كثيرة هي الأسئلة التي تعبر الذهن من الضفة للضفة ولكن قليلة تلك التي تختلط في النهر وتتألف مع طبيعة مائة لتسكن فيه أو معه كما تشاء، ومنها هذا السؤال الذي احتل كل منافذ التأثير في ذاتي وقتاً ليس بالقصير يغيب حيناً ويحضر أحياناً أخرى، لكنه حضر هذه المرة بقوة وإلحاح أجبرت يدي على التحرك ومغازلة القلم علني أجد إجابة شافية بعد تحبير ورقة أو ورقتين بما يخطر على البال من المفيد وغير المفيد، وبعد ذلك ما علي إلا أن أجلب كلباً بوليسياً -أجلّكم الله- وأحاول من خلاله التعرف على رائحة حروفي وإمكانية التمييز بينها وبين ما أكتب في أي جريدة أجدها أمامي، ولكن في هذه الحالة لن يعبر إلى أنف الكلب المدرب سوى رائحة الحبر وهذه بطبيعة الحال ليست الرائحة المقصودة، فرائحة الكاتب تكمن في ذائقته المتشكلة من تجربة ثقافية وحياتية تراكمية عبر التجارب الكتابية المتعددة الأغراض والأهداف والمعاني، وهنا يصبح للكاتب مذاق مميز ورائحة نفاذة يصعب تجاهلها هنا، وهنا فقط يمكن القول: بامتلاك ناصية الحرف والقدرة على إشباعه بنكهة خاصة تدل وتشير على كاتب بعينه.
ولكن في ظل هيمنة المادة وطغيانها الواضح على كل شيء جعل بعض الموهوبين اليائسين يبيعون إبداعهم بالقليل القليل من المال ليكمل به الأدعياء واجهتهم الاجتماعية المليئة بالنياشين والدروع وشهادات الشكر والثناء على جهود وأعمال لم يكن لهم أي جهد فيها سوى تسليم المبلغ المتفق عليه للمدبع المسلوب ووضع أسمائهم الكبيرة في ذيل القصيدة أو المقال أو على غلاف الكتاب لا فرق، وقد حدث مؤخراً هذا الفعل بشكل فاضح في إحدى الجوائز الأدبية الخليجية حيث حصل على الجائزة المقدرة بآلاف الدولارات مدعٍ نشيط ولم يكن نصيب المبدع الحقيقي إلا أن يندب حظه العاثر وفقره المستديم عبر الفضائيات مستعيناً بمسودات مجموعته القصصية التي بطبيعة الحال لا توجد لدى أحد سواه ورغم هذا.......مت يا........لم يجيك العليق»....
وإن كان مثل هذا قد حصل على مقربة منا فإن ما يحصل في محيطنا المحلي أكثر فضائحية حيث إن هناك الكثير ممن يدعي احتراف الفكر والأدب والفهم في كل شيء إن لزم الأمر ويقدم ذاته بتعالٍ واضح لا يخفى على عين كل مبصر جاعلاً من حروفه الهزيلة إن كان قد وفق ذات مساء عاصف على الإتيان ببعض الجمل المفيدة لتصبح برنامج عمل ومنهاج حياة على من تطولهم سلطته المالية أن يصفقوا لهذا التفرد والنبوغ مستخدمين كل ما يحفظون من عبارات الإطراء والإشادة لتعتلي به تلك الأصوات المتسولة للتسلق أكثر في قمة الادعاء فلا يتردد بأن يضع اسمه المبجل على كتاب حتى لا يكاد يعرف قراءة عنوانه.....
إلى هنا والأمر يسير ومعروف ومشاهد ولكن ما يمكن الوقوف عنده طويلاً وأنا أكاد أن أصاب بالزكام فلا أستطيع معرفة تلك الرائحة من أختها وأتوه في سكة التائهين أعود فأسأل ألا يؤثر مثل هذا التورم في سلوك صاحبه مما يترتب عليه أنماط سلوكية غير سوية قد يبتلى بها المجتمع مستقبلا..؟؟...الإجابة لديكم.