قال تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} كتب الله سبحانه وتعالى على النفس بالفناء والموت وهو مصير كل حي في هذه الدنيا والله سبحانه قدر ذلك فقال: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} جل الله في حكمته هذه المصيبة كما اسماها الله سبحانه وتعالى في كتابه تبدأ كبيرة ثم تتلاشى حتى تختفي وتبقى شريطاً يستعيده الإنسان بين فترة وأخرى وليس المراد هنا أن نسلط الضوء على حقيقة الموت بقدر ما نذكر بعضاً مما تحدثه هذه المصيبة بالإنسان.
قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.
وتجد الناس على أحوال شتى فمنهم الصابر ومنهم الباكي الحزين ومنهم من قد يقول كلاماً لا يليق حين وقوع المصيبة وهناك أنواع من الناس وقد أخذ الحزن بهم كل مأخذه في لباسهم وفي هيأتهم بجميع أشكالها وليس هناك ملام على أحد في ذلك إلا ما كان منافياً أو متجاوزا لما خالف الدين.
ولأن الحديث متصل بعضه ببعض النقاط التي لها صلة بالموت وما يصاحبه من أمور فأول هذه الأمور ما يلي:
1 - طريقة التبليغ التي يتفاوت الناس في إيصالها لبعضهم وخاصة القريب الملاصق فإن أسلم شيء هو التذكير دائماً إن الحياة عبارة عن ممر وهي دار ابتلاء وأن نعم الله أجل من أن تحصى وأن الجزاء على قدر الصبر وهكذا.
2 - إشعار الآخرين من ذوي القربى وغيرهم بالخبر فمن الناس من يلومك وأنت في أحزانك بعدم إخباره وأنه سمعه أو أشعر به من صديق أو زميل أو قريب، ويبدأ في تقريعك وتأنيبك، وقد يذهب ذلك بأجر المعزي إذا قصد من ذلك أمراً غير الاحتساب والقيام بواجب العزاء.
3 - عند تجهيز الميت (الجنازة) قد يحدث وجهات نظر بين الأقارب عن موعد الصلاة ومكان البعض فيتفرق المشيعون، كل قد يذهب إلى جهة مغايرة لذلك فإن التنسيق والمسئولية يجب أن تناط بشخص يتولى هذا الأمر ويقوم به ويشعر به الجميع.
4 - بعد أن توضع الجنائز في أماكنها، يقوم البعض وقبل الصلاة بإقامة صلاة الميت على الأموات وغالباً ما يكون هؤلاء من مدن أخرى ولديهم ارتباطات إما بالطيران أو تداركاً للوقت قبل حلول الظلام وهكذا.
5 - أثناء الدخول بالمسجد تجد أن الكثيرين يقومون بالتعزية ويتخطون الصفوف وقد تكون الصفوف مكتظة فيحدثون جلبة وإزعاجاً في المسجد قد يؤذي المصلين، لذلك فإن أسلم طريقة لمن يود أن يعزي في المسجد وينصرف فيكون بعد الصلاة على أن يتمهل أقارب المتوفي قليلاً وذلك بعد أن يكون هناك تنسيق مع من ينقلون المتوفين وفي ذلك راحة لأصحاب الحاجات ولأقارب الموتى.
6 - هناك أعداد من السيارات تتبع الجنائز طالبين الأجر والمثوبة، ولكن قد يحدث ذلك فوضى كبيرة سواء أثناء الطريق أو أثناء دخول المقبرة، ولو تعاون الناس فيما بينهم ونقل بعضهم بعضا أو استخدموا الباصات المتواجدة عند بعض المساجد لكان ذلك أجدى.
7 - عند دخول المقبرة تجد السيارات متزاحمة كل يريد أن يدخل أولا ثم بعد ذلك ينطلق مسرعاً وقد تحدث حوادث داخل المقبرة ولا أدري علام السرعة فالسكينة مطلوبة والهدوء واجب إن لم يكن في هذا المكان فأين يكون؟ وعند الوصول تجد الكثير من السيارات وقد وقفت في طريق خاطئ دون مراعاة لأصحاب الحاجات من الكبار في السن أو غيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة وقد يكون هناك آخرون على جناح السفر فيسدون عليهم الطريق وقد يذهب ذلك بالأجر بل قد يكون وزرا وهناك من الناس من يأتي متأخراً فيأتي مسرعاً ويثير الغبار والأتربة.
