في نهاية شهر رجب من عام 1431هـ غادرت الرياض إلى مدينة جوثنبرج في السويد مروراً بمدينة فرانكفورت في ألمانيا، وهناك تم الانتقال إلى طائرة أخرى، وتم ختم جواز السفر، وكنت أتوقع أن يطلب مني تعبئة نموذج للدخول، وأن تفتش حقيبتي الكبيرة..
ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وتم تفتيش حقيبتي التي أحملها في يدي بيسر وسهولة، كنت أظن أن تلك الإجراءات ربما تطلب مني في السويد، ولكن عندما وصلت تمت معاملتي على أنني في رحلة داخلية، وصلت مطار المدينة المحلي، والتي لها مطاران دولي ومحلي في الساعة العاشرة والنصف صباحاً، وعندما خرجت اتجهت إلى محطة سيارات الأجرة، ولاحظت أن هناك اثنان يتكلمان العربية، فأقبل أحدهما يعرض علي الركوب معه بالإنجليزية، وكانت سيارته هي الأولى في الصف، وعندما علم أنني عربي بدأ يتكلم بالعربية، وخيرني بين الركوب معه أو ركوب الحافلة، فاخترت مرافقته للسانه العربي، ولسرعة الوصول رغم ارتفاع السعر فقد طلب ستين دولاراً لمسافة لا تزيد عن خمسة وعشرين كيلاً، وتبين لي فيما بعد أن التنقل بواسطة سيارات الأجرة هو الأغلى، وبعد أن ركبت أدار مسجل السيارة بآيات من القرآن الكريم، فاستبشرت خيراً، وحمدت الله على أن جعل القرآن يتلى في هذا الركن القصي من العالم، وكان مرافقي من العراق، وله في السويد سبع عشرة سنة، وسألته عن المساجد فقال بأن هناك عددا منها، ولكن لا يوجد واحد منها يمكن الوصول إليه مشياً على الأقدام من الفندق الذي أنزل فيه، وأخذت رقم هاتفه ليوصلني إلى مسجد أصلي فيه الجمعة عندما يأتي يومها ووقتها، حدثني عن الأنظمة والتزام الناس بها، ولهذا تقل حوادث السيارات، بل ربما إنها تكون الأقل في العالم، وكان يسوق بسرعة 140كم في الساعة، فسألته عن السرعة القانونية، فقال: إنها تختلف ففي أقصى اليسار تكون 110كم، وفي الوسط 100كم، أما من أراد أن يسوق بسرعة منخفضة فعليه أن يلزم أقصى اليمين، فقلت له إنك تسوق بسرعة 140كم؟ فقال: أنا مخالف للنظام، ولكن في هذه الأماكن لا يوجد مراقبة، وهذا مؤشر على أننا نحن العرب ربما لا نحترم النظام إلا إذا كان هناك تطبيق صارم له، بعكس السويديين وأمثالهم ممن يحترم النظام، ويطبقه ويدافع عنه.
جمال الطبيعة الساحر والآسر أبرز ما يشاهده الزائر، فمن الطائرة تشاهد الغابات والبحيرات، والواقع أن مساحات مسطحات البحيرات توازي إن لم تزد عن مساحات اليابسة، والسويد من أكثر البلدان التي فيها بحيرات، ففيها أكثر من مائتي ألف بحيرة كما تقول الإحصاءات، وفي الطريق من المطار إلى الفندق، كانت الطبيعة الخضراء، والمطر الخفيف، ونظافة المكان تسر النفس، وتبهج الخاطر، وخاصة للقادم من الصحراء حيث الغبار ودرجات الحرارة المرتفعة، وخاصة في هذا العام الذي بلغت فيه الحرارة مستويات قياسية لم تصل إليها من قبل، أما في السويد فإن درجات الحرارة تقع في الغالب ما بين 17 و22 درجة مئوية، والأمطار شبه يومية، والأجواء صافية ونقية.
تعودت قبل زيارة أي بلد أن أقرأ عنه، وقبل زيارة السويد كنت أقرأ ما يقع تحت يدي من معلومات عنها، فعلمت أن سكانها يبلغون حوالي تسعة ملايين نسمة، وأن مساحتها تبلغ حوالي نصف مليون كم مربع، وأن عدد المسلمين فيها يقدر بحوالي نصف مليون نسمة، أي حوالي 5% من السكان، ومعظمهم من المهاجرين من البلدان المسلمة، مع تزايد أعداد الذين يدخلون في الإسلام من السويديين في العقود الأخيرة. وقد بحثت عن المراكز الإسلامية بواسطة الإنترنت، فوجدت أكثر من مائة مركز إسلامي في قائمة واحدة، منها خمسة في مدينة جوثنبرج التي تستضيف المؤتمر. وقبل عقد من الزمن تقريباً أقيم في الرياض لقاء تعريفي بالسويد برعاية السفارة السويدية، وأذكر أنني اطلعت على بعض منشورات ذلك اللقاء وذكر فيه أنه تم اكتشاف أكثر من ثمانين ألف قطعة نقدية ذهبية تعود للعصور الإسلامية القديمة، وأقدمها يعود تاريخه إلى بدايات النصف الثاني من القرن الهجري الأول، ومعظمها وجدت في المقابر، حيث كانت ثروة الميت تدفن معه، وكان الفايكنج يمارسون التجارة عبر نهر الدانوب ويصلون بتجارتهم إلى حواضر العالم الإسلامي آنذاك دمشق وبغداد، ويحملون معهم في طريق عودتهم بضائع إسلامية، وهذا يفسر ذلك الكم الكبير من النقود الإسلامية، وقرأت في مرحلة سابقة رسالة ابن فضلان الذي أرسله أحد خلفاء بني العباس سفيراً له إلى بلاد البلغار، فتجاوزها إلى روسيا والبلاد الأسكندنافية التي تضم السويد والنرويج، ووصف الكثير من حياة شعوبها وعاداتهم وتقاليدهم، وشارك في بعض معارك الفايكنج، واختلطت في وصفه الحقيقة بالخيال، والواقع بالمبالغات المختلفة، والسويد جميلة في فصل الصيف، ويمتد نهارها عشرين ساعة، أما الليل فلا يتعدى أربع ساعات، فغروب الشمس يتم في العاشرة مساء، والفجر يحل في حوالي الثانية والنصف صباحاً، وفي السويد تكثر الغابات، وطقسها في وقت الشتاء شديد البرودة، وهي من أكثر الدول تقدماً، ومستوى المعيشة فيها هو الأعلى في العالم، ولكنها تعاني من ارتفاع نسبة الانتحار، فنسبته فيها هي الأعلى في العالم كذلك، وسبب ذلك في نظري يتمثل في غياب الإيمان، والمعاناة من الخواء الروحي والنفسي.