في عهد الخلافة العثمانية كانت القومية الكردية تشكل جزءاً واسعاً من جغرافية السلطنة بمنطقة تبدأ من شمال العراق وحتى غرب إيران وجنوب شرق تركيا الحديثة وجزء محدود من غرب سوريا.ومع ظهور الفكر التتريكي لجمعية الاتحاد التركي إثر إسقاط السلطان عبدالحميد الثاني وبروز الثلاثي (جمال باشا وأنور باشا ومعوض باشا).
بدأ المثقفون الأكراد من عرض قضيتهم القومية على مؤتمر السلام العالمي الذي عقد في مدينة في ساي الفرنسية بين (1919 - 1920م) إثر سقوط السلطنة العثمانية ونتيجة لهذه المساعي الكردية منحتهم معاهدة (سفر) حق تقرير المصير وتشكيل دولتهم الكردية على الأراضي التي يشكلون أكثرية فيها! ولم يمضِ وقت طويل حتى أعلنت اتفاقية (سايس بيكو) التي قسمت دول الشرق العربي وتشتت الأكراد بين أربعة دول (تركيا، إيران، العراق، سوريا) وأصبحوا مواطنين لهذه الدول الأربعة المتجاورة إقليمياً). ومعها ضاع أمل ولادة الدولة الكردية.لقد كان النزاع الروسي الإنجليزي الإيراني إثر الحرب العالمية الثانية الفرصة الجديدة للأكراد للاتفاق مع الرئيس السوفيتي (جوزيف ستالين) بمنحهم حق إقامة دولتهم في منطقة - مهاباد - وعاصمتها تبريز ومنح السوفيتي حق مد السكك الحديدية من خلالها والتنقيب على البترول، وأعلنت الجمهورية الكردية الأولى في إيران وأختير الملا محمد رئيساً لها وانضم الملا مصطفى البرزاني من شمال العراق لها منصب وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة. إلا أن دهاء رئيس وزراء إيران آنذاك (قوام السلطنة) استطاع التحالف مع القوات المتحالفة (الأنكلو - أمريكية) لإسقاط هذه الجمهورية الكردية الوليدة وإسقاط علمها الذي رفرف لعام واحد وأعدام الملا محمد وهرب البرزاني الأب إلى أرمينيا السوفيتية وبقي فيها من 1946 - 1958م) إثر انقلاب عبدالكريم قاسم. والذي دعاه للعودة إلى شمال العراق مرة أخرى! إثر سقوط بغداد عام 2003م كان للقادة الأكراد (البرزاني - الطالباني) الدور السياسي الأقوى في رسم الاتجاه السياسي للدولة العراقية الجديدة وأهمها كتابة الدستور الذي تضمن بإصرار كردي على مواد متعددة تضمن حقوقهم القومية تحت شعار (الفيدرالية) وتثبيت المادة (140) الخاصة بالمناطق المتنازع عليها مع الإدارة الاتحادية في بغداد واحتفظ إقليم كردستان بعلمه الوطني وعاصمته أربيل وبرلمان منتخب لا يخضع لقرارات البرلمان الاتحادي وتمويل جيش الإقليم (البيشمركة) في ميزانية وزارة الدفاع الاتحادية دون تلقي الأوامر العسكرية منها مع استقطاع 17% من الميزانية المالية للدولة العراقية! وجاءت المفاجئة السياسية التي رافقت إعلان مسعود البرزاني في مؤتمر الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي حضرت قادة العراق (الطالباني - المالكي - علاوي - النجيفي) مما أعطاه أهمية عالية إثر نجاح مبادرة البرزاني الأخيرة لحل الأزمة الوزارية التي دامت أكثر من ثمانية أشهر. إلا أن مطالب البرزاني (بحق تقرير المصير للأكراد وأن كركوك محافظة كردية ومصيرها لا يقبل المساومة ويمثل هذا الإعلان غير المناسب في توقيته خطأ تكتيكيا سياسيا أضاع الثقة ونسف التقدير الشعبي العراقي للموقف الكردي الأخير وعزز التخوف من انفصال إقليم كردستان الذي تم إعماره بأموال العراقيين.وقد قوبل هذا الإعلان التقسيمي للعراق بردود فعل مختلفة من قبل الكتل السياسية العريقة في العراق حيث بين الدكتور عدنان السراج (كتلة دولة القانون) بأن المطلب الكردي بإعلان حق تقرير المصير لا يتوافق مع مواد الدستور والذي لا يجيز الانفصال لأي إقليم في الدولة العراقية، وجاء رد القائمة العراقية واضحاً حيث أعلنت السيدة أزهار الشيخلي (نحن نسعى لوحدة الأراضي العراقي ولهذا قبلنا بالدولة الاتحادية الفيدرالية وإقليم كردستان جزء من الوطن العراقي وليس تحت الاحتلال حتى يلجأ قادته لحق تقرير المصير) وأيد السيد حميد مجيد أمين عام الحزب الشيوعي العراقي حيث صرح قائلاً (من حق شعب كردستان تقرير مصيره بنفسه بشكل ديمقراطي).أن هذا الإعلان الانفصالي مؤشر خطير في مستقبل الدولة العراقية الجديدة المهددة بالتقسيم لثلاث مناطق جغرافية حسب القومية والمذهبية كما رسمها السيد بايدن نائب الرئيس الأمريكي.
فهل يستطيع المخلصون من أبناء الشعب العراقي والدول الإقليمية المجاورة لإقليم كردستان الوقوف أمام هذه الخطة التقسيمية للعراق والعمل الجاد المخلص لتوحيد ترابه الوطني والمحافظة على وجهه العربي.
وتبقى دعوة الانفصال الكردي نموذجاً لبالون تجريبي ضاغط يضيع في أجواء الوحدة الوطنية العراقية!!
* عضو هيئة الصحفيين السعوديين عضو جمعية الاقتصاد السعودية