8 - وعند إنزال الجنائز لا تكاد تتعرف على قريبك إلا بعد أن تتأكد من الرقم والاسم الملصق بينما من الأحسن للجميع أن يقوم السائق ومن معه بالنداء حسب ما هو ملصق على النعش فالملاحظ أن هناك فوضى في استلام الجنائز فمجرد وصول السيارة المقلة للأموات تجد الناس يتسابقون كل يريد أن ينزل قريبه ثم بعد ذلك وفي مشهد مختلط ومتشابك توضع الجنائز على الأرض بعد أن تدار باتجاه القبلة للصلاة عليها في المقبرة لمن لم تتح له الفرصة للصلاة مع الجماعة ولا يخلو ذلك من انعدام تام لانتظام الناس أو وقوفهم بشكل صحيح.
9 - عند الدفن تحدث جلبة وارتفاع أصوات كل يوجه في هذا المكان أو في هذا المكان ولو كان هناك تنظيم داخل المقبرة بحيث لا تكون المقابر متلاصقة أو لنقل مرقمه ويكون ذلك عند دخول سيارات نقل الموتى فيعطي السائق رقماً لكل جنازة ويأتي مندوب من الأمانة وينظم، وفي ذلك فوائد كثيرة منها ابتعاد الناس عن بعضهم وبذلك يخف التزاحم حول القبور ويقل الغبار المتصاعد الذي يحدث أثناء الدفن، ونقصد في ذلك أن تكون القبور المعدة للدفن فردية ليوم كذا وفي اليوم التالي زوجي أي أن المقابر تستخدم جميعاً ولك بشكل أكثر تنظيماً.
10 - أثناء الدفن يقوم البعض برفع أصواتهم والتجمهر حول القبر والتضييق على القائمين بعملية الدفن بحجة المشاركة وحضور الدفن ولا بأس في ذلك ولكن لو ابتعدوا قليلاً ريثما يتم التجهيز وتبدأ عملية الدفن لكن في ذلك سعة وراحة للجميع فربما ينزلق البعض جراء الزحام داخل أحد اللحود فيصاب بأذى على أن عملية الدفن لا تخلو من إثارة الغبار لأننا نقوم وقد لا نشعر بأخذ التراب ورميه داخل القبر وبطريقة سريعة وبقوة ومن الناس من يتحدث بالهاتف وبلغو الحديث دون مراعاة لشعور أقارب الميت.
11 - بعد انتهاء الدفن يحدث الزحام مرة أخرى عند القيام بالتعزية ولو كان هناك أماكن خاصة داخل المقبرة مهيئة بالماء ومكيفه على أن تكون على شكل حواجز تتيح الفرصة للتنظيم.
12 - هناك بعض التجاوزات التي قد تحدث داخل المقبرة مثل السرقات وغيرها من شرب الدخان والسرعة الزائدة وسد المخارج والوقوف الخاطئ.
13 - ومن بعد ذلك كله يقوم البعض هداهم الله وكأنهم في حفل أو فرح بإقامة الولائم والتسابق كل يطلب بأن يولم إما بالغداء أو العشاء وتنصب الموائد وتحضر المطاعم وكذلك ما يتبعها من الشاي والقهوة وينشغل أهل الميت وقد يأخذ بهم الإرهاق مأخذه، ولو صرفت هذه الأموال في أوجه الخير بنية الصدقة عن الميت لناله الأجر والثواب بإذن الله، كذلك ما يتم الإعلان عنه والتعزية وملأ الصفحات فربما لو وضعت في موقعها الصحيح لكان ذلك أنفع وأبقى.
14 - مكان التعزية ينقسم الناس في ذلك أقساما فالأغلب وعلى وجه العموم يفتحون أبوابهم طيلة الوقت دون تحديد ساعات، وقسم آخر قد يحدد ساعات معينة وقسم ثالثا لا يرى ذلك ولا يستقبل أحداً غير استقباله في المسجد وفي المقبرة، ومن وجهة نظر خاصة أرى أن يكون أقرب مسجد لأهل المتوفي مكان العزاء وخاصة أن أغلب المساجد فيها مساحات كبيرة ومهيئة على أن يكون بعد صلاة الظهر 15 دقيقة وبعد صلاة العصر ولمدة 30 دقيقة وبعد صلاة المغرب ولمدة عشرين دقيقة أو أن يقوم أقارب المتوفي باستئجار استراحة لإقامة العزاء فيها وتحديد الوقت من بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء، رحم الله موتانا وموتى المسلمين.
والله الموفق
مدير عام المهرجان الوطني للتراث والثقافة -
alromis@yahoo.com