|
الرياض - (الجزيرة) - متابعة عبدالرحمن المصيبيح :
يفتتح صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز مساء اليوم الأحد وسط حضور عدد من العلماء والمفكرين والمؤرخين والمهتمين معرض (تراث المملكة العربية السعودية المخطوط) الذي تنظمه دارة الملك عبدالعزيز في مقرها بحي المربع، ويستمر المعرض لمدة شهر ونصف الشهر، تعرض خلاله الدارة مائة مخطوطة أصلية ونادرة منتخبة من المخطوطات السعودية في مختلف العلوم والمعارف منها مخطوطات في العلوم الشرعية واللغوية والأدبية ومخطوطات في علوم التاريخ والفلك والجغرافيا وغيرها، وتقوم شركة أرامكو السعودية مشكورة برعايته.
صرح بذلك معالي الدكتور فهد بن عبدالله السماري الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز وأضاف: (هذا هو المعرض الأول الذي تنظمه دارة الملك عبدالعزيز منذ تأسيسها عن المخطوطات بصفتها أحد الأوعية المعلوماتية التاريخية المهمة من حيث ما تحويه من علوم وأخبار وأحداث، إضافة إلى ما تعكسه عن عصرها من الملامح العلمية والسمات الفكرية، ويعد هذا المعرض أحد الأنشطة العلمية المهمة التي تقدمها دارة الملك عبدالعزيز بتوجيه واهتمام ورعاية من سموه الذي يعود له الفضل في إقامة هذا المنشط الثقافي والتاريخي وإنجازه على أرض الواقع، وما رعاية سموه - حفظه الله - لافتتاح المعرض إلا دليل آخر على اهتمام سموه بكل ما من شأنه خدمة حركة البحث العلمي واستظهار الإرث الفكري للتاريخ السعودي. وفي هذا السياق لا بد من أن أذكر أن عدد المخطوطات في الدارة قفز من 23 مخطوطة أصلية إلى 3000 مخطوطة أصلية، كما أن هذا المعرض يعكس ما لقيته العلوم مبكراً من الدعم والتأليف من الدولة السعودية، وما أنتجه تاريخنا من علماء ومفكرين وطلاب علم كانوا الشعلة الأولى لحركة البحث العلمي المزدهرة في وقتنا الحالي).
وعن أهداف المعرض التي تتوخاها الدارة قال معاليه: (تسعى الدارة من خلال هذا المعرض إلى لفت الانتباه إلى المخطوطات لكونها مصدراً تاريخياً نقياً وأصيلاً وإتاحته للحركة العلمية والبحثية، وتقديمها كنموذج للمصدر الأولي الذي يعتمد العقل أكثر من النقل في مسألة البحث والدرس، ورفع مستوى الاهتمام بها، وإبراز التراث الفكري السعودي المخطوط للباحثين والباحثات والمهتمين ومختلف الفئات العلمية والاجتماعية في المجتمع كمسار يعكس الجوانب الأخرى المصاحبة للتاريخ الوطني، كما أن دارة الملك عبدالعزيز تقدم من خلال المعرض رسالة شكر لكل من اعتنى بالمخطوطات وبذل الجهد والعناء والمال في سبيل المحافظة عليها، وفي هذا الإطار ستكرم عدداً من المشاركين في المعرض، وأخيراً تهدف الدارة إلى تحفيز المؤسسات الحكومية إلى نشر فهارس لما تحتفظ به من مخطوطات ووثائق تسهل على الباحثين والباحثات الوصول إلى مواقعها وتختصر عليهم الوقت والجهد).
وعن ما إذا كان المعرض يتعارض مع نظام المخطوطات في المملكة العربية السعودية، قال معاليه: (لا تعارض بين تنظيم الدارة لهذا المعرض وبين نظام المخطوطات الذي حدد مكتبة الملك فهد الوطنية الجهة المعنية بحفظ المخطوطات وفهرستها، ذلك أن التنسيق قائم ومستمر بين الدارة ومكتبة الملك فهد الوطنية قبل وبعد هذا المعرض الذي هو مساهمة علمية مكملة لجهود المكتبة في هذا المجال وخدمة للثروة العلمية المخطوطة لعلماء ومؤرخي المملكة العربية السعودية من خلال التوثيق التاريخي لتراث بلادنا منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى والإشارة إليه والعناية به).
واختتم معالي الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز تصريحه بتقديم الشكر لشركة أرامكو السعودية على رعايتها للمعرض ومشاركتها فيه في بادرة تمثل إيمان الشركة بالمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص ودورها في خدمة مجتمعها في جوانبه المختلفة، وامتداداً للتعاون العلمي القائم بين الدارة والشركة وما تقوم به الدارة من خلال مشروعها الطموح حول توثيق تاريخ الزيت في المملكة العربية السعودية.
الجدير بالذكر أن دارة الملك عبدالعزيز وتزامناً مع تنظيم المعرض قامت بإصدار كتاب نوادر المخطوطات السعودية باللغتين العربية والإنجليزية، تقدم من خلاله فهرسة للمخطوطات النادرة لديها وكتيباً عن المعرض يستعرض دور الدارة في خدمة المخطوطات بالحفظ والترميم والتعقيم. كما أصدرت عدداً خاصاً من مجلة الدارة المحكمة عن المخطوطات وعدداً خاصاً من النشرة التاريخية عن المعرض، كما سيتم عرض فيلم وثائقي خلال الحفل عن جهود الدارة في حفظ المخطوطات والمصادر التاريخية.
