المسؤولية الاجتماعية في مفهومها العميق، تعني استشعار الفرد أو المؤسسة أن هناك دورا يجب أن يؤدي تجاه المجتمع للارتقاء بواقعه في مختلف جوانب حياته، والتصدي للمشكلات التي تجابه المجتمع بالوسائل الممكنة، من خلال نشاط جماعي يسهم في دفع الأضرار وحل المشكلات وجلب المنافع، لكن الجوانب التي تغطيها المسؤولية الاجتماعية تتعدد وتتنوع بحسب ما يواجه المجتمعات من قضايا ومشكلات، وما تطمح إليه المجتمعات من تطلعات وأحلام وآمال تنقلها إلى حياة أفضل.
المفهوم الغربي حصر مقاصد المسؤولية الاجتماعية في الدور الذي ينبغي أن تلعبه المؤسسات ورجال الأعمال للإسهام في تحقيق جانب من التنمية الاجتماعية، خصوصاً ما يتعلق بالجوانب الخيرية والإنسانية والمشاركة في الفعاليات العامة والتضامن مع ذوي الحاجات والظروف الخاصة والمرضى والسجناء والنازحين، بالإضافة إلى مجالات التدريب والتأهيل والتوظيف، بحيث تصب تلك الأنشطة في خدمة المجتمع بشكل مباشر، لكن مجالات المسؤولية-في نظري- يمكن أن تمتد إلى أبعد من ذلك، بحيث تندرج تحت قائمة اهتماماتها المناشط التوعوية، والحملات التثقيفية، والرسائل الإعلامية، لأنها ركائز معنوية مهمة لدى الفرد والمجتمع، ينبغي أن تسبق الجوانب المادية، المتمثلة في الأشياء سالفة الذكر.
ولا ينبغي أن نحصر هذه الثقافة الواسعة، والمفاهيم الجميلة في نطاق محدود، بل يجب أن تتسع دائرتها لتشمل إفرازات العصر ومعطياته من المشكلات التي تشكل تحدياً أمام المجتمعات، وكذلك تطلعاته التي تمثل أحلاماً للشعوب وطموحات يرنو إلى تحقيقها وتتسابق في تحقيقها الدول والمجتمعات، حتى لا تظل المسؤولية الاجتماعية جامدة ومتوقفة عند حدود رسمت لها قبل عشرات السنين، وألا يكون لها رأي وعلاج للمشكلات العصرية المرتبطة بالعولمة وإفرازاتها وتداعيات التقنية والفضاء المفتوح وتسلل الأفكار المنحرفة والضالة وأمواج الغزو الفكري.
ومن الإفرازات السلبية لهذا العصر والتي اكتوى بلظاها المجتمع السعودي أكثر من غيره من المجتمعات تلك الأفكار الضالة وسلوكيات الفئة المنحرفة، مما شكل تهديدا للأمن الفكري للمجتمع، حيث تم التغرير بشبان صغار سن وصدرت منهم سلوكيات تتنافى مع روح الإسلام وأخلاق المجتمع وتشذ عن سلوك الشخص السوي فضلاً عن المؤمن الذي يخاف الله، مما استدعى وقفة قوية من الدولة في أجهزتها الأمنية، وكذلك وقفة من العلماء ومنهم لجان المناصحة التي مارست نشاطها تحت إشراف وزارة الداخلية، وكانت النتيجة مبشرة حيث تراجع الكثيرون عن أفكارهم الضالة، وتابوا وعادوا إلى الصواب أعضاء صالحين في المجتمع، واتضح من خلال ذلك أن ما حدث واستطاعت الدولة تطويقه في وقت قياسي كانت نتيجة تسلل بعض الأفكار الهجين التي دست لأجل زعزعة أفكار وإيمان البعض وإحداث فتنة ومحاولة يائسة لإحداث تشققات في جدار المجتمع القائم على الأمن والسلام والإيمان والعدل ومراعاة المحرمات والقائم على فطرة الإسلام.
تحقيق الأمن الفكري أمر تصدت له الدولة بمختلف قطاعاتها، وأسهم فيه العلماء من خلال برامج وزارة الداخلية بمتابعة سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية وتلبية لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله)، كما أسهمت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد والأوقاف، عبر مناشطها المختلفة من معارض ومنتديات ومهرجانات دعوية وتوعوية وغيرها، لكن الأمر يحتاج إلى تضافر جميع قطاعات المجتمع، وكذلك يحتاج إلى دعم القطاع الخاص بحيث يكون ذلك ضمن المناشط الاجتماعية داخل المؤسسات والمنشآت والأندية الرياضية وغيرها من الجهات القادرة على استثمار متجتمعها النوعي في تكريس ثقافة الأمن الفكرية وتحقيقه.
الإعلام لابد له من دور في هذا المضمار، وأن تكون له رسالة واضحة مخصصة لمجابهة الأفكار الضالة والمنحرفة حماية لأمن المجتمع وتحقيقاً للأمن الفكرية، وكذلك منظمات العمل ينبغي أن توسع دائرة مسؤوليتها الاجتماعية لتشمل هذا الجانب من خلال منشاطها الثقافية والاجتماعية لتعزز الأمن الفكرية، وعبر ذات الميادين التي تمارس من خلال مسؤوليتها الاجتماعية إسهاما في تحقيق التنمية المستدامة.
بهذه التوليفة، وبهذا المفهوم نستطيع أن نجعل دور المسؤولية الاجتماعية في تحقيق الأمن الفكرية ومناهضة الأفكار الضالة والمنحرفة، وحماية ثقافة هذا الجيل من التلوث الذي يمكن أن يلحق بالبعض بفعل تلك الأفكار التي تستهدف المجتمع وتحاول بيأس أن تخترق حصونه الراسخة بفضل الله ثم بجهود الدولة وأجهزتها الأمنية وعلمائها ثم باستشعار المسؤولية الاجتماعية تجاه هذا الجانب المهم والخطير.