تقنية التلفزيون ثلاثي الأبعاد أو (ال3D TV) أو التلفزيون المجسم مازالت حتى اللحظة في بداياتها، بعد أن انتقلت من قاعات السينما إلى التقنية التلفزيونية. يقول المختصون: (أبرز ما تتطلبه هذه التقنية ارتداء نظارات خاصة بالعرض الثلاثي الأبعاد، إضافة إلى توافر أجهزة ومشغلات خاصة للأفلام الثلاثية البعد، أو الاشتراك بالأقنية التلفزيونية التي تبث بهذه التقنية؛ ما يعني أنها لا تزال مكلفة بالنسبة لمعظم الناس، نظراً لما تتطلبه من تجهيزات خاصة إضافية عدا سعر جهاز التلفزيون الذي يعتبر مكلفاً أيضاً).. وهذا النوع من التلفزيونات يُلغي (المكان) تماماً؛ فبإمكانك أن تكون في وسط حفلة في نيويورك مثلاً، وأنت جالسٌ في بيتك في الرياض، أو حتى في بيت (شَعَر) في الرَّبْع الخالي. وفي المقابل تستطيع أن تطمئِن على أحوال (بعارينك) وتتأكد من أنها ترفل في أثواب الصحة والعافية، وهي ترعى في إحدى (خبب) الدهناء، وكأنك تتجول معها، بينما أنت تتناول فنجان (كابتشينو) على الشاطئ اللازوردي جنوب فرنسا؛ هذه تماماً أجواء هذه التقنية التلفزيونية الجديدة.
كانت مشكلة هذه التلفزيونات تكمن في ضرورة أن ترتدي نظارات خاصة لكي تتعايش مع أجوائها الافتراضية. غير أن آخر الأخبار تقول إن إحدى الشركات اليابانية طورت تقنيات عرض يتم تركيب تجهيزاتها المرئية والسمعية في إحدى غرف المنزل، تجعل المكان بكامله يتحول إلى شاشة، أو إن أردت إلى مسرح عرض، دون الحاجة إلى نظارات خاصة؛ أي أن الغرفة نفسها تتحول إلى جزء من (الموضوع) الذي يبثه التلفزيون؛ كأن تكون الغرفة التي يتم فيها العرض جزءاً من غابة مثلاً، أو ساحل بحر، أو شارع من شوارع لندن، وكأنك تماماً تعيش فيه.
ومثل أي تجربة جديدة، فإن التلفزيون ثلاثي الأبعاد له سلبيات بدأ الحديث عنها لدى المصنعين. منها خطر هذه التقنية على الحوامل، وعلى كبار السن، ومرضى القلب، وكذلك الأطفال صغار السن (دون الخامسة). غير أن هذه التجربة المتطورة مازالت في بداياتها، وتتنافس الشركات المعنية بهذه التقنية على تطويرها. الجانب الذي لم يتم بحثه حتى الآن حسب ما قرأت، وربما أنه يعنينا أكثر من غيرنا، هو مدى تأثير هذه التقنية المتطورة على العالم، وخاصة عالمنا، اجتماعياً وثقافياً. أهم هذه الآثار أن (الفروقات المكانية) على الكرة الأرضية أصبحت من الماضي السحيق، أي أنها ذهبت إلى غير رجعة؛ فالذي يتعامل مع هذا النوع من التقنية التلفزيونية لن يسيطر عليه أحد؛ ولن يخضع لوصاية كائن من كان؛ فبإمكانه أن يتسلل إلى الولايات المتحدة ليعيش فيها افتراضياً إلى درجة تقرب من الحقيقة. وإذا أراد فبضغطة زر سيجد نفسه في اليابان، ثم ينتقل ليستمتع بشلالات (نياقرا) في كندا، ويُمتع ناظريه وسمعه بهذه المعجزة الإلهية وكأنه يعيش في أجوائها تماماً.. ومن يظن أن هذا (التلاصق) بين أجزاء العالم المختلفة (افتراضيا) لن يكون له انعكاس عميق على ثقافات أمم الأرض، فهو يعيش خارج الزمان والمكان. فالذي يخترع، ويبتكر، ويُبدع، و(ينتج)، هو من سيفرض ثقافته، بل و(مصالحه) في النهاية، لأنه يملك كل أدوات فرضها، أما من رَضيَ بأن يكون مجرد (مستهلك) ذليل فليس أمامه إلا أن يخنع لهذا الغزو رغم أنفه، لأنه ببساطة لا يملك أن يرده، ولم يبذل ما يؤهله أساساً لرده، أو لحماية ذاته بمعناها الجمعي من هذا القادم الغريب؛ وما يُخبئه العلم والتكنولوجيا في المستقبل لا أعتقد أن أحداً قادر على توقعه.
إلى اللقاء.