مفتي عام المملكة: دارة الملك عبدالعزيز رائدة في رصد وجمع المخطوطات وعلينا جميعاً التعاون معها
وفي السياق ذاته أهاب سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمهتمين بالمخطوطات وعلومها بالتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز وتزويدها بكل ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية من مخطوطات لأجل جمعها تحت سقف واحد، وللحفاظ عليها من الضياع للاستفادة المثلى منها في خدمة البحث العلمي، وقال سماحته بمناسبة افتتاح سمو أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز لمعرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط والذي تنظمه الدارة في مقرها بالرياض: «نشد من أزر دارة الملك عبدالعزيز في تنظيم هذا المعرض ونبارك لسموه جهود الدارة الرائدة في رصد المآثر العلمية والفكرية للعلماء والمفكرين في مختلف الفنون والمجالات التي يحفل بها تاريخ الجزيرة العربية والمملكة، وهذا الرصد والجمع يتطلب إمكانات كبيرة وجهداً مضنياً نشكر الدارة عليه ضمن ما توليه من العناية والاهتمام بالتراث العلمي المخطوط للمملكة». وأكد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ على أهمية هذا المعرض في إبراز تراث المملكة المخطوط، ولفت الاهتمام به والمحافظة عليه ونقل العناية به من الحيز الفردي الضيق إلى الحيز العام الواسع والمنظم لخدمة حركة البحث العلمي، مشيراً إلى ما تبذله الدارة من مساع حثيثة كونها جهة الاختصاص المعنية بخدمة كل ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية من تاريخ وثقافة وعلوم دينية واللغة العربية.
وكانت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء قد أصدرت فتوى بجواز نقل المكتبات الموقوفة الموجودة لدى بعض الجهات والأفراد التي ليست لاطلاع العموم إلى دارة الملك عبدالعزيز بعد الاتفاق مع أصحابها أو من تعود إليهم تلك المكتبات، وذلك لتعميم الفائدة منها باطلاع أكبر عدد من المستفيدين منها.
مآثر ونتائج
أعمال توثيقية
أما رئيس المجلس الأعلى للقضاء معالي الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد فقال: إن ثمة ركائز علمية وأخرى عملية تشهد على التاريخ باستبطانه مآثر ونتائج أعمال توثيقية قد دونها جملة من رجالات الأمة الذين شاركوا في صناعة تاريخها، وتعكس من خلال إنتاجهم ذلك الرصيد الوافر من المعارف والتقريرات والصياغات العلمية الحافلة بالبراهين والقواعد المعززة لبناء الفكر المعرفي نحو العلوم الأصلية والفرعية لدحض ودفع ما كتبه عدد من المستشرفين غير المنصفين من كتابات قد تكون من دوافعها خشيتهم من قيام نهضة هذه الأمة بما أوجب الله عليها من نشر رسالة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وبثها للعالم لتحيا بها نفوس وحضارات غربية وشرقية كان خلفاء المسلمين وأمراؤهم وعلماؤهم في عصور حضارتهم يرون أنفسهم أولى الناس بكل علم وفن ينفعان الناس في معايشهم أو عقولهم أو أبدانهم حتى أحيوا العلوم الميتة والفنون الدارسة. وكانت هذه العلوم والفنون تقرأ من علوم الشريعة في مساجد المسلمين ومحاضنهم التربوية والدراسية وما وجدوا شيئاً منها ملتبساً بينوا القول فيه إما بإباحته وحل النظر فيه، وإما بالنهي عن الخوض فيه وما تركه علماء المسلمين الأوائل من كنوز التراث لتشهد بسعة أفقهم واتساع دائرة النظر عندهم.
وقد صرنا إلى عصور ضعف في بعضها العلم بالشريعة وقوانينها، والإلمام بلغة القرآن وسياقاته وسائر العلوم والفنون التي كان لأهل الإسلام فيها قدم السبق والاستقلالية، وكان من أسباب ذلك القول بغلق باب الاجتهاد العلمي والضعف في التربية الإيمانية التي تصحح النية في طلب العلوم والفنون وتوجهها إلى ما به ترقي الأمة ولكن الذين اقتبسوا استقلال الفكر والعلم من المسلمين وتداولوه على موائد بحثهم قد أضفى عمقاً في علومهم وأطروحاتهم حتى أطرتها أقلام ظنت أنه بدعاً من القوانين والنظريات ولا يعلمون أنها البضاعة التي ردت لأهلها وإن بعث هؤلاء الأماجد لن يكون إلا بمشاريع ومراكز ودراسات ذات أبعاد استشرافية تلقي الضوء على مكانز علم أهل الإسلام، وأحسب أن من ذلك ما تقوم به دارة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - تلك المناشط العلمية الأصيلة.
ومن خلال تقريب العلوم ومدوناتها مما خطته أقلام شاركت في العلوم ونهضته لتوجه ذلك المجتمع وأفراده إلى أهمية العناية بتراث الأمة واستدامت علومها لترثها الأجيال علماً وعملاً كابراً عن كابر.
