إن عبارة (تطوير التعليم) عبارة براقة، تأسر القلوب، وتجتذب المسامع، وتحيي الآمال، كيف لا والحديث عنها حديث عن مستقبل الأمة، وطريقها إلى السعادة بكل معانيها، والمكانة والتمكين على كافة المستويات والأصعدة، لهذا فإن كل قيادة تريد الخير لأمتها، والرفعة لمجتمعها فلابد أن تردد هذه العبارة، وتبذل كل ما تستطيع من أجلها، وتجعل أولويات عملها لها، وهذا ما نعرفه عن قيادية بلدنا- ولله الحمد-، فعندما تقلب ميزانية دولتنا المباركة لتعرف نسبة ما خصص للتعليم منها، وحينما تتذكر قرارات خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- بشأن التعليم، ومنها تخصيص أكثر من تسعة مليارات لتطوير التعليم تدرك بعدها أن إرادت الخير والرغبة في رقي الأمة من أولى أولويات أعمال هذه الدولة، وعندما تقلب أوراق القرارات الإدارية في أروقة وزارة التربية والتعليم واعتمادات البرامج والأنظمة حول تطوير التعليم تدرك جيداً رغبة الوزارة في طرق كل باب للتطوير، والمحاولة الجادة لتبني كل فكرة أو تجربة تحقق هذا التطوير المنشود، ولو سردت أسماء البرامج والمشاريع التي تبنتها الوزارة لتطوير التعليم فإني أجزم أن القارئ الكريم سيسأم من كثرة تعدادها، وسيأنس من جميل أسمائها، وسمو أهدافها، ولكن للأسف لو اطلع على وقع تطبيقها، وحصيلة مخرجاتها، لخشيت أن يصيبه اليأس والقنوط من حصول التطويرالذي يفترض أن يكون من مخرجات هذه البرامج والمشاريع، وسيتساءل أمام هذا لعطاء من الدولة وهذا الجهد من الوزارة، ما المشكلة التي جعلت التطوير يتعثر!!... نعم هناك مشكلة بلا شك ولا أظن أن واقع المشكلة يخفى على أحد قريب من الميدان التعليمي، ولكن الذي يخفى على الكثير هو أسبابها، وفي نظري أن أكبر سبب لهذه المشكلة هو خلل في تطبيق البرامج التطويرية وفق ما خطط لها، وأدعي من خلال تأمل وتجربة ميدانية في التربية والتعليم أن عضواً من أعضاء وزارة التربية والتعليم يقف خلف عملية نجاح أو فشل تطبيق البرامج التطويرية، وأن ارتباط نجاح التطوير بهذا العضو كارتباط الخبر بالمبتدأ وارتباط المجرور بالجار، وهذا العضو هو (مدير المدرسة) الذي لا أتردد في تسميته (بوابة التطوير) نعم فمن خلاله تستطيع الوزارة أن تلج التطوير من أوسع أبوابه، وأن تستثمر كل إمكانياتها به، فهو من يمسك بزمام عمليات التنفيذ الحقيقية، وهو الموصل الرئيسي بين المقرر والمنفذ، إنني أدرك جيداً أن الجميع يتفق معي على أهمية مدير المدرسة وأن ذلك ليس مدار خلاف أو مجال نقاش، ولكن الذي يستحق النقاش هو: كيف نصنع المدير الذي يقوم بدوره المهم في نجاح برامج ومشاريع التطوير ويكون عامل نجاح لا عامل فشل، لذا فلتسمح لي وزارة التربية والتعليم أن أساهم في صناعة مدير المدرسة الذي نريده للتطوير، وذلك بحديث لن يكون موجهاً لمدير المدرسة ومطالبته بتطوير ذاته واستشعار المسؤولية التي تحملها، لأنني أعتقد أن ذلك لا يكفي لعلاج المشكلة بشكل عام ومستمر، لهذا سيكون حديثي موجهاً لوزارة التربية والتعليم وعلى رأسهم وزيرنا الفاضل سمو الأمير. إن طرحي لتفعيل دور مدير المدرسة يدور حول تحقيق خمسة عناصر:
