تعتبر المشاركة السياسية الشعبية مرآة لمدى التقدم في الوعي السياسي لدى المجتمع وفي مفهوم أصول المشاركة في بناء المجتمعات المدنية. والمشاركة السياسية هي نتيجة حتمية لعدد من العوامل التي إن اتحدت شكلت
أساساً لبناء النظام السياسي كالعامل الاقتصادي والمعرفي والثقافي والسياسي والأخلاقي والاجتماعي على أن يكون العامل الأخير مجرداً من تأثير الجماعة أو القبيلة أو أي انتماء طائفي أو حزبي أو عقدي أو أيديولوجي.
لاشك أن أي نظام سياسي يسعى جاهداً لإرساء دعائمه وإنجاحه وتمكينه والإبقاء عليه وتقويته بشتى الطرق ولن يتحقق ذلك دون مشاركة سياسية من الغالبية، ذلك أن الغالبية هم من يحتاجهم النظام في دعمه ودفعه وتقويته، يقول رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق أبراهام لنكولن: «إنها التجسيد العملي لحكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب»، على أن تلك المشاركة تتطلب بلا شك معايير معينة وصفات محددة منها القدرة أساساً على المشاركة السياسية والمعرفة الجيدة بالعملية السياسية وإلمام بأنظمة وقوانين المؤسسات المدنية وقبل ذلك معرفة الغاية والهدف من المشاركة السياسية بغية الوصول إلى الأهداف المرجوة، تلك الأهداف التي لا تغذيها القوالب الجامدة المتأثرة كما ذكرت سابقاً.
لا يمكن الحديث عن دولة قوية دون أن تتمتع بمقومات كافية لتطويرها وتطوير أنظمتها وتطوير حياتها وحياة شعبها وتنمية مواردها وازدهارها. كما لا يمكن الحديث عن تلك المقومات بمعزل عن أطر عامة قائمة على مؤسسات ديمقراطية قوية يكفل تحقيقها مشاركة شعبية واسعة، تلك المؤسسات التي ينبغي لها أن تحافظ على تقدم البلاد اقتصادياً وتحقيق التنمية المستدامة المطلوبة بما يكفي استمرارية قوة الدولة والتي لا تتحقق إلا من خلال مشاركة شعبية ديمقراطية تناقش وتفند وتمحص وتوصي بنتائج لجميع المشكلات والهموم التي تواجه المجتمع بمختلف أطيافه وشرائحه.
كما لا يمكن الحديث عن مشاركة سياسية إلا في دولة قوية ديدنها تطبيق الحق في بيئة ديمقراطية معلنة وواضحة تخلو من التأثيرات الأيدلوجية المفعمة بالانتماءات الطائفية التي لا نفع لها والتي عادةً ما تجر الدولة إلى مستنقعات الخلافات الداخلية فضلاً عن التأثيرات النفسية السلبية جراء حرمان الطرف الآخر من المشاركة السياسية وما ينتج عن ذلك من خروج عن النسق لدى بعض من أبعدوا قسراً عن المشاركة في صناعة القرار السياسي الداخلي أو الخارجي.
للمشاركة السياسة الشعبية عدد من الإيجابيات بخلاف ما يُعتقد، فهي تنمي لدى المواطن الشعور بوجوده وباحترام متطلباته وقبل ذلك بإنسانيته، وتعمل مشاركته تلك على تنمية الوعي السياسي لديه ما يعطيه مزيدا من القدرة والحنكة للمشاركة الفاعلة المطلوبة وتبعده عن النرجسية في الطرح والمطالبة.
لاشك أن أسباب كثير من مشكلات المجتمع السعودي اليوم يعود في غالبيتها إلى عدد من الأمور منها البطالة وتدني المستوى المعيشي والارتفاع الحادث والمتنامي في أسعار المواد الاستهلاكية، وغياب حس المشاركة في صناعة القرار وغيرها كثير من المشكلات التي ربما ولدت كثير غيرها، تلك المشكلات التي ينبغي استئصالها قبل استفحالها وجزها قبل تناميها ولا يمكن إثقال كاهل الدولة بتحميلها وحدها دون مشاركة شعبية منظمة تعمل على إيجاد الحلول لجميع تلك المشكلات.
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (وشاورهم في الأمر) واختلف أهل التأويل في أمره بالمشاورة مع ما أمده الله تعالى من التوفيق على ثلاثة أوجه: أحدها أنه أمر بها في الحرب ليستقر له الرأي الصحيح، فيعمل عليه، وهذا قول الحسن. وثانيها أنه أمره بالمشاورة لما علم فيها من الفضل، وهذا قول الضحاك. وثالثها أنه أمره بمشاورتهم ليستن به المسلمون وإن كان في غنية عن مشورتهم، وهذا قول سفيان.
إلى لقاء قادم إن كتب الله.