إنها ثروة إنسانية مهمة
كما أشاد معالي رئيس مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ بالاهتمام الذي تلقاه المخطوطات من حكومة المملكة بصفتها ثروة إنسانية مهمة يجب المحافظة عليها من التلف وصيانتها والعناية بها ومرجع مهم لتاريخ المملكة العربية السعودية ونبع نقي للعلم والمعلومات. وأشار معالي رئيس مجلس الشورى في هذا الإطار إلى النظام الذي أصدره مجلس الوزراء عام 1422هـ لحماية التراث المخطوط في المملكة المتوفر لدى الجهات الحكومية والخاصة والأفراد، جاء ذلك في معرض حديث معاليه عن أهمية معرض تراث المملكة العربية السعودية الذي تنظمه دارة الملك عبدالعزيز خلال هذه الفترة، وأضاف: «المعرض الأول عن المخطوطات الذي تنظمه دارة الملك عبدالعزيز تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز خطوة مهمة تندرج في نطاق هذا الاهتمام الذي توليه الدولة - رعاها الله - بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني - حفظهم الله - لهذا التراث والحفاظ عليه، وإتاحته للباحثين في تاريخ المملكة العربية السعودية وفي العلوم الشرعية واللغوية والأدبية والفلك والجغرافيا وغيرها».
ورفع معالي رئيس مجلس الشورى تقديره وشكره إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز للجهود الكبيرة التي يبذلها سموه - حفظه الله - للحفاظ على تراث المملكة العربية السعودية والعناية به، وخدمة تاريخ المملكة وجغرافيتها وآدابها وتراثها بصفة خاصة، وتاريخ البلاد العربية والإسلامية بصفة عامة، كما أشاد معالي الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ بالجهود التي تبذلها الدارة برعاية سمو أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارتها للحفاظ على المخطوطات وإبرازها للباحثين والمهتمين وزيادة الوعي المعرفي بالمخطوطة وأهميتها التاريخية والعلمية وأساليب المحافظة عليها والعناية بها.
واختتم معالي رئيس مجلس الشورى حديثه بهذه المنسابة مشيراً إلى دور مجلس الشورى في تطوير النظم الخاصة بالحفاظ على المخطوطات والوثائق التاريخية والتراثية في المملكة من خلال اختصاصاته التشريعية والرقابية وذلك بتعزيز دور الجهات المعنية بذلك المجال والعمل على تذليل الصعوبات والمعوقات التي تعترض عملها بما يسهم في الرفع من أدائها في خدمة تراث الوطن الغالي وتاريخه المشرق، وكذلك دراسة التقارير السنوية لتلك الجهات.
المخطوط العربي
جدير بالاهتمام
من جانبه أكد معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على أهمية المخطوط العربي والعناية به، وقال: فإنه لما كان الإنسان بفطرته يحرص على ما خلفه الآباء من تراث، والأمم بطبعها تغار على ما تحدر إليها من آثار سلفها، كانت هذه العناية البالغة بالمخطوط العربي فكيف به وهو يعد اليوم من أقدم المخطوطات عمراً في التراث الحضاري للإنسان، ومن أمثله قيمة علمية، لذا فقد بذلت جهود جليلة في سبيل البحث عنه ودرسه وفهرسته ونشره والاحتفاء به.
وأبرز معاليه جهود دارة الملك عبدالعزيز وإسهاماتها الموفقة فقال: ومن هذا الجهد الموصول والدأب المبارك، ما تقوم به دارة الملك عبدالعزيز من التوافر على العناية بالتراث المخطوط، وكان من آخر ما توجت به عملها هذا أن نظمت معرضاً لهذا التراث المخطوط برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - ضمن أنشطتها في خدمة المآثر الفكرية لعلماء الجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية، لتعرض فيه المخطوطات الأصلية في شتى أنواع العلوم، من العقيدة والفقه والحديث إلى اللغة والفلك، وما إلى ذلك من الآداب المختلفة.
لقد أصيبت الأمة في أيامها الخالية بسبب من ضعف الوعي بتراثها المخطوط، ولعل ما فقد من هذا التراث نتيجة الجهل بقيمته، يفوق ما ضاع منه بسبب ما حل به من الكوارث والحروب وغوائل الأيام.
إن مثل هذا التراث لهو من السعة والانتشار والصعوبة بحيث إن الجهود الفردية ليست بذات غناء في تداركه واستنقاذه والعناية به، فالمؤسسات العلمية هي تقوى على أن تنهض بمثل هذه الجهود الشاقة، لكن نجاح مشروعات يظل مرتهناً بمدى ما تبلغه ثقافة المجتمع في التجاوب معها، ومقدار ما تضطلع به أقلام الباحثين من تحفيز وحث للناس على التعاون مع هذه المؤسسات. ولا شك أن لمثل هذا المعرض دوراً كبيراً في تأصيل العناية بالمخطوط، ونشر ثقافة التعاون بين أبناء المجتمع في بذل هذا التراث لإحياء حركة البحث العلمي، ولاسيما حين يرى أبناء هذا المجتمع، صدق البادرة، وسلامة الهدف، وعنوان الجهد، يتجسد كله في تنظيم هذا المعرض وقيمة محتواه.
وتطرق معاليه إلى علم المخطوطات وما واكبه من تطوير فقال: إن علم المخطوطات قد تطور في أيامنا هذه حتى أصبح علماً مستقلاً، ورسالة هذا المعرض تتجاوز بقصدها المعرفي مادة المخطوط، تتجاوزه إلى تمثله بوصفه وثيقة حضارية يتملح فيه الدارس معالم من صورة المجتمع، وآفاقاً رحبة من ثقافته المكتوبة، إذ إن العناية بالمخطوط ليست عملاً أثرياً محضاً، وإنما هي ضرب من بعث الثقة بالحضارة المنتجة، وحديث صادق عن الوعي بالهوية الثقافية للمجتمعات. ورأى معاليه أهمية الحفاظ على المخطوط العربي فقال: ولعل في الحفاظ على هذه الثروة الوطنية، وتيسير الاستفادة منها لطالب العلم، خير غاية يسعى لها كل غيور على تراث أمته، وكل محب لما من شأنه أن يرتقي بمجتمعه في مختلف فروع المعرفة، وشتى مجالات الحياة.
