ما بين البترول والدولار تنحصر معطيات القرار الاقتصادي في زيادة رواتب الموظفين الحكوميين مقابل التضخم من عدمه. فالبترول هو مصدر دخل الدولة، والدولار هو مقياس قيمة العملة السعودية كما أنه هو مقياس قيمة البترول. والدولار والبترول كلاهما من أسباب التضخم العالمي الحالي. وما بين هذه المعطيات وما بين خطأ تطبيق النظريات الاقتصادية للطلب الكلي والعرض الكلي، تضيع القرارات المنطقية الناتجة عن معطيات البترول والدولار في زيادة الرواتب أو عدمها.
البترول هو الدخل الأساسي للدولة. وزيادة أسعاره ليست ناتجة فقط عن زيادة الطلب العالمي عليه، بل فيها من انخفاض قيمة الدولار. والبترول مقيم بالدولار وكذلك الريال. فالموظف الحكومي الذي كان راتبه 37,500 ريال عندما كانت قيمة البترول 50 دولارا كان يكلف الحكومة 200 برميل نفط شهريا من مبيعات النفط. وعندما أصبح النفط 100 دولار أصبح يكلف الحكومة 100 برميل فقط، والمائة برميل الأخرى عادت فوائض للدولة، وهذا جميل. فالدولة تصرف الفوائض على التعليم والابتعاث والخدمات العامة. ولكن ما ليس جميلا هنا هو أن ما يقارب 30% من ارتفاع أسعار البترول هو بسبب انخفاض قيمة الدولار والذي اتبعته عملات الدول الصناعية مما أدى إلى تضخم عالمي تحصد الحكومة فوائده بسبب أثره على ارتفاع أسعار البترول بينما يدفع المواطن جزءا من دخله في المقابل.
في كند واستراليا -المصدرة للمواد الأولية كالنفط- قام نظام التعويم بتصحيح الوضع فزادت قيمة عملاتهما، وهذا يناسب تركيبتهم الاقتصادية المعتمدة على القطاع الخاص وعلى التصنيع وعلى المواد الأولية. وربط الريال بالدولار يناسب الاقتصاد السعودي المعتمد على الدولة وعلى البترول.
استمرار انخفاض المستوى المعيشي للمواطن السعودي بسبب انخفاض قوة الريال هو هاجس اجتماعي وسياسي واقتصادي يُستحسن التعامل معه. ورفع قيمة الريال 5% يكلف - بحساب تقريبي مبسط - احيتاطيات الدولة الأجنبية سنويا ما يقارب 35 مليار ريال إذا حسبنا فقط تحويلات العمالة الأجنبية والبضائع والخدمات المستوردة والبالغة 700 مليار ريال في عام 2009. وإذا استثنيا نصيب صرف الحكومة من هذه المليارات (الـ35)، فإن القطاع الخاص سيُجير معظم هذه الزيادة لصالحه فتصبح فوائض مالية خاصة تهاجر من البلاد وتتحمل احتياطيات الدولة الأجنبية مرة أخرى رفع قيمة الريال عليها وعلى الأموال السعودية الخاصة التي تهاجر كل سنة خارج البلاد -والتي سيزيد من كميات هجرتها زيادة قيمة الريال-، وهذا كله ليس في صالح المواطن العادي ولا في صالح المجتمع.
وبما أن الدولة عندنا هي من يقود التوجه الاقتصادي، لذا فالحل في إيقاف تدهور القيمة الشرائية لدخول السعوديين هو رفع رواتب الموظفين الحكوميين سنويا 5% مقابل التضخم السنوي البالغ أكثر من 5%. وهذا سيكلف الدولة 12 مليار ريال سنويا فقط، ولن تتأثر بها الاحتياطيات الأجنبية، لأنه لن يهاجر إلا قليل منها، لذا فهي ستبقى تدور داخل البلد وترفع الإنتاجية وتدفع بالقطاع الخاص إلى رفع رواتب موظفيه في نهاية الأمر إذا استمرت الدولة سنويا في تعويض موظفيها عن التضخم.
والتضخم المحلي لن يحدث بسبب زيادة الرواتب إلا في العقار والذي يمكن علاجه بفرض الزكاة. فالزيادة في الرواتب بمقدار التضخم السنوي سيُرجع الطلب العام إلى مستواه السابق فقط قبل سنة. وبما أن أغلب بضائع العرض العام يمكن جلبها من أنحاء العالم، لذا فهو أفقي تقريبا ولن ترفع أسعاره -بسبب زيادة هامش الكلفة- رجوع الطلب السعودي العام إلى مستواه الذي كان عليه سابقا.
إن مما سكت عنه أن جزءاً من فوائض الدولة الناتجة من ارتفاع أسعار البترول هو في الواقع محصلة ضرائب غير منظورة فُرضت على المواطن السعودي. والفوائض بحمد الله تزداد بسبب ارتفاع البترول الذي يشكل جزء منه انخفاض الدولار، والذي هو ضريبة حكومية على دخل المواطن، ولكن بدل الغلاء 15% لم يزدد مع بداية العام الجديد الذي جاء بتضخم جديد.