، وتعبر بصدق عن مدى التطور الذي تشهده وحققته المملكة في المجالات والصعد كافة، وما تتميز به راسخ القيم والأعراف والتقاليد والتراث والثقافة والصناعة والاقتصاد التي كانت سبباً في نهضتها العمرانية المواكبة.

انفرد جناح المملكة بالتصميم الخاص والموقع المتميز، وقد صُمّم على شكل سفينة النور باتجاه مكة المكرمة تأكيداً لوضوح التوجه والرؤية، في شكل انسيابي ورشيق مستوحى من إبريق الكنز الموجود في التراث الصيني ويرمز إلى الازدهار والفأل الحسن، وقد مزج المصمم بين العناصر التقليدية في كل من المملكة والصين، التي شملت بعض الزخارف الإسلامية الأصيلة، وانسجمت المحتويات مع حكمة الرجال في بلادنا العريقة والتنوع الثقافي والحضاري والتوازن في التنمية. أقيم الجناح في موقع مطل على نهر (هوانج يو)؛ حيث رست سفينة النور على حديقة الصداقة السعودية الصينية، واحتل الجناح السعودي المركز الثاني حجماً بعد الجناح الصيني، وحقق الجائزة الذهبية من الفئة الأولى في مجال العرض الإبداعي، وهو ما يعدّ مفخرة لنا جميعاً. وبعد نجاح الجهود في تحقيق الأهداف المرجوة بقي أن نعرف من هم وراء كل هذا النجاح، إنها القيادة السعودية الواعية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني - حفظهم الله - والوزير الشاب الأمير الدكتور منصور بن متعب بتوجيهاته المستمرة والمتابعة الدؤوبة، وكذلك سعادة وكيل الوزارة للتخطيط والبرامج الدكتور عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ المفوض العام لجناح المملكة، وحشد غفير من الشباب والخبرة والأموال لإقامة هذا الجسر الثقافي الذي بُني ليدوم ويعبر عن عمق العلاقات بين الشعبين السعودي والصيني وقوة الروابط والمصالح المشتركة. وفي خضم هذه الفرحة الغامرة لا يجب أن ننسى جهود فريق سفارة المملكة الذي لم يألُ جهداً ولم يدخر وسعاً فكان هذا النجاح.

وعلى صفحات هذه الصحيفة الغراء يطل القلم من جديد ليعبر عن فرحة الجميع؛ فقد عودتنا صحيفة الجزيرة دوماً أن يكون لها السبق في تسجيل كل نجاح يتحقق على أرض الواقع بفضل الله أولاً ثم بجهود أبناء هذا الشعب المعطاء المتطلع دوماً إلى العلا، وكأنها سجل المفاخر والأمجاد. فشكراً للأمير الدكتور منصور بن متعب على جهده الواضح في هذا المعرض، والشكر موصول لسعادة وكيل الوزارة الدكتور عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ وجميع من شارك في هذا الكرنفال الكبير. وفّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.