مرجع تاريخي
وامتدح معالي الدكتور خالد بن محمد العنقري وزير التعليم العالي نائب رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز دارة الملك عبدالعزيز وتراث المملكة المخطوط قائلاً: تعد دارة الملك عبدالعزيز مرجعاً تاريخياً مهماً للدراسات المتعلقة بتاريخ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، وهي بذلك تحتضن أرشيفاً تاريخياً مهماً وفريداً تتجه إليه أنظار الباحثين في تاريخ المملكة والخليج، بل وتاريخ الجزيرة العربية منذ ما قبل الإسلام مررواً ببعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والخلافة الإسلامية في مراحلها المختلفة حتى يومنا الحاضر في كنف هذه الدولة الفتية. واستعرض معاليه جهود الدارة فقال: لقد بذلت الدارة جهداً كبيراً في توثيق التاريخ المتخصص في المملكة والجزيرة العربية، سواء من خلال المخطوطات أو من خلال الرواية التاريخية التي عملت على توثيقها بشكل علمي محايد. يتسق معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط الذي تنظمه دارة الملك عبدالعزيز شهر محرم 1432هـ مع أهداف الدارة واستراتيجيتها لخدمة تاريخ الجزيرة العربية وتاريخ المملكة العربية السعودية والتاريخ العربي والإسلامي بصورة عامة، فالمعرض وقفة مهمة للفت الانتباه للمعلومات النقية وللقيمة التاريخية للمخطوطات، وهو لفتة محفزة ومشجعة من دارة الملك عبدالعزيز للجهود المنية التي يبذلها أصحاب المخطوطات، بما فيها من تقدير لهم على ما بذلوه من جهد، وتكبدوه من العناء والمشقة، فأصبحوا شركاء مع الدارة في المحافظة على المخطوط شكلاً - من خلال التعقيم والترميم، ومضموناً - من خلال إتاحته ودراسته للباحثين والباحثات من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، كما أن هذا المعرض الأول من نوعه سيسهم في زيادة الوعي المعرفي بالمخطوطات وبأهميتها التاريخية والعلمية وبوسائل العناية بها، وأساليب حفظها، وهو دعوة مفتوحة من دارة الملك عبدالعزيز للجميع للمحافظة على المخطوطات والاهتمام بها. وأردف معاليه قائلاً: إن دارة الملك عبدالعزيز قدمت وتقدم الكثير من العناية والاهتمام بالمصادر التاريخية المختلفة، سواء في ذلك المكتوبة، أو الشفهية، أو الصور الفوتوغرافية، التي تتكامل مع بعضها للكشف عن مزيد من تاريخ الجزيرة العربية بصفة عامة، وتاريخ المملكة العربية السعودية تحديداً، واستخلاص المآثر الفكرية والموروثات العلمية وتقديمها للباحثين والباحثات والمؤرخين والمهتمين من المملكة العربية السعودية وغيرها لاسخدامها مدخلات علمية لبحوثهم العلمية، وكذلك تقديمها شاهداً حياً على إسهامات العرب والمسلمين في العلم والمعرفة والفكر على مر التاريخ، ومن تلك المصادر الثرية، المخطوطات التي تعد من أصفى المنابع والمشارب للعلوم والفنون ومختلف المعلومات في كل مجال. وفي هذا الجانب بذلت دارة الملك عبدالعزيز برعاية وتوجيه وإشراف مباشر من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز امير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة الدارة الجهد الحثيث والمتواصل للحصول على المخطوطات المختلفة من أصحابها لتكفيهم عناء حفظها، ومشقة العناية بها، وتدرأ الأخطار المحدقة بها بسبب الإهمال، أو النسيان أو سوء الاستخدام، أو لأسباب بيئية طارئة خارج عن إرادة البشر. ولقد سخرت الدارة وحدة تعقيم وتنظيف ومعالجة وترميم كاملة لخدمة المخطوطات والوثائق سواء داخل مقر مركز الترميم والمحافظة على المصادر التاريخية التابع لها، أو في أماكن المخطوطات والوثائق الموجودة بها، وهنا يجب أن نسجل باعتزاز وفخر استقبالات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة الدارة للأفراد والأسر من الذين يرغبون إيداع ما لديهم من وثائق خاصة أو عامة ومخطوطات متنوعة وأوراق خاصة في دارة الملك عبدالعزيز، حيث يقدم لهم سموه - حفظه الله - الشكر بنفسه، وما ذلك إلا انعكاس لتقدير سمو رئيس مجلس الإدارة للتاريخ وطلابه وباحثيه، واهتماهه - حفظه الله - بمسالك البحث التاريخي والتقصي العلمي المؤصل في مناحي التاريخ المختلفة، ودعماً لمهمة الدارة ورسالتها الوطنية في خدمة التاريخ الوطني وتاريخ العلوم والفنون والمعارف المتنوعة التي هي تراثنا وإليه تعود أصول كثير من المؤلفات والكتب الحالية.
