عندما يستعيد الإنسان أيامه الخوالي، وسنينه الماضية، يجد في نفسه حنيناً لتلك الأيام، وأولئك الأصدقاء، وتلك الأماكن التي كانوا يرتادونها، إلا أن الذاكرة تقف وقفة إجلال وتقدير لبعض أولئك الأصدقاء، وكأنهم شمس شارقة وأنوار ساطعة، عندما يمر الشريط الذكرياتي سريعاً وتمر وجوه الأصدقاء مسرعة وجهاً بعد وجه تمر تلك الوجوه ويمر معها الضياء، وقد يكون الاتصال والتواصل قد انقطع عن بعضهم منذ سنين، إلا أن الماضي المشرق خلد لهم آثاراً حميدة في نفوس من صاحبوهم طيلة حياتهم.
إنني لا أتكلم عن صديق معين عرفته وذهب، وإنما أتكلم عن الأشخاص الذين نتعرف عليهم ونقتبس منهم آثاراً حسنة، وأخلاقاً حميدة، وعلماً نافعاً، ثم يذهبون وتبقى آثارهم خالدة في نفوسنا.
كم نفرح ونسعد عندما تعود بنا الذاكرة إلى مواقفنا معهم، وأحاديثنا معهم ولهم، فما بالكم بلقائنا بهم.
إن الصديق الصادق النافع لنفسه ولغيره له آثار حميدة على صاحبه ويختلف الأثر من صديق لآخر، والناس في تلقي الصفات من الآخرين متفاوتة.
وكتابتي للمقال هي دعوة لأن نكون أصدقاء طيبين، نضيف لمن نصادقهم أمراً نافعاً أو خلقاً طيباً أو نفرج عنهم كربة، أو نقدم لهم خدمة، حتى نبقى في أذهانهم طيبي الذكر وطيبي الفعل، وقبل ذلك حتى نعطي الصديق حق صداقته وحق أخوته.
وقد يقول البعض: إن في المجتمع أناساً سيئون قد أفسدوا بسوء طبائعهم على غيرهم من الطيبين، فلن أنفع أحداً، ولن أقدم للناس شيئاً، وعساني أن أسلم من شرهم، وهذا الكلام أسمعه كثيراً، بل لا أبالغ إذا قلت: أسمعه بشكل يومي.
ومن يقولون هذا سنجدهم قد انتفعوا من غيرهم، إلا أنهم ربما واجهوا موقفاً سلبياً غير الموازين عندهم فلهم أقول: الأصل في الناس الوفاء والسجايا الحميدة، ونكران الجميل وسوء الطبائع أمر طارئ على الناس فلا نعاملهم به.
ووصيتي في ختام كلامي: قدم خيراً تجد خيراً مما قدمت، وانفع الناس وستجد ما عملت مدخراً لك عندهم، فأقدم على فعل الأعمال الطيبة ولا تتردد. وإلى اللقاء.