|
رفحاء - منيف خضير
كان موقفاً بطولياً لا يستغرب من شباب هذا البلد الطيب الذي تربى على إغاثة المنكوب.
عقارب الساعة تقترب من السابعة مساءً في حي المحمدية في رفحاء، الشاب فيصل الشمري لم يعد ينظر كثيراً لساعته هذه الأيام فهو بلا وظيفة ولا يهمه الوقت كثيراً، يفكر في مستقبل عائلته وهو واقف أمام منزل عمه، فجأة سمع صوت صراخ وعويل، رجل كبير في السن يهرول إلى غير وجهة، ويصرخ بأعلى صوته أنقذونا، منزلنا احترق وبناتي في الداخل تحاصرهن ألسنة اللهب، هرع الشاب فيصل الشمري دون شعور واقتحم المنزل متخطياً الدخان الكثيف وألسنة اللهب التي بدأت في الاشتعال، فكر فوراً في عداد الكهرباء يريد فصل التيار بعدما عرف من المسن صاحب المنزل المحترق أن ماساً كهربائياً هو سبب الحريق.. يتحدث فيصل عن هذه اللحظات المثيرة ويقول:
كالمذهول جريت بسرعة ودخلت البيت، كنت أتذكر كلمة الرجل المسن أن (الكهرب) احترق، بحثت عن العداد فوجدته موصداً ب(براغي) من حديد حاولت فتحه فلم أنجح، فسحبته بيدي بقوة فخلعته دون أن أشعر بالدماء التي سالت من يدي نتيجة سحب الصفيحة الحديدية وهكذا فعلت بالعداد الثاني حتى فصلت التيار، فدخلت المنزل الذي تغطيه سحب الدخان، وشاهدت ألسنة اللهب تأتي على أجزاء المنزل، فلم أكد أرى شيئاً واستعنت بضوء هاتفي الجوال وأخذت أنادي على من في المنزل، فوجدت امرأة عجوزاً، وأربع فتيات، وطفلتين رضيعتين فساعدتهن على الخروج ولله الحمد دون أن يصابوا بمكروه، وعدت أدراجي إلى الغرفة المحترقة التي تسببت بحريق المنزل فأخمدت نيرانها الثائرة، وبعد أن نجحت في المهمة شعرت بالاختناق وكأني أدرك أخيراً أنني في قلب الحريق فقاومت اختناقي وخرجت أستنشق الهواء، فتفاجأت بتجمهر الناس دون أن يحركوا ساكناً، ثم وصل الدفاع المدني وكنت قد سبقتهم إلى إخماد الحريق في بداياته، وبعدما قاموا بواجبهم، ذهبت أنا للمستشفى للعلاج من حروق أصابت يدي ووجهي، وجروح أخرى في يدي.
وبعد يومين اتصل بي الدفاع المدني وطلبوا حضوري، ولما قابلتهم منحوني شهادة شكر وتقدير وشكروني بحرارة.
ويضيف فيصل الشمري مناشداً:
أنا لم أقم بما قمت به من أجل شيء، ويعلم الله أنني قمت بذلك بدافع حماس تتطلبه مثل هذه المواقف التي جُبل أبناء الوطن على القيام بما هو أكبر منها، ولكني ناشدت الدفاع المدني بأن يستغلوا تطوع كثير من الشباب وفدائيتهم بتوظيفهم في الإدارة. أنا مثلاً عمري الآن 25 سنة ولم أحصل على وظيفة تناسبني رغم البحث منذ أربع سنوات، بل بحثت في دول الخليج هي الأخرى ولم أعثر على عمل، وأسرتي كبيرة العدد وتحتاج إلى مرتبي من أجل حياة كريمة.
ويختم فيصل وكله حسرة قائلاً:
لم أندم على فعل الخير أبداً في حياتي فما عند الله لا يضيع، ولقد تعاطف معي الدفاع المدني وقالوا لي لا نملك إلا هذه الشهادة، فأخذت الشهادة ونظرت إليها وقلت في نفسي:
ماذا تفعل هذه الشهادة غير الجلوس بقرب شهادات كثيرة حصلت عليها في رحلتي الطويلة للبحث عن وظيفة.