إن هذا المعرض الذي يرعى افتتاحه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز ويخصه بمتابعته - حفظه الله - وسط حفاوة كبيرة ومنتظرة من الأوساط العلمية والبحثية، هو امتداد مضيء لإنجازات دارة الملك عبدالعزيز على المستويين العملي والتوعوي، ورسالة مؤثرة للنهوض بمكونات علم المخطوطات ومكنوزاته، فالدارة خلال الثلاثة عشر عاماً الأخيرة قدمت أعمالاً جليلة لخدمة الباحثين، من خلال استكشاف مجالات علمية بكر أو مجالات لم تنل كامل الاهتمام من البحث العلمي، وهي - أي الدارة - تحاول من خلال العديد من نشاطاتها ومشروعاتها المنفذة أو التي هي تحت التنفيذ أن تؤصل للعمل العلمي المؤسساتي لتلافي الازدواجية والقصور والتحيز في الدراسات والبحوث الفردية. وإن من توفيق الله عز وجل أن تزدهر الدارة في تخصصها الدقيق في وقت يحظى فيه البحث العملي في الجامعات السعودية بدعم غير محدود من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ضمن توجهه ومشروعه - حفظه الله - للنهوض بالتعليم العام والعالي في هذه البلاد حرسها الله.
عمرها أكثر من خمسة قرون... ووقف أمامها الزوار طويلاً
دارة الملك عبدالعزيز تعرض أقدم مخطوطة نجدية في معرضها عن التراث السعودي المخطوط
يعبق معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط الذي تنظمه دارة الملك عبدالعزيز في مقرها خلال هذه الأيام برائحة هيبة التاريخ وكثيراً من العلم الأصيل الذي يترجم عناء الخط باليد أو النسخ باليد، شيء ما سيداهمك بالسؤال: لو وجد الحاسب الآلي في زمن هؤلاء الأشداء في التأليف والكتابة والنسخ فماذا سيكون إنتاجهم العلمي؟! وهنا نترك الإجابة لخيالك فلا إجابة معينة تشبع دهشة هذا السؤال... ستجد أسئلة أخرى تنز من عيون زوار المعرض وهم يقفون مبهورين أمام أقدم مخطوطة نجدية منسوخة باليد تم العثور عليها حتى الآن وهي لكتاب (الإفصاح عن معاني الصّحاح) الذي عني بشرح صحيحي البخاري ومسلم لمؤلفه عون الدين أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الشيباني وزير القضاء في عهد الخليفة العباسي المقتفي لأمر الله (499هـ /560هـ - 1105م/1165م)، وهي تقف شامخة في أحد زوايا المعرض بهيبة لا تطال، شاخصة لعيون الزوار تحمل على كاهلها تعب 549 سنة هجرية منذ ولادتها على يد ناسخها منيف بن إسماعيل بن عبدالله بن مسند بن عمر بن بسّام من أهل بلدة أوشيقر في منطقة نجد عشية يوم الاثنين التاسع والعشرين من شهر شوال عام 882هـ، فعلى الرغم من أن المسافة التاريخية بين أصل المخطوطة ونسختها تبلغ أكثر من ثلاثمائة عام إلا أن ما بقي من هيبتها وشموخها كبير جداً أبهر الزوار الواقفين أمام خطوطها المتعرجة بالأسود والأحمر لاكتشاف سر بهائها اللامع داخل أروقة المعرض، فخلال أكثر من خمسة قرون سافرت تلك المخطوطة النادرة إلى أشخاص مختلفين وحطت رحالها في أماكن متنوعة حتى آل بها الترحال إلى دارة الملك عبدالعزيز ضمن مكتبة الشيخ صالح بن علي الطويرب المهداة لها، ووجدت الدارة فرصة هذا المعرض لعرض هذه المخطوطة المزدانة بوقار التاريخ وطلبة العلم الأوائل ضمن مقتنياتها للعامة لأول مرة، وتقف هذه المخطوطة شامخة للدلالة على اهتمام المملكة منذ بداية تاريخها في منتصف القرن الثاني عشر بالعلم والعلماء وطلبة العلم وبالكتاب بصورة عامة، هذا الاهتمام الذي انتقل إلى الدولة السعودية الثانية مع نشأتها ثم الدولة السعودية الحديثة التي خصت المخطوطات بعناية مميزة من خلال عدد من المؤسسات واللقاءات والبرامج العلمية.
خطوط أقدم مخطوطة نجدية متعرجة وصفحتها الواحدة تحتوي ما يقارب الواحد والعشرين سطراً مكتوبة بخط النسخ المعروف لا تمتلك أمام جمالها الذي يزداد مع مرور الزمن إلا أن تقف مصفقاً بعينيك وروحك، خط سيرها هو الآخر كان متعرجاً فقد سافرت من مدينة أوشيقر مكان نسخها ثم انتقلت مع القاضي عبدالعزيز بن مرشد إلى سدير ثم حائل في القرن الرابع عشر الهجري حيث تولى القضاء فيهما، لتستقر في القرن الواحد والعشرين الهجري ومنذ خمسة أعوام في مركز المخطوطات بالدارة بعد أن أهداها الأستاذ عبدالقادر بن صالح الطويرب إليها، سارت كل هذه المسافات الزمنية والمكانية وهي تحمل إشارة قوية لما بذلته المملكة منذ تاريخها في منتصف القرن الثاني عشر الهجري للعناية بالعلم والعلماء وتعكس المكانة التي وصل إليها الكتاب في حياة السعوديين وحفظ المخطوطات والمنسوخات من أمهات الكتب وتزايد عدد المكتبات وحلقات التعليم والقراءة منذ الدولة السعودية الأولى حتى يومنا الحالي.
