قرأت تعقيب الدكتور سعد بن مطر على ما كتبته في هذه الزاوية عن مداخلته في قناة دليل بشأن البرنامج الذي كان بعنوان (أزمة الفتوى). قبل أن أتطرق إلى ما أريد نقاشه هنا، أود أن أشيد باللغة الرصينة التي كان عليها تعقيب الدكتور؛ فلغة (الداعية) أو الواعظ إذا اتصفت بالحدة والنزق ناهيك عن (البذاءة) فصاحبها في النتيجة يسيء إلى نفسه قبل أن يُسيء للآخرين.
أعود إلى نقاش أهم ما ورد في التعقيب لأقول:
أولاً: ما يتعلق برغبته في مناظرتي تلفزيونياً فلست بصاحب مناظرات، ولم يكن لي في المناظرات التلفزيونية سابقة ليكن لي فيها لاحقة. فأنا (كاتب صحفي)، أطرح وجهة نظري من خلال الصحافة؛ فإذا أراد نقاشي هنا فعلى الرحب والسعة، وأما في غير مجالي هذا فليس من اختصاصي، لأنني ببساطة لا أجيد غير الكتابة وضع نقطة في نهاية السطر.
ثانياً: سأبدأ بنقطة أجدها (أخطر) ما جاء في رده، لذلك سأقدمها هنا نظراً لأهميتها في تقديري وهي قوله: (لذلك فإنني أتحفظ على استخدام الكاتب لتعبير (صاحب البيعة)؛ بسبب تضمنها مدلولات تتعارض مع (عقيدة) أهل السنة والجماعة في وجوب طاعة ولي الأمر (رأس هرم السلطة في الدولة المسلمة)... انتهى. التحفظ هنا يُثير كثيراً من علامات الاستفهام؛ قد يقول قائل إن الدكتور أراد من تحفظه أن هناك بعض الفرق - كالشيعة - مثلاً - تستخدم ذات المصطلح في أدبياتها؛ ليكن؛ فأنا أستخدم ولي الأمر صاحب البيعة لأصف هذه الولاية بوصف كاشف لا مُنشئ، ولقطع الطريق على من يعتقد أن (أولي) الأمر في الآية هم العلماء إضافة إلى الأمراء؛ أي يصبح للسلطة في النظام السياسي مرجعيتان: مرجعية سياسية ومرجعية كهنوتية ؛ وهذا تخريج خطير؛ خاصة وأن الدكتور ابن مطر قد مرَّ على هذه المسألة، ولم يقم بتفصيلها؛ (فالبيعة) في الشريعة هي مناط الطاعة، والطاعة هي تبعٌ بالضرورة لمن انعقدت له (البيعة) دون سواه، لقوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح مسلم: (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه (بيعة) مات ميتة جاهلية)؛ الأمر الذي يجعل الطاعة مرتبطة ارتباطاً (حصرياً) ب(صاحب البيعة) دون غيره أياً كان هذا الغير؛ لذلك فإنني أطلب من الدكتور ابن مطر أن يجيب على سؤال مؤداه: هل الفقهاء أو العلماء في رأيه (شركاء) في مسألة (طاعة) ولي الأمر مثلاً؟.. نحن في انتظار تفصيل للنقطة التي أثارها، ولم يُفصلها.
ثالثاً: يقول الدكتور ابن مطر: (محل البحث هو: كيف تعمل المرأة؟ وهو الآخر أمر محسوم في محل الإشكال المُثار، بجملة من الأنظمة الخاصة والعامة، والمرجعيات النظامية التي تتفق مع الفتاوى الشرعية الرسمية تماما؛ ومن ذلك على سبيل المثال عدد من الأوامر، منها على سبيل المثال: الأمر التعميمي المؤكَّد لما قبله، الصادر (بتوقيع الملك)، برقم 2966 وتاريخ 19-9-1404هـ، وهو أمر مسبّب بالتحريم الشرعي من ولي الأمر؛ إضافة إلى عدد غير قليل من القرارات التنفيذية من وزارة الداخلية وغيرها، تنصُّ صراحة على أن تؤدِّيَ المرأة عملَها في مكان منفصل تمامًا عن الرِّجال؛ وهذا يعني أنَّ الاختلاط في مَجال العمل في المؤسَّسات الحكومية وغيرها ممنوع نظامًا). انتهى.. الأمر الذي أشار إليه الدكتور هنا هو أمر صادر من (رئيس مجلس الوزراء)، وليس بتوقيع الملك كما يزعم؛ وهذا (تدليس) كان الأحرى بالدكتور أن يترفع عنه؛ فالأمر إذا صدر بتوقيع (الملك)، لا ينسخه أمرٌ صدر بتوقيع رئيس مجلس الوزراء، فالأمر الملكي (أعلى) وفقا لقاعدة التدرج التنظيمي والتي مؤداها أن القواعد النظامية لا تُلغى أو تعدل إلا بنفس الأداة التي صدرت بها أو بأداة أعلى منها؛ كما أن الأمر الملكي يأتي في إطار أن الملك هو مرجع السلطات الثلاث: التنظيمية والقضائية والتنفيذية؛ وفقا لنص المادة 44 من النظام الأساسي للحكم؛ وهناك عدة أوامر ملكية تنسخ في مجموعها ما صدر بقرار رئيس مجلس الوزراء، كالقرار الذي استدل به الدكتور ابن مطر آنفاً بشأن الاختلاط، واعتبره أمراً ملكياً بينما هو صادر باسم (رئيس مجلس الوزراء)؛ فضلاً عن أن الأوامر الملكية (اللاحقة) تلغي ما يتعارض معها من الأوامر والقرارات (السابقة) الموازية لها أو الأدنى منها؛ فالأمر الملكي الذي يقضي بتأسيس (جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا «كاوست») - مثلاً - يلغي كل الأوامر السابقة إذا كان ثمة تعارض، كما أن هناك عدداً من قرارات مجلس الوزراء تحدثت عن تنظيم عمل المرأة أقرها مجلس الوزراء فألغت ما يتعارض معها من قرارات سابقة عليها؛ وهذه من القواعد المرعية في هذه الشؤون؛ وهو ما يشمل - أيضاً - أي قرار يتعلق بقضايا تنظيم عمل أو تعليم المرأة على أرض الواقع. مثل هذا الخلط من الدكتور ابن مطر قد نقبله من مجرد واعظ، أما أن يصدر ممن يمارس تدريس (السياسة الشرعية) للقضاة فهذا ما يجب أن نتوقف عنده؛ دون أي مجاملة أو غض نظر؛ لأن من يتلقون العلم عنه هم من سيتولون مسؤولية إقامة العدل في مجتمعنا مستقبلاً.
وسوف أكمل نقاشي مع الدكتور يوم الأحد القادم.
إلى اللقاء