العنصر الأول: أن يُحمل مدير المدرسة مسئولية المدرسة بشكل عام، وهذا يستوجب منح مدير المدرسة أكبر قدر ممكن من الصلاحيات والقرارات الإدارية والفنية الخاصة بالمدرسة، بخلاف الواقع الذي يعامل مدير المدرسة كمراقب لتطبيق نظام لا ناقة له فيه ولا جمل، فقد ينقل المعلم من المدرسة أو يوجه إليها دون علم مديرها، ويصدر قرار ترميم مبنى المدرسة والمدير لا يعلم، وقد يعاني مدير المدرسة من موظف متلاعب ولا يملك أن يتخذ قراراً فيه إلا بتحرير محاضر ترفع للإدارة ويبقى الأمر متعلقا بقناعة الإدارة التي يستلزم قرارها ذهاب وإياب لجان قد يستغرق قناعاتها أسابيع. إننا بمنح مدير المدرسة قوة في الصلاحيات نحقق فوائد كثيرة من أهمها:
1- تحقيق الانتماء الحقيقي الذي يشعر المدير أن نجاح المدرسة نجاح له والعكس كذلك.
2- تحقيق المكانة الاجتماعية التي تليق بمدير المدرسة داخل المدرسة وخارجها، وهو ما يحقق أكبر حافز معنوي يدفعه للعطاء الذي قد لا نحققه بأعظم الحوافز المادية.
3- إن قوة صلاحيات المدير تمنحه سرعة في تجاوب العاملين معه، وهو أمرمهم لنجاح العمل، وضعف تجاوب العاملين من أهم ما يشتكي منه مديرو المدارس حتى إن بعض من يتجاوب مع توجيهات المدير يمنون بهذا التجاوب، وكم سمع مدير المدرسة عبارات منها: عشانك يابوفلان، هذا ماهوب من شغلي لكن نحتسب لوجه الله، ولك أن تتصور دافعية مدير المدرسة للعمل في واقع مثل هذا، وأن التحطيم والملل وكراهية العمل هو مصير الكثير من المديرين الجادين بل قد ينتهي الأمر بهم إلى مفهوم مفاده: لا تخالف النظام واترك الدرعا ترعى.
العنصر الثاني: توفر الإمكانات التي تساعد مدير المدرسة بالقيام بالدور المأمول منه، إن مدارسنا في الجملة تمتلك إمكانات في المباني والأجهزة بشكل يفتخر به - ولله الحمد -، ولكن ينقص ما يساعد مدير المدرسة على تفعيل هذه الإمكانات ومن أهمها:
1- وجود ميزانية مالية مناسبة لحجم المدرسة تسلم لمديرها من بداية العام كعهد مالية تجرد عليه في نهاية العام وفق الأنظمة المالية المعهودة ويمكن ربط مقدار هذه الميزانية بعدد الطلاب، مع اعتقادي أن هذا العمل يوفر في الميزانية المالية بخلاف من يتوقع أنه حمل عليها.
2- استكمال الوظائف الإدارية اللازمة للمدرسة واستحداث وظائف إدارية جديدة مؤهلة من أهمها: سكرتير مدير المدرسة يحمل مؤهلا جامعيا وشهادة في الحاسب/ مراقب يحمل مؤهلاً تربوياً.... الخ.
العنصر الثالث: قوة تقويم أداء المدرسة، وهذا في الحقيقة من أهم الجوانب التي تساعدنا على تطوير مدير المدرسة وتقويم عمله وفي نفس الوقت نوجه العمل نحو الأهداف الحقيقية التي نريد تقويمها، وتحقيق ذلك يحتاج جهدا مكثفاً ومتواصلاً وإرادة قوية، فواقع تقويم العاملين مؤلم جداً، فعناصر تقويم مضى عليها عقود من الزمن عدد عناصرها لا يزيد عن الخمسة عشر عنصراً، تقوم بها وظائف متنوعة ومهام عديدة، فلك أن تتصور هذه العناصر التي لا بد أن تتصف بالعمومية وعدم القابلية للقياس حتى تعيش هذا العمر الذي مضى، وللأسف أيضاً أن مقياسها يعتمد غالباً على ما يعمله الموظف لا ما ينتجه وهذا خلل كبير، وأيضاً لا يوجد نظام تقويم للمدرسة بشكل عام، لهذا نحتاج إلى قوة في التقويم الذي من خلاله يمكننا أن نحقق النقاط التالية:
1- القدرة على معرفة مدى تنفيذ البرامج التطويرية.
