مما أُهدي إليَّ في زيارتي الأخيرة لجامعة القصيم في بريدة كتاب لفت نظري عنوانه حينما وقعت عليه عيناي لأول وهلة، حتى إذا علمت أن الكتاب عن سماحة الشيخ الراحل عبدالله بن محمد بن حميد -رحمه الله- أدركت أن كلمة «تاج» قد وقعت في موقعها المناسب، لأن حياة الشيخ عبدالله القضائية حفلت بقصص ومواقف كثيرة مثيرة تستحق أن تُسجل، وتنشر، ليطلع عليها الناس، ويستفيد منها القضاة، وتتعرف عليها الأجيال الناشئة.
بعث الأستاذ سليمان بن محمد العثيم إليَّ بهذا الكتاب المبارك مع ابنه، وقد أحسن إليَّ كل الإحسان، إذ قدَّمه إليَّ بعد الأمسية الشعرية التي كنت ضيفها مساء الاثنين 30-12-1431هـ في قاعة كلية المجتمع ببريدة، لأن هذا الكتاب كان رفيقي في تلك الليلة، وسميري حينما خلوت بنفسي في الفندق، وإن كان قد أسهرني، وباعد بيني وبين النوم المبكر الذي كنت محتاجاً إليه بعد يومٍ ثقافي حافل باللقاءات والندوات.
الكتاب يضم أكثر من (100) رواية وقصة، فيها دلائل على تميز الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- في مسيرته العلمية والقضائية، وفيها شواهد على جوانب من حياة الشيخ زهداً، وورعاً، وفراسة، وحفظاً، ونصرة للمظلوم، وصدعاً بكلمة الحق، ونُصحاً لولاة الأمر، وغير ذلك من جميل الخصال، وجليل الأفعال، وسديد الأقوال.
الجهد الذي بذله مؤلف هذا الكتاب، وجامع مادته الأستاذ سليمان العثيم جهد كبير، وتبويبه للكتاب تبويب جميل، يسهل على القارئ الوصول إلى ما يريد، فقد قسَّم الكتاب إلى ثمانية أبواب تناول في كل باب جانبا من جوانب حياة الشيخ، فالباب الأول عن نشأته وحياته العلمية، والباب الثاني عن حياته العملية، والباب الثالث عن منهجه في التدريس والقضاء والإفتاء والباب الرابع عن أعمال أخرى قام بها الشيخ غير عمله الرسمي، والباب الخامس عن شخصية الشيخ الخلقيّة والخُلُقية، والسادس عن جهوده العلمية، والسابع عن جهوده في المصالح العامة للناس، أما الباب الثامن فضمَّنه المؤلف جوانب متفرقة من حياة الشيخ -رحمه الله-.
في الكتاب مواقف مهمة جداً يستفاد منها في هذه المرحلة التي تحتاج إلى قدر كبير من قوة الشخصية مع الحكمة والرويَّة، والقدرة على استيعاب ما يجري حتى يكون الحكم على المواقف والأشخاص واضحاً، وحتى يظلَّ الشرع رائداً.
ومن أطرف ما تضمنه الكتاب قصص قوة ذاكرة الشيخ عبدالله بن حميد وذكائه ما يُعدُّ من الأعاجيب، خاصة وأنه كان فاقد البصر، إذ فقد بصره منذ السنة الرابعة من عمره.
يروي عنه الشيخ محمد بن عبدالله السبيل قصصاً كثيرة في هذا الجانب منها القصة التالية:
(لما كان الشيخ عبدالله بن حميد في رئاسة الحرم المكي، وبعده في رئاسة مجلس القضاء، كانت الوفود تأتي إليه من بلاد متفرقة، وأغلبهم ضيوف على رابطة العالم الإسلامي، وبعضهم حجاج ومعتمرون يأتون للسلام على الشيخ، فتذكر له أسماؤهم، ومعظمها يكون صعباً وغامضاً، يصعب نطقها أو كتابتها فإذا أراد الزوار الخروج، وصافحوا الشيخ لتوديعه، فاجأ كل واحد منهم بذكر اسمه كما هو مع أنه لم يسمعه إلا مرَّة واحدة، يفعل ذلك مهما كان عدد الزوار، فكانوا ينبهرون وينبهر الحاضرون من حفظه وذاكرته، وترتيبه للأسماء).
قصة من عشرات القصص التي يزخر بها الكتاب، وسيرة عطرة تستحق أن تقرأ بعناية.
إشارة:
رواية مجد أُحكمت حلقاتها
إذا ما انتهى فصل كتبناك فصلاً