لكل مخطوطة حكاية تاريخية طويلة تضج متعة وإباء مملوءة بأسماء تلحق بها من نسّاخها وملاكها ومكان تواجدها، كيف لا وهي ابنة للتاريخ فلا بد أن يوثق عنها كل شيء حتى أوصاف كل ورقة فيها وبيئتها التي وجدت فيها وهذا ما يعكس المكانة العالية التي تحظى بها المخطوطات لدى العرب والمسلمين، لكن الإجابة على السؤال الذي يتوارثه الزوار كلما دخل زائر جديد للمعرض وشاهد هذه المخطوطة يمكن اختصاره بأن التاريخ كلما مضى وذهب بعيداً يترك بين أيدينا أشياء ثمينة لا تقدر بثمن أو بشرح أو بخبر صحفي في جريدة أو موقع إلكتروني أو زيارة مهما بلغ عمقها وكبرت أسئلتها.
عنوانه (لماذا أحببت ابن سعود؟)
معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط يعرض مخطوطة كتاب لأول موظف في دارة الملك عبدالعزيز
يجوز أن نقول إن الأستاذ محمد بن أحمد التميمي الذي يحمل الجنسيتين الفلسطينية والسعودية هو أول موظف في دارة الملك عبدالعزيز، فقد كان يجلس إلى الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - في الدارة التي أنشئت عام 1392هـ/ 1972م ليملي عليه جلالته تفاصيل شجرة الأسرة المالكة وليقدم له حلول ما استعصى عليه أثناء إنشاء تلك الشجرة التي ما زالت تحتفظ بها دارة الملك عبدالعزيز برسم وخط التميمي وتعرضها حالياً في معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط، إلا أن الأستاذ التميمي يحتفظ بقصة درامية ذات عاطفة وألم وأيضاً حب جم للملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - سجله في كتابه (لماذا أحببت ابن سعود؟) سرد فيه قصة ظروفه الاجتماعية المستعصية في فلسطين مسقط رأسه ثم انتقاله للأردن فهروبه بسبب الإنجليز فانتقاله إلى الجوف بالجزيرة العربية ووظيفته هناك ثم لقاؤه الأول مع الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وانطباعاته عن هذا اللقاء المحوري في حياته وعمله في وزارة الخارجية معرجاً على بعض الأخبار والأحداث التي تشف عن شخصية جلالته، الكتاب الذي جاء لدارة الملك عبدالعزيز مخطوطاً من مكتبة الشعبة السياسية بالديوان الملكي ثم طبعته الدارة بمناسبة الاحتفال بالمئوية، لكنها تعرض مخطوطة هذا الكتاب الأصلية في المعرض بخط محمد التميمي في إشارة إلى أن الدارة طبعت بعض مخطوطاتها للعموم ولأهمية هذا الكتاب الذي كتب بلغة جزلة بما يشبه أدب الفكر مع لغة أدب الرحلات الرحبة حتى أن مؤلفه قال في تقديم مخطوطته: (وليس الغرض من هذا الكتاب التحليل النفسي الدقيق، أو البحث التاريخي العميق) وتظهر المخطوطة للزوار وفي صفحتها الثانية إهداء التميمي الذي أراد بالكتاب الإجابة على تساؤل المحيطين اللحوح: لماذا أحببت ابن سعود؟ فاختار ذات السؤال عنواناً ليحكي بلغة صادقة رحلته من فلسطين إلى شرق الأردن إلى المملكة العربية السعودية ثم يتحدث بمودة وحميمية عالية عن سمات الملك عبدالعزيز الشخصية وبعض مآثره من سمو الخلق والتواضع والتسامح حتى أنه كتب ضمن إهداء الكتاب: (إلى من سكن قلبي، وأخذ علي تفكيري ولبّي، وغيّر مجرى حياتي...)، ويسجل بعض الصفات الحياتية للجوف وحائل والمدينة المنورة ومكة المكرمة وغيرها من المدن التي زارها ويذكر بطريق غير مباشر عادات وتقاليد اجتماعية كانت سائدة آنذاك.
فبينما تنتصب شجرة الأسرة المالكة بخط ورسم التميمي في قاعة الملك عبدالعزيز التاريخية في مقر الدارة موقع المعرض تقبع مخطوطة هذا الكتاب في إحدى خزائن العرض نموذجاً للمخطوطات النادرة والنفيسة التي تشف عن علو كعب القلم في ذلك الوقت وشأن الكتابة الكبير، وتلقي بهيبة شكلها وأوراقها التاريخية المسؤولية مضاعفة على ضرورة الاهتمام بالمخطوطات بصفتها كنز لا ينتهي من المعلومات ونقل مباشر للماضي.
تعود ملكيتها للملك عبدالعزيز.. وعليها خط بيد شيخ الإسلام
مخطوطة لابن تيمية في فقه الطلاق تثير تساؤلات ودهشة زوار معرض تراث المملكة المخطوط
رسالة علمية من اثني عشر ورقة لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية (توفي 728ه) في فقه الطلاق، نسخها تلميذه أبو عبدالله ابن رشيّق وعليها خط الشيخ ابن تيمية - رحمه الله - في موضعين استوقفت زوار معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط لتأمل خط شيخ الإسلام وشكل خطوطها ذات المداد الأسود واللمسات الفنية التي تعود إلى أكثر من سبعة قرون ومازالت محتفظة بألقها وحضورها العلمي. كانت قد حصلت عليها دارة الملك عبدالعزيز من المكتبة الملكية الخاصة بالملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بعد أن آلت إليها من الديوان الملكي، ويعتقد أن تلك المخطوطة أهديت للملك عبدالعزيز أو اشتراها - رحمه الله - لدعم العلماء وطلبة العلم والحركة العلمية في ذلك الوقت من الشيخ محمد بن عبدالرزاق حمزة الذي حقق هذه المخطوطة عام 1342ه، المخطوطة كثرت حولها نقاشات المختصين في قاعة المعرض وما عقبها من محنة سجن الشيخ ابن تيمية بسبب ما تضمنته من فتوى حول (أن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة) وصارت محط التواصي بين كثير من الباحثين لزيارتها والاطلاع عليها في مكان المعرض بقاعة الملك عبدالعزيز التذكارية، وتعد هذه المخطوطة النادرة أحد المآثر العلمية التي تعود لأحد العلماء الكبار الذي أثرى نشر تعاليم الإسلام بحلقات تعليمة وبفكره وبتلاميذه ومخطوطاته التي يرى بعض المؤرخين والعلماء أنها قد تصل إلى ثلاثة ملايين مخطوطة ما بين مخطوطات كتبها بخط يده أو نسخها أحد تلامذته أو علق عليها أو همش لها. المخطوطة (الاجتماع والافتراق في مسائل الإيمان والطلاق) لابن تيمية أحد أبرز المعروضات التي يقدمها المعرض لزواره وتدلل بها على ما توليه من الحفظ والعناية للمخطوطات بصفة خاصة والمصادر التاريخية بصفة عامة.
يعود إلى 39 عاماً.. ويستمر حتى توثيق تاريخ الزيت
(قيد) مكتبة دارة الملك عبدالعزيز اليدوي
أظهر التعاون القديم بين الدارة وأرامكو
لم يكن معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط التعاون الأول بين دارة الملك عبدالعزيز وشركة أرامكو السعودية في مجال حفظ المصادر التاريخية ومنها الوثائق والمخطوطات، بل إن تعاونهما يعود إلى تاريخ 16/ 10/ 1393هـ أي قبل 39 عاماً.. حيث أظهرت قيود مكتبة دارة الملك عبدالعزيز عدداً من الكتب الأصلية والمخطوطات المنسوخة التي أهدتها شركة أرامكو إلى الدارة بصفتها الجهة المعنية والمؤهلة بحفظ الوثائق والمخطوطات، وظهر في القيد الذي كُتب بخط اليد كتب: (عقود الجمان في أيام آل سعود في عمان) لمؤلفه عبدالله بن صالح المطوع الذي ألف عام 1376هـ، و(نزهة الأعيان بحرية عمان) لمؤلفه محمد السالمي الذي أملاه محمد بن عبدالله على الكاتب سعود بن حميد في 3/8/1350هـ، (عنوان المجد في ما استظرف من أخبار الحجاز ونجد) لعبدالرحمن بن ناصر، و(مطالع السعود بتاريخ طيب أخبار داود) لعثمان بن سند الوائلي البصري الذي ألفه 1242هـ وكتبه عبدالله ياسين إيمان زاده في 25/12/1316هـ، و(لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب) ومؤلفه مجهول والذي طبعته الدارة ضمن سلسلة مصادر تاريخ الجزيرة العربية المخطوطة بعد أن درسه وحققه الأستاذ الدكتور عبدالله الصالح العثيمين واتضح أن مؤلفه هو حسن بن جمال بن أحمد الريكي، وغيرها من المخطوطات والكتب التي وثقت قدم التعاون بين دارة الملك عبدالعزيز وأرامكو في مجال العناية بمصادر التاريخ المختلفة. ولن يكون هذا المعرض الذي يشهد إقبال المهتمين من كافة الفئات الاجتماعية والمهتمين التعاون الأخير بين الجانبين حيث تدرس الدارة والشركة الأطر العلمية المناسبة لتوثيق تاريخ الزيت في المملكة العربية السعودية أحد مشروعات دارة الملك عبدالعزيز العلمية المهمة.
مفاجأة علمية بعد 90 عاماً من التفرق
دارة الملك عبدالعزيز تقدم للمجتمع العلمي
كل مخطوطات المؤرخ ابن عيسى
ما إن يذكر اسم الشيخ والمؤرخ والنسابة إبراهيم بن صالح بن عيسى (1270 - 1343هـ) أمام مؤرخ أو باحث في التاريخ والأنساب حتى يقترن اسمه بعبارة: إنتاج علمي متفوق لكنه متفرق، لكن دارة الملك عبد العزيز وفي إنجاز غير مسبوق حصلت بجهد ما يقارب الخمس سنوات من التتبع والمسح على ما يعتقد أنه كل مخطوطات هذا المؤرخ والنسابة الكبير في عصره الذي قال عنه علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله -: (يعتبر الشيخ ابن عيسى المؤرخ الثاني لنجد بعد ابن بشر، فبتأريخهما يصبح تاريخ هذه البلاد متصل الحلقات) وقال عنه الشيخ سليمان بن صالح البسام: (له في كل علم باع طويل) وأضافت الدارة مخطوطات ابن عيسى الخمسة والخمسين منها ثمانية وعشرين مخطوطة من تأليفه إلى خزانتها التاريخية وتعرض منها نماذج لزوار معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط في إضاءة لجهود هذا العالم الفذ الذي كان إضافة إلى جهده في التأليف يملك مكتبة كبيرة تضم نوادر المخطوطات، وبقية المخطوطات توزعت بين نسخه وتعليقه ووقفه وتملكه وتهميشه لها - رحمه الله -.
