عند سؤالك أي مسن عن المعيشة والحياة وكيفية التعايش خصوصاً قبل (نصف قرن) تجد أن الإجابة متوحدة ومتشابهة ولا نجد فيها أي مفترقات أو تناقض، نجد أن الإجابة تتمحور حول أن القلوب كانت مليئة بالفرح وكانت القلوب متواصلة مع الآخر، وكانت الدنيا لا تشغلهم كثيراً، كانوا متوالفين ومتقاربين جداً، التقارب والتوالف يُقصد به من (الجار ومن القريب)، حياة كانت بسيطة ولكن كانت مليئة بكل معاني وجود الإنسانية وتسامح وصفاء القلوب.
نعلم كثيراً أن الزمن تغيّر وأن التحولات بدأت تأخذ مجراها وطريقها خطوة خطوة وهي تحولات كانت غير متوقعة في ذلك الوقت ولكن رأينا ما رأينا من تحول جذري من جميع النواحي من بنية تحتية ونطاق عمراني وتحولات وأيضاً وجود التقنية من اختراعات وغيرها، من البديهي أن يتعايش الإنسان مع متغيرات الزمن ولكن هناك مبادئ يجب أن تكون موجودة في الإنسان هذه المبادئ قد تكون شرعية وقد تكون أعراف توارثها الأبناء من أجدادهم لا نعني توارث التزمت والتشدد وأعراف ما أنزل الله بها من سلطان من أفكار مغروسة في مخيلة الشخص، نتمسك بأشياء ونترك أشياء قد تكون هي المحك الرئيسي لوجود الإنسانية ووجود التقارب بين الشخص والآخر، هناك تباعد الآن وانعكاس الآية انعكاس سلبي وأصبحت المسألة محيطها محصور ولننظر إلى مشاكل الطلاق لابتعاد الأفكار ولننظر إلى ابتعاد الولاء وما آلت إليه هذا الصراط!!
هناك سمات وعادات أصبحت تتوارث من وجود التباعد بين الأقارب وعدم وجود الوصل (صلة الرحم) وانشغال البشر في أمور حياتية أثرت كثيراً على الوضع الموجود الآن، أصبحت الدنيا هي الهم الأكيد والأهم هناك تفاوت بين القريب وقريبه هناك أبجديات التواصل انعدمت بتاتاً، أصبح الشخص في حاله وخير دليل لاحظوا (الجار) الآن، نجزم كثيراً أن الكثير لا يعرف جاره ولا يعرف حتى من يكون والحارة مليئة بالبيوت والمساكن ومع ذلك كل هؤلاء مجرد تعارفهم أصبح محصور بمعرفة الجار من سيارته فقط!!
إن ما نراه من تباعد بين الشخص والمقربين منه نجد أن هناك مسببات آلت ما آلت إليه الأوضاع وقد يكون الأب والأم هم سبب رئيس من حيث ابتعاد النصح والإرشاد لأبنائهم من حيث الحث على التواصل مع (العم ومع الخال) وعدم قطع الزيارة لهم، نجد أن هذه النصيحة قليل نجدها متداولة بين الوالدين مع أبنائهم ولذلك تفاقمت هذه المشكلة، والمجتمع لديه نظرة قد تكون في محلها ولا يبالي بذلك وقد يكون مع الانصاف وهي نجدها متعلقة في خاطره وخير دليل المناسبات والأفراح التي تقام، حيث يقيم شخص ما وليمة بمناسبة زواج ابنه أو ابنته ومع الأسف بأن لا تكون الدعوات عامة ولكن يكون بأكثرية لرجال الأعمال والمناصب (مسألة مصالح) وهناك مقربين له لم توجه الدعوة لهم، هنا نجد أن تلك المسألة تكون مؤثرة على الأقارب وتبدأ شرارة الابتعاد، أصبحنا نعيش بمجتمع مادي!
هناك الكثير من العوائل (يجتمعون بدائرة) شهرية أو ربع سنوية تكون مقترح من أحد أفراد العائلة ويكون فيها لم الشمل من الأقارب ولهي خطوة إيجابية ولا زالت ولكن الطامة الكبرى بأن من يمثلون العائلة كواجهة اقتصادية أو له مكانة في البلاد من منصب نقولها بأسف (لا يتنزل بالحضور) ويتعذر بأعذار وهمية ومفتعلة، وأصبحت قاعدة التواضع (آخر ما يفكر به) بل رسخت في ذهنه أن قدومه لهذه المناسبة سوف تكون للطلب والشفاعة (تفكير سطحي منه) من قبل الموجودين ولنفترض أنها صحيحة فالأقربون أولى بالمعروف!!
قد تكون المادة هي السبب وقد تكون هناك عوامل أخرى ولكن لنحاول قدر المستطاع أن نأخذ جزء قليل من حياة (الأولين) ونتعايش بطريقتهم (تعايش صلة الرحم وابتعاد الغل الموجود)، القلوب أصبحت الآن ونتأسف كثيراً أصبحت مليئة بالكراهية والحسد والغفل وكثير من سمات الانعكاس الأخلاقي، أصبحت المسألة الآن من حيث صلة الرحم في (العزاء) فقط، أما مناسبات رمضان والأعياد لتقديم التهاني كواجب لا نجد ذلك، نتساءل كثيراً ونجلس مع أنفسنا كثيراً عن هذه التحولات وعن ابتعاد القلوب ولا نعتقد أن الحلول تتشعب فالحلول موجودة بأيدينا من مصارحة النفس ومراجعتها، فالحياة لرجل الأعمال (الثري) والفقير وصاحب الجاه لن تستمر ولن تطول، فالدوام لله عزَّ وجلَّ ولن يبقى سوى الذكر الطيبة من عمل خير ومساعدة وتواصل وأخلاقيات.