سيل جارف من التسريبات السرية يتم الكشف عنها يوماً بعد يوم، وقبل اليوم من كان يصدّق أن وثيقة أو برقية ممهورة بختم الخارجية الأمريكية أو البنتاغون يمكن أن تتسرَّب أو تُنشر فيقرأها العامة في وضح النهار؟ إلا في أفلام هوليود البوليسية
أو الروايات الخيالية التي يكون أبطالها الجواسيس والعملاء إبان حقبة الحرب الباردة.
وما بين أخذ ورد، واحتدام جدل حول ما يتم نشره في وسائل الإعلام على ذمة موقع ويكيلكس، فما من شك بأن تلك التسريبات رغم سطحية محتوى الكثير منها، إلا أنها قد أحدثت صدىً واسعاً وهزةً قويةً في العديد من الأوساط الديبلوماسية الدولية، بل إنها دقت ناقوس خطر لدى الحكومة الأمريكية بدليل إقدامها على خطوة استباقية بتوجيه إنذار إلى عدة دول حول الحرج المحتمل الذي قد ينجم نتجية لنشر تلك التسريبات، وربما كانت الحكومة الأمريكية تتوقّع الأسوأ لذلك سارعت بتوجيه ذلك الإنذار، وأتفق تماماً مع رأي الأستاذ ناصر الصرامي في مقاله بعنوان «سوالف ويكيليكس وتدوينات الخارجية الأمريكية» الذي تم نشره في صحيفة الجزيرة حين ذكر أننا أمام حرب «تسريب» معلوماتية من نوع خاص لا يمكن وضع استنتاجات نهائية لها.
إننا ندرك جميعاً أن البنتاغون تعد بمثابة الأب الروحي للإنترنت، فمن رحم تلك الوزارة العتيدة تمخضت فكرة الشبكة العنكبوتية في ستينات القرن الماضي، واليوم بعد مرور أربعة عقود من الزمان، يتجرأ موقع على الإنترنت وينشر وثائق البنتاغون نفسها في تحدٍّ سافر دفع البنتاغون للإفصاح عن اتخاذ إجراءات جديدة تمنع تسريب المعلومات. ترى هل ستنجح تلك الإجراءات الجديدة في كبح جماح المتطفلين بعد فشل الإجراءات القديمة؟ أم تُراه هو السحر، عندما ينقلب على الساحر؟
* محاضر بجامعة جازان -