كانت كلمات سماحة مفتي عام المملكة - الشيخ - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ أكثر واقعية، عندما أكد على أهمية انفتاح الدعاة على وسائل الإعلام الغربية ؛ لإبراز سماحة الإسلام، ووسطيته. وإقرار الصواب، وتصحيح الأخطاء على علم وبصيرة.
فكانت كلماته تنضح علما وعقلانية، قامت مفرداتها على ضرورة تفكيك الخطاب التكفيري، المتجسد في العنف، وإظهاره إلى السطح، ومناقشته من خلال لغة الحوار، والتعبير عن الرأي، والكشف عن القناعات والأفكار.
لم يكن الإرهاب - يوما -، طريقا إلى إصلاح مشكلات سياسية، أو أوضاع اقتصادية، أو قضايا اجتماعية. فأزمة الإرهاب الفكري، تأسس على خلفيات دينية، وثقافية، واجتماعية متطرفة، لعبت دورا كبيرا في وجود هذه الظاهرة، التي قطعت العلاقة مع الكون، والتاريخ، والذاكرة، والإنسان. بعد أن سلبت عقول المتطرفين، ولوثت عقيدتهم، وأفسدت سلوكهم، وأصبحوا أداة في أيدي منظريهم، فأفرزوا أعمالا إجراميا، وسلوكا عدوانيا. وهذا يدل على أن الأزمة، هي كما عبر عنها - المفكر الجزائري - مالك بن نبي، من: «أن أزمة العالم الإسلامي منذ زمن طويل، لم تكن أزمة في الوسائل، وإنما في الأفكار».
تأكيد مدير عام حملة السكينة - الشيخ - عبد المنعم المشوح، على: أن فريق الحملة حاور أكثر من «3 « آلاف شخص منحرف، وقد تراجع منهم نحو «1500» شخص، بعضهم تراجع «100%»، والبعض الآخر بنسب متفاوتة، هي رسالة مهمة، على: ضرورة التأكيد بأن نصبح مؤثرين في التعاطي مع هذا الواقع الأليم، بجرأة علمية صادقة. والتصدي بكل إصرار وعزيمة إلى الذين حادوا عن الطريق، بتصحيح المفاهيم الملتبسة، والخاطئة عن مقاصد الشريعة. والتعامل مع النفوس والعقول؛ من أجل أن تصمد على منهج الحق، ولا تنزلق إلى حافة الهاوية. - خاصة - في تبني هؤلاء لمنهج التكفير والتفجير، وإعلان الحرب على مجتمعاتهم الإسلامية، بعد أن تم استغلالهم بسبب عاطفتهم الدينية، وجهلهم للعلم الشرعي. وحول هذا المعنى يشير - الدكتور - عبد الله النفيسي، إلى أن: «الغياب البارز للنقد الذاتي، والتقويم الموضوعي للأداء الإسلامي، أدى لنزعة التعلق بالأشخاص، أكثر من الأفكار. وأدى - أيضا - إلى نزعة الغلو في الدين، وهي نزعة لا تزدهر إلا عندما يغيب الوعي بالتاريخ، والفكر، ومشكلات الواقع المعيشي».
مشكلة هؤلاء، أنهم يوظفون المصطلحات الشرعية، توظيفا أيدلوجيا وسياسيا. - ولذا - فإن الدعوة إلى مناقشتهم بروح منفتحة، وعقلية مرنة. وإحاطتهم بالعلم الشرعي، والرجوع بهم إلى أهل العلم، مطالب في غاية الأهمية، حتى لا نتحول معهم إلى جزء من الأزمة - ذاتها -. وذلك عن طريق إظهار وسطية الإسلام، واعتداله، وتوازنه دون غموض، أو تعقيد. وفتح قنوات الحوار داخل المجتمع الواحد؛ للدفع بالاتجاهات الفكرية الصحيحة، وإعانتهم على مواجهة الأفكار الهدامة.
عندما طلب مني المشاركة في إدلاء رأي حول عناصر اللقاء، ثمنت سعادة مفتي عام المملكة، بتراجع من تعاطف مع فكر الفئة الضالة. وأكدت على: أننا أمام حرب أفكار شرسة. والأكيد أن مثل هذه المراجعات، تكمن أهميتها في كونها: تأتي من داخل إطار الفكر الضال، ووفق منهجها. وهذا أمر مهم في تجسيد أهمية تلك المراجعات مع أصحاب الفكر الضال، ونقد أطروحاتهم بمنهجية علمية، بعد أن تخلى أنصارها عنها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، كونها: تأتي بمبادرة من أصحابها، وبمحض إرادتهم، فإن ذلك يعتبر نجاحا للمراجعات الإستراتيجية، والتحولات الفكرية، وذلك عن طريق تفكيك القناعات الفكرية المنحرفة، - خاصة - فيما يتعلق بأحكام وضوابط الجهاد. والكشف عن المخالفات الشرعية في الصور المستحدثة، كقتل من لا يجوز قتله من المسلمين، وغير المسلمين باسم الجهاد. وتخريب الممتلكات، واستحلال أموال المعصومين. وإن كانت تلك المراجعات عملية طويلة ومعقدة، إلا أنها في نهاية المطاف، ستحد - بلا شك - من تجنيد عناصر جديدة، ونبذ لغة العنف، وتجفيف منابع الفكر التكفيري؛ لكثرة أخطائه الشرعية، والفكرية، والإستراتيجية. وسيظل التحدي النظري لتلك المراجعات، أنها تطور فكري إيجابي، وظاهرة صحية، وجزء أساس من عملية التطوير، والتقويم المستمر. وتلك سنة إلهية، يجب أن نرحب بها، بغض النظر عن أي اعتبار آخر.
إن قضية الأمن الفكري، والحرب على الإرهاب، ليست وليدة اليوم، بل هي قضية موجودة منذ القدم، إلا أنها برزت في أيامنا هذه، نتيجة عدة عوامل - داخلية وخارجية -، وهي - بلا شك - هاجس الحاكم والمحكوم، وأساس كل استقرار. ومن ثم فإن حماية الفكر من منهجي - الإفراط والتفريط -، كفيل - بإذن الله - في الحفاظ على المكونات الثقافية الأصيلة من الاختراق، أو الاحتواء من الخارج عبر أيدي آثمة، تمتد في الخفاء.