أفرزت لنا دورة الخليج العشرين عدداً من البرامج الرياضية المضحكة، تلك البرامج التي لا تحترم عقل المشاهد، بل ولا حتى ذوقه وحشمته، فمن أين نبدأ تحليل المحللين؟ من الذي يكاد أن ينهض ويخبط زميله بكأس الماء، أو ممن يستقبل مكالمة على هاتفه المحمول من أمه التي تنصحه بألا يضحك كثيراً: «شاطر حبيبي صلوحي لا تضحك كثير، حتى ما يطيح عقالك»! ثم يرمي بهاتفه المحمول إلى مقدم البرنامج الذي «يمسّي بالخير» على أم صالح، أو ممن ختم برنامجهم السخيف بأن رفع ثوبه وبدأ يدور بين ضيوف البرنامج وهو يرقص ويتلفظ على بعض ضيوف البرنامج مستفزاً لهم؟!
أي برامج هذه التي تضخّها لنا القنوات الرياضية السطحية، وأي تحليل ننتظره من فتى شاشة الأحلى والأجمل والأكمل، وهو يستجدي نجوم التمثيل والطرب كي يشيدوا بقدراته الفذّة العبقرية في برنامجه الممل؟ ألا يوجد من يوقف هذه الفوضى والشحاذة الفضائية؟ أين إدارات هذه القنوات الفضائية؟.
حينما نتابع إحدى مباريات الدوري الأسباني أو الإنجليزي، فإننا لا نستمتع بأداء اللاعبين المبهر في أرضية الملعب فحسب، بل نشعر أيضاً بالدهشة من أداء المحليين في الأستوديو، خاصة الأجانب الذين يجيبون باختصار شديد ومكثّف، لا يطوفون حول السؤال ولا يخلعون حتماً ملابسهم وغترهم كما لو كانوا في المدرجات... هل يحق لي أن أقول بأن البرنامج الرياضي الوحيد الذي يشبه الأداء الأجنبي باحترامه للمشاهد هو برنامج «في المرمى» للمتألق بتال القوس، صحيح أنه يزيد العيار أحياناً، لكنه حينما يفعل فإنه يفعل ذلك باحترام ووعي.
المذيع الرياضي المتألق هو من يكبح نفسه في إبداء ميولها وسيطرتها على أفكاره وأسئلته، وحتى لو أعلنها ذات يوم، فالمهم هو الشخص الذي يقف «في المرمى» ويتحدث بحياد وإنصاف مع الجميع، ويحترمهم ويحترم مشاعرهم.
شخصياً، لا أعتقد أن الرياضة تهذيب للنفوس ورقي في الذائقة، بل هي تأجيج للنفوس والشحناء والبغضاء والعنصرية، خاصة بعد أن فعلها لاعب الكويت عبدالعزيز العنبري، وقام وسط «المجلس» البرنامج الرياضي المضحك المبكي، ورفع ثوبه وطوّح بالعلم، ودار على الضيوف ساخراً ومستفزاً بسبابته، ورقص حتى سقطت غترته، وعانق زميله عبدالرضا عباس وبكى، مما يجعلني أسأل العنبري الذي أحببناه لاعباً في السبعينيات، كيف لم تمنحك سنوات عمرك التي تجاوزت نصف قرن بعض الحكمة، كي تضبط انفعالاتك جيداً، وتفرح كما يفرح الكبار؟ صحيح أن انتظار اثني عشر عاماً دون وصول الكويت إلى نهائي، فضلاً عن الظفر بكأس بطولة، حتى لو كانت بطولة الخليج، قد يجعلك مستفزاً ومتوتراً، لكن ليس إلى هذه الدرجة التي خذلت فيها تاريخك الكروي القديم. فماذا ستفعل إذن لو حصلت الكويت على كأس أمم آسيا القادمة؟ هل ستطير آخر شعرة في رأسك العاري، وستطير معها آخر علامات الحكمة والتعقل؟ وسترفع ثوبك وسط المجلس و... و...؟!
ولعل الفجيعة هي لمن يشاهد برنامج «المجلس» أو «المرقص» لأول مرة، لأنه سيصدم بالسلوكيات العجيبة، التي تجاوزت سلوكيات شباب متهور داخل إحدى الاستراحات، أما إذا كان من شاهد الحلقة من هذا البرنامج قد شاهده من قبل، فربما تكونت لديه بعض المناعة مما سيصدر من تصرفات، ولابد أن يقول لنفسه: رحم الله أيام محمد نجيب وبرنامجه «خط الستة» الذي كان مثيراً يصب نقده اللاذع والمزعج، ولكن بذكاء واحترام لذهنية المشاهد.