يبدو أن عجلة تقسيم الدول العربية قد بدأت، وفق خريطة «الشرق الأوسط الجديد». فالعدوى بدأت - اليوم - من السودان، - وغداً - ستبدأ من العراق. وهذا ليس خلقا تشاؤميا أتبناه، بل هو استناد إلى مئات التقارير التي أثبتت ذلك، وأوردت عنه تفاصيل - للأسف - محزنة،
هدفها: السيطرة على الوطن العربي - كله -. فالأوضاع في السودان اتجهت نحو التقسيم، بعد سنين من التطورات المتتابعة والخطيرة. وكما ذكر السودان صراحة في خارطة التقسيم، فقد ذكر العراق - أيضاً -، - خاصة - حين أصبح له بعد دولي خطير. فالخطط موجودة، ويبقى التنفيذ، وإعادة التقسيم، وفق الظروف والتطورات الزمانية والمكانية. فإلى عهد قريب، وفي: 26-9-2007 م، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي خطة غير ملزمة؛ لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم للحكم الذاتي، هي: كردستان، وسنستان، وشيعستان، حسب تعبير المروجين لمشروع «التقسيم الناعم»، في مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية.
أحد السيناريوهات المفضلة لدى الساسة الأمريكيين، سيناريو تقسيم العراق الجديد على أسس طائفية وعرقية، ومنح الحكم الذاتي لتلك الدويلات، عبر إقامة أنظمة حكم ديمقراطية فدرالية، بديلة عن الوطن الواحد. وهو هدف يهودي قديم؛ من أجل أن تكون إسرائيل، الدولة الأهم في المنطقة، وإخراج العراق من معادلة القوة في المنطقة. - إضافة - إلى طمس الهوية الإسلامية، وتقسيم الوطن العربي إلى دويلات متصارعة، قائمة على المحاصة الطائفية والعرقية.
من الطبيعي، أن تؤدي سياسة المحاصصة عند تشكيل الحكومة في العراق، وإسناد المناصب وفق الاستحقاقات القومية والمذهبية إلى تقسيم البلد. وهو ما لا يتمناه العقلاء من الشعب العراقي، بل والشعوب الإسلامية. فالتقسيم، سيجعل العراق عرضة للأطماع الخارجية. فضلاً عن كونه سابقة خطيرة، تتمثل في قيام أقليات أخرى بدعوات مماثلة، وسينسحب ذلك على تشرذم الوطن العربي، تحت شعارات: «حق تقرير المصير»، وهو الشعار الذي يطالب به الأكراد - اليوم - في العراق.
فكرة تقسيم العراق، تعود إلى ما يزيد على خمسين عاماً. ففي كتابه: «محنة أمة.. ماذا جرى في العراق»، يقول الأستاذ: أحمد سعيد تاج الدين: «تقسيم العراق فكرة ليست جديدة، بل طرحت منذ عام 1957م، حين نشر - الصحفي الهندي - كرانجيا، كتاباً بعنوان: «خنجر إسرائيل»، وتضمن وثيقة سرية «إسرائيلية»، عن خطة عسكرية تهدف؛ لإقامة «إسرائيل» الكبرى من نهر النيل إلى الفرات، وتقضي الخطة، بتقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات: درزية، وعلوية، وعربية سنية. وتقسيم لبنان إلى دولتين: مارونية وشيعية. وأضاف مؤلف الكتاب: «فكرة تقسيم العراق كما سجلها الكاتب الهندي، تشمل تقسيمه إلى» دولة كردية في الشمال، ودولة عربية في الوسط، وإلحاق المنطقة الجنوبية - بشاه إيران - محمد رضا بهلوي، حليف أمريكا - آنذاك -، وذلك؛ لتحقيق هدفين، هما: مكافأة الشاه، وخلق خلل في منطقة الخليج؛ لخدمة الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية».
على أي حال، لم أستغرب - أبداً - تصريحات رئيس حزب إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني - قبل أيام -، بشأن ما أسماه: حق تقرير المصير للأكراد. - لاسيما - وأن المرحلة المقبلة تنسجم مع هذا التقسيم. وأنه آن الأوان؛ ليحصل إقليم كردستان على حق تقرير المصير. بل إن المؤتمرات السابقة لحزبه، كانت - دائماً - تؤكد على حق الشعب الكردي بتقرير المصير، لكن الحزب يرى - اليوم - أن المطالبة بحق تقرير المصير، والكفاح السلمي؛ لبلوغ الهدف تنسجم مع المرحلة المقبلة. - ولا غرابة - أن يضع الحزب أهدافه، استناداً إلى نهج واقعي، ودراسة موازين القوى، والمعادلات السياسية. بعد أن حدد أهدافه على هذا الأساس، وتدريجياً في سياق مطالبته بالديمقراطية، والحكم الذاتي، والفدرالية في كردستان. وهذا - بلا شك - إعلان واضح وصريح، بأن تقسيم العراق أمر محسوم، وليس مطروحاً للنقاش، بل هو مسألة وقت، وسيبدأ بشكل شبه رسمي، بعد أن كشف بصراحة عن مشروع الأكراد الانفصالي، والذي اتضحت معالمه. وهو بلا شك يعبر عن التوجه السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.إن العمل على إجهاض مشروع التقسيم، أمر في غاية الأهمية. فالتقسيم يهدد أمن دول المنطقة، ويستهدف خارطتنا، وسيعصف بوحدة العراق. ولذا فإن عدم المساس بكركوك، أمر لا يجب التفاوض عليه، أو التهاون به، بل هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه. فكركوك عراقية الوجود، وعراقية الانتماء بلا منازع. فمن مصلحة العراق ومن يحيط به، أن يبقى موحداً، وعلى كل الأطراف احترام ذلك. وبخلاف ذلك، لا يوجد معنى لتقرير المصير، بل ستكون تلك الدعوات، بداية لتشكيل الانقسام، وستولد عرقيات وقوميات أخرى، تفسد الوحدة الوطنية. وهذا هو النموذج، الذي بشرتنا به وزيرة الخارجية الأمريكية - السابقة - كوندليزا رايس، عندما قالت: «إن العراق سيقود بنموذجه السياسي، والديمقراطي المنطقة».