يظل هاجس السكن الهم المشترك المؤرق للشريحة العظمى من المواطنين، وتظل كل الحلول المطروحة تغرد خارج جذر المشكلة، المشكلة الآن تتمثل في الارتفاع المهول لقيمة الأرض لاسيما في المدن الرئيسة، والأمر الملفت للنظر أن ثمة إجماع على تضخم أسعار هذه الأراضي من الجميع، العقاريين، المحللين، كل العقلاء، بل وطائفة من المجانين! ومع ذلك لم يُحرك ساكن في هذا الملف من قبل صُنّاع القرار، وكل الحلول المطروحة تدور في فلك الإقراض ليبقى هذا المواطن المسكين رهين القرض مدى حياته، سواء كان من صندوق التنمية العقاري وتحالفه المزمع مع البنوك المحلية أو حتى نظام الرهن العقاري ولعلكم قرأتم قبل أيام تحذير مجلس الشورى في معرض دراسة نظام الرهن العقاري الذي يتم مناقشته حاليا، من استدراج المواطنين البسطاء للتوسع في القروض ما يوقعهم في ديون مستقبلية كبيرة، مؤكدين أنه ينبغي العمل على توعيتهم وترشيدهم بمخاطر التوسع في الديون، وأصبحنا بالفعل بين مطرقة غلاء الأراضي وسندان القروض مدى الحياة. إن ملفاً كهذا يجب معالجته على وجه السرعة ومراعاة مصلحة الشريحة الكبرى دون أي اعتبارٍ آخر لنعيد البسمة لهؤلاء الحزانى:
أودُّ أن أضحك للدنيا فيمنعني
أن عاقبتني على بعضِ ابتساماتي
إن ثمة سؤالٌ قائم، كيف جاوز هوامير العقار متر التراب أطراف السحاب، حتى أصبحت تكلفة شراء الأرض أعلى من تكلفة البناء ذاته، مع أن قيمتها في جميع أصقاع المعمورة لا يجاوز 30% من تكلفة البناء! فبالله عليكم أين لهؤلاء الحزانى، هؤلاء الطيبين ما يجاوز النصف مليون ريال! لشراء أرضٍ يؤوي فيها فراخه من مسغبة الإيجار وذل أرباب العقار!
أقنعونا بسر الطبخة يا هوامير العقار عله يزول عنا الانبهار، أرضٌ جرداء قاحلة (يعوي) فيها (البوكلين) شهراً كاملاً لحفر الخزان والقواعد! لم نر طبيعةً غناء ولا حدائق وارفة ولا أنهاراً جارية! فمن أين لها هذه الأسعار العالية؟!
إذن معاشر الحزانى: هذا هو السر الدفين في صناعة الهوامير والدلافين، إنه تعليب الأمتار، وبالفصيح صناعة الاحتكار، فالمسألة لا تحتاج مزيد فهلوة! شراء الأراضي وتجميدها السنوات الطوال سيما وهي كما يدندنون «الأرض لا تأكل ولا تشرب»، إنني أزعم أن تجار العقار سببٌ رئيس من أسباب البطالة بين فئات الشباب لدينا، كيف هذا؟! إن هامش الربحية الجنوني في العقار جذب أموال هؤلاء التجار، في هذه التجارة الناعمة والتي لا تحتاج موظفين ولا هامش مغامرة، الأمر الذي جعلهم يعرضون عن مجالات الاستثمار الأخرى التي تعود بالنفع على المجتمع وأهم تلك المشاريع قطاع الإنتاج، ولا شك أن هذا المجال من الاستثمار سوف يسهم بشكل كبير في توظيف الشباب وبالتالي خفض نسب البطالة.
إننا - معاشر الحزانى - لا نستدر عطف هوامير العقار، فالعطف يستدعي وجود الضمير وهؤلاء ليس لديهم ضميرٌ ظاهرٌ ولا حتى مستتر! إنما ندعو صُناع القرار إلى المسارعة في فرض ضريبة على الأراضي البيضاء علها تبيض قلوب أصحابها، وأمرٌ هكذا سيجعل رؤوس الأموال تنساب لمجالات استثمار أخرى إيجابية في الوقت الذي تنتهي فيه هذه المعضلة!