2- القدرة على تكريم المتميزين وتحفيزهم بالوجه الذي يحقق العدل ويعطي المصداقية ويثير التنافس الإيجابي ويبرز الكفاءات والقدرات.
3- القدرة على علاج المشاكل قبل استفحالها.
4- القدرة على اختيار البرامج التطويرية التي يحتاجها الميدان بالفعل.
وفي نظري أن أبرز سمات القوة في تقويم أداء المدرسة أن يبنى تقويم المدرسة وتطورها بالمقارنة بوضع المدرسة في الأعوام الماضية ومن خلاله يبنى تقويم العاملين في المدرسة، وانظر للشركات التجارية التي تفتخر بنجاحها عندما تتحقق أرباح بنسب تفوق أرباحها في العام الماضي ولم تقل أكثر من الشركات المماثلة فلماذا لا نقول: إن نسب الحاصلين على تقدير ممتاز أكثر من العام الماضي بنسبة كذا وكذا، فنحن نعلم جميعاً أن بيئات المدارسة تختلف عن بعضها بعضا.
العنصر الرابع: القوة والسرعة في اتخاذ القرارات الإدارية بالقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت، وأن نكرم من يستحق التكريم ونبعد من يستلزم العمل إبعاده، بكل جراءة وقوة، شريطة أن نبني هذه القوة على تحقيق العنصر الثالث من العناصر السابقة، والتي بالتأكيد ستوجد قبولاً ورضاً لكل قرار مهما بلغت قوته.
العنصر الخامس: قوة تأهيل وتدريب مديري المدارس، إن اهتمام الوزارة بهذا الجانب كان بتقديم دبلوم لمديري المدارس في الجامعات مدته نصف عام دراسي، وهو إنفاق تستحق الوزارة الشكر عليه، ولكن الناظر في طبيعة دراسة هذا الدبلوم يدرك أنه لا يحقق التأهيل الأمثل لمديري المدارس، وذلك لغلبة الجانب النظري على دراسة هذا الدبلوم، ومواد دراسته لا تتعدى لكونها إعادة لمواد أخذها الدارسون في دراستهم الجامعية، والقائمين على التدريس بعيدين عن الواقع التعليمي، ولقد سبق لي أن شاركت في دراسة هذا الدبلوم بعد تخرجي من الجامعة بسنتين وبخبرة سنة واحدة في إدارة المدرسة فتفوقت على العديد من المديرين الذين يشار لهم بالبنان في نجاحاتهم الإدارية الميدانية وهذا دليل على أن ما تم تدريسه لا يمت للإدارة الميدانية بصلة قوية، وأن سبب تفوقي الوحيد هو أنني قريب عهد بالجامعة، لهذا نحتاج إلى إعادة نظر في طريقة تدريب وتأهيل مديري المدارس.
أخيراً يا وزارتنا الغالية، التي تولت صناعة أجيالنا القادمة، وأمتنا الواعدة، أرجو أن ينال هذا المقال دراسة من خبراء التربية والتعليم وأن يوضع في الحسبان أن التطبيق لا يلزم التعميم، وأنه بحسبة تقريبية أظن بها أن 20% من عدد مدارسنا تحتوي على أكثر من 60% من عدد طلابنا، فلماذا لا نبدأ بهذه المدارس. أسأل أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المشرف التربوي بإدارة التربية والتعليم بمحافظة المجمعة -
Mkn4321@gmail.com