«كلنا نواكب باهتمام دعوة خادم الحرمين الشريفين لحوار الحضارات والأديان»، بهذه العبارة ابتدأ الأمير خالد الفيصل، كلمته أمام مؤتمر «فكر 9»، الذي عقد قبل أيام في بيروت؛ لنتحول من ميادين الحوار الجدلية، إلى آفاق التعاون والتنافس. بهدف تحقيق السلام بين البشر،
التطرف والإقصاء، وتفادي التصادم والعنف، والتوصل إلى قيم روحية وأدبية مشتركة، وإنقاذ البشرية من الإفلاس المعنوي الذي تعاني منه. دون خوض في المسائل المتصلة بحرية الدين، أو المعتقد والتنوع الثقافي، ودون فرض هيمنة النموذج الغربي.
إن العيش في عصر العولمة، يستدعي القضاء على أسباب الصراعات الناتجة عن التعصب والجهل، وصيانة الإنسانية من العبث، وحثها على التمسك بمبادئ القيم الإنسانية. وهذا أعظم رد على من اعتبر هذا المشروع، مشروعا سياسيا لا علاقة له بالأديان. إذ يكفي أن المشروع يعد قراءة أخلاقية بحد ذاتها، يتيح التواصل الفكري والمعرفي والثقافي بين الشعوب. وهذا ما أكدته أستاذة اللغة العربية والحضارة الإسلامية، في جامعة جنيف بسويسرا، الدكتورة فوزية العشماوي، من أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات: «أسهمت في زيادة الوجود الإسلامي على الساحة الدولية، خصوصاً في الأمم المتحدة، حيث عقد مؤتمر حوار أتباع الديانات والحضارات في نيويورك، عام 2008م، وكذلك مؤتمر جنيف عام 2009م. وقد نجح المؤتمران في إثارة انتباه المجتمع الدولي، الذي أيقن أنه في حاجة إلى المسلمين، وإلى ثقافتهم، ومساهمتهم في الحضارة الإنسانية العالمية؛ ليثروا التراث العالمي للإنسانية، مثلما فعلوا في العصر الذهبي للإسلام». فالحوار أنفع وسيلة يمكن أن نتبناها؛ لخير البشرية. وهو أداة التعارف بين الشعوب والحضارات، وبناء المجتمعات. شريطة أن يكون هذا الحوار، مبنيا على: الاحترام، والفهم المتبادل، والمساواة بين الشعوب، عملا بقول الله - تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
إن التحدي الصعب، هو نجاح النظرة الإسلامية في التأكيد على: منهج الحوار بدلا من الصراع. وتعريف غير المسلمين بسماحة الإسلام وعدله، وتصحيح الثقافة الخاطئة عن الإسلام والمسلمين. وذلك وفق ما يضمن تأثيرها، ويحقق رسالتها في القدرة على التواصل. باعتبارها أفقا جديدا للتعايش بين الحضارات، وتصحيح العلاقات البشرية المضطربة والمتضادة. ويكفي أن المتحدث باسم الخارجية البريطانية «بيري مارتسون»، قال في حديث صحفي: «إن تحديد خادم الحرمين الشريفين لهذه القضية، كقضية ذات أولوية، هو الذي أجبر الناس على إعادة النظر، والتفكير مجدداً في طبيعة الروابط، والأواصر الحضارية والثقافية، التي توحد معتقداتنا وثقافاتنا».
أدعو كل من يقرأ كلماتي هذه، إلى أن يتذكر التأكيد على: الخصوصيات العقائدية والثقافية والحضارية لكل الأديان، والتحذير من محاولات تمرير أجندات سياسية مسبقة، أو تمييع الثوابت والمسلمات الإسلامية؛ من خلال طرح تلك المسلمات والثوابت، في قوالب ومواضيع قابلة للنقاش، والتصويت عليها. ويبقى الحوار أقرب وسيلة؛ لتقريب وجهات النظر، وتوضيح المواقف.