لم يَعُد العيب رادعاً يمنع مَنْ يمتهنون السياسة من ارتكاب الموبقات والأعمال التي كان مجرد الحديث عنها.. أو اتهام السياسي بالقيام بها.. يُعتبر إساءة كبيرة.. واتهاماً لا يتحمَّله أي إنسان.. خصوصاً ممن يمتهنون العمل السياسي، إذ يُعد وصم الإنسان بالعمالة، أو العمل لصالح دولة أجنبية.. خصوصاً إذا كانت تلك الدولة لها أطماع.. أو أجندات ذات منطلقات أيديولوجية.. أو مذهبية.. ففي زمن الحياء السياسي كان ممن يُتهم بالعمالة والعمل لصالح دولة أجنبية.. أو بالتنسيق معها، وصمة عار تجعل ذلك السياسي يغضب ويرفع الدعاوى على من يتهمه بهذه التهمة المشينة، أما في زمننا هذا.. فأصبح العمل مع الدول الأجنبية والتنسيق معها ضد حكومة بلده عملاً يُفاخر به.. ويعلن بدون حياء.. ودون خوف ارتكاب العيب.
كثيرون في عالمنا العربي ممن ينتسبون للمعارضة.. لا يخفون حالتهم الحميمة مع الدوائر الاستخباراتية في واشنطن ولندن وباريس وطهران.. بل البعض منهم لا يجد حرجاً في كشف تعامله مع المنظمات الإسرائيلية.. كالذي فعله القيادي في الحِراك الجنوبي طارق الفضلي الذي قال لصحيفة «الأمناء» الأسبوعية: إننا من أجل تحقيق أهدافنا، نتواصل حتى مع إيران.. إذا لم تساعدنا الدول العربية، وإن كان النظام يستقوي علينا بأمريكا.. فنحن نستقوي على السلطة وأمريكا بإسرائيل.
والاستقواء بإسرائيل ليس تهديداً مِنْ قِبل قادة الحِراك الجنوبي في اليمن.. بل هو حقيقة يعرفها كل المثقفين والمطلعين على الأوضاع في اليمن.. فقادة الحراك الذين يسعون إلى تشطير اليمن مرة أخرى قد استعانوا بمنظمة إسرائيلية.. لوضع ملف عن أحداث 23 يوليو عام 2009 في زنجبار، وأن هذه المنظمة الإسرائيلية كما يؤكد طارق الفضلي قد ساعدت الحِراك الجنوبي في إيصال الملف إلى محكمة الجنايات الدولية في بروكسل في وقت سابق من السنة الماضية.. وقبل أيام من نهايتها، وأن المنظمة الإسرائيلية أعدت «ملفاً احترافياً» يتضمن ما وصفه ