من أعظم القربات إلى الله مساعدة الإنسان لأخيه الإنسان، بأي شكل من أشكال المساعدة، فقد تكون مساعدة مادية أو معنوية، في حديث الصدقة عن أعضاء جسم الإنسان ما يشير إلى ذلك الأمر، في قوله صلى الله عليه وسلم: (.. وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها.. الحديث) ما يدل على أن الإنسان يجب عليه مساعدة الآخرين مهما كانت هذه المساعدة، فقد يكون الإنسان ذا يسار فيساعد بماله، أو ذا جاه فيساعد بجاهه، أو ذا قوة بدنية فيساعد الآخرين بما وهبه الله من قوة.
والناظر إلى واقعنا يلحظ اضمحلال هذه الصفات الإنسانية الراقية التي كانت من أساسيات المجتمع الإسلامي حتى وقت قريب، بل إن الأمر بات شيئاً من الماضي ومن يقوم به يعتبر قام بأمر عظيم يشاد به في كل منتدى ومحفل.
قارئ كريم يحكي واقعه المؤلم وهو بالطبع واقع آلاف الأشخاص مثله، يقول: إنه يعيش في وضع صحي سيئ ووضع مادي أسوأ، وعدد غير قليل من أقاربه، بل أبناء عمومته يعيشون في رغد من العيش، بل إن عدداً غير يسير منهم من أصحاب الشركات الكبرى في الوطن العربي وليس المملكة فقط، وهم يعرفونه كمال المعرفة، وأحياناً يقومون بزيارته للسلام فقط ولا يكلفون أنفسهم تقديم أي مساعدة..!! هل يريدون مني أن أطلب العون؟ هل يريدون مني أن أقول إن فاتورة علاجي أثقلت كاهلي؟ هل يريدون مني أن أقول إن هم المرض وهم الحاجة أقض مضجعي؟ هل يريدون أن أذل نفسي حتى يتفضلوا عليّ؟ أسئلة وأسئلة مؤلمة محزنة لواقع بكل ما تعنيه الكلمة، مؤلم ليس لهذا المحتاج ولكن لهؤلاء المساكين.. نعم إنهم هم المساكين، وأعني بهم رجال الأعمال والمال الذين نسوا الباقية وتعلقوا بالفانية، فلم يصلوا رحماً، ولم يعطفوا على أرملة ويتيم ومسكين.
سؤالي الذي أطرحه على هؤلاء ماذا يميزكم عن المعدمين؟ ملابسكم.. مراكبكم.. مآكلكم؟ كلها أمور عابرة إن لم يميزكم سؤالكم عن أهلكم ووقوفكم مع كل مريض ومحتاج فإنهم أفضل منكم.
يؤلمني أشد الألم الرجل القادر على بذل جاهه ومع ذلك يتوارى خشية أن يقال له افعل والرجل القادر على البذل ومع ذلك يبخل ويسوف ويعلل.
يؤلمني تكافلنا الاجتماعي الذي صار في مهب الريح، لا تقولوا عما يتبرع به للجمعيات والمؤسسات الخيرية فهذا شيء آخر له ظروفه وله دوافعه ومسبباته، ولا أريد أن أدخل في هذا الموضوع لأنه سيقودنا إلى الحديث عن أشياء مؤلمة في هذا الاتجاه، لكنني أتكلم في التكافل الذي ينطلق من تنفق يمينه ولا تعلم شماله، التكافل الذي ينتشل هذا القريب من مستنقع الفاقة وسرير المرض بلا مَنٍ ولا أذى.. التكافل الاجتماعي الذي ينطلق من قوله صلى الله عليه وسلم عن المؤمنين.. كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، لا تكافل الهوان والشح والبخل والأذى.
رسالتي لكل صاحب جاه أو مال: كن مبادراً بجاهك ومالك لكل محتاج إليه، فذلك هو المعروف الذي يقي مصارع السوء، ولا تنتظر المحتاج أو المكلوم أن يسألك.