إنجاز علمي تضيفه الدارة إلى إنجازات عدة تكشف عنه للمرة الأولى في المعرض فبعد ما يقارب التسعين سنة عاشتها مخطوطات هذا المؤرخ العلامة من التشرد والتفرق بين المكتبات والتملكات الخاصة فقد بعث ابن عيسى بكثير منها إلى تلميذه الشيخ عبد الله الدحيان في الكويت وباقي المخطوطات والوثائق والمدونات فبيعت في سوق عنيزة بعد وفاته فيها حيث انتقل من مسقط رأسه أوشيقر إليها، لكن دارة الملك عبد العزيز استطاعت أن تضمها إلى بعض محققةً باقة من الإرث العلمي لمؤرخ ونسابة ومثقف يشار إليه بالبنان، فالملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الفيصل - رحمه الله - أشار إلى ابن عيسى بعد وفاة المؤرخ المعروف عثمان ابن بشر بأن يكمل كتابة تاريخ البلاد من حيث انتهت كتابة ابن بشر، فبدأ من أحداث سنة 1268هـ وطبع منه حتى الآن حتى إلى سنة 1302هـ في مؤلفه الشهير (عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر وأول الرابع عشر) لكن بقية منه ما زالت مخطوطة، وهذا ما يدل على المكانة العلمية لابن عيسى وحساسية قلمه تجاه الأخبار والأحداث وثقة الدولة في قدرته في تتبع الأحداث والتوثق منها.
دارة الملك عبد العزيز وهي تضع نماذج من مخطوطات ابن عيسى أمام زوار المعرض في المرحلة الأولى فهي تخطط في المرحلة الثانية إلى إصدار موسوعة علمية عن المؤرخ إبراهيم بن عيسى تشمل ترجمة موسعة عن حياته ونشأته ورحلاته وأعماله وببلوغرافيا شاملة لكل ما ألفه أو نسخه أو علق عليه من مخطوط أو مطبوع والتعليق على المعلومات التاريخية التي أوردها من أحداث تاريخية وأنساب ومدن وتراجم وشعر وفوائد ومراسلات تعليقاً علمياً موثقاً في بادرة من الدارة لتقديم ما لديها من مخطوطات لحركة البحث العلمي وتقديم أنموذج لدعم الباحثين والباحثات والمهتمين بصفة عامة والمتتبعين لمؤلفات ابن عيسى وأعماله بصفة خاصة، بعد أن أصدرت في وقت سابق ضمن هذا الاهتمام كتاب (قراءة في بعض المذكرات والرسائل الشخصية للشيخ المؤرخ والنسابة إبراهيم بن عيسى) للدكتور أحمد بن عبد العزيز البسام ضم إصداراتها العلمية المتعددة.
كتبها في ذم ثقلاء (القهوة) والحمقى وتعد من (التاريخ الاجتماعي)
مخطوطة للمؤرخ عثمان بن بشر عمرها أكثر من قرن يعرضها معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط
خمس عشرة ورقة بخط يد مؤلفها تعود إلى أكثر من 170 عاماً ألّف بينها المؤرخ العلامة عثمان بن عبدالله بن عثمان بن بشر المولود سنة 1210هـ والمتوفى سنة 1290هـ وجمعها رسالة تحت عنوان: (مرشد الخصائص ومبدئ النقائص في الثقلاء والحمقى وغير ذلك) تحدث فيها المؤرخ بن بشر عن مساوئ مجالس القهوة (البن) التي كثر فيها - كما يقول - الثقلاء وصارت قانوناً للمسافرين وعنواناً للبيوت، كما تطرق للمتطفلين الذين يلمون بالمجالس من غير دعوة ويمكثون فيها من غير رغبة في بقائهم، ويذكر المؤلف الآداب والأحكام والأمثال المتعلقة بالزيارة، كما خصص بن بشر جزءاً من رسالته لوصف الحماقة وبعض أخبار الحمقى وقصصهم الممجوجة، وكتبها بن بشر بعد إلحاح بعض أصدقائه النبلاء واستأذن في تأليفها شيخه عثمان بن عبدالعزيز بن منصور من علماء الفرعة بالوشم، فيما يدل على أصول التأليف في ذلك العصر وتقاليده حيث يستأذن المؤلف من شيخه قبل إقدامه في موضوع جديد ويستأنس برأيه بصورة سهلة تشابه ما يحدث في الجامعات الأكاديمية الآن، وقال مؤلفها عنها: «.. ستكون للعقلاء والنبلاء كالعنقود وللحمقى والثقلاء كالجلمود...».
هذه الرسالة التي تعد من الرقائق الأدبية وتدل على تنوع ثقافة المؤرخ العلامة بن بشر الذي اشتهر مؤرخاً في المقام الأول بكتابه الشهير: (عنوان المجد في تاريخ نجد) تصطف ضمن مخطوطات عدة تعرضها دارة الملك عبدالعزيز في معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط، وأثارت إعجاب المهتمين والزائرين الذين تتكاثر أعدادهم يوماً بعد يوم.
وجاء في سبب تأليف الرسالة التي استلت من كتاب في آداب الاستئذان والمجالسة كما كتب المؤلف: (أنه لما عمت البلوى بهذه القهوة المسماة بالبن، وكثر اتخاذها في البيوت، ومع المسافرين صارت قانوناً لكل أحد، واتخذها الغني والفقير والجليل والحقير. فلذلك كثرت مجالسها والترداد عليها، فكان يجلس فيها من ليس أهلها، وإذا ظهر منها رجل دخل رجل آخر).
وتعود المخطوطة إلى مكتبة الدارة التي تسلمتها عقب استقبال صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز لأحفاد الشيخ المؤرخ عثمان بن عبدالله بن بشر قبل خمس سنوات وإيداعهم لها في الدارة، وكانت دارة الملك عبدالعزيز قد طبعتها في كتاب ضمن إصداراتها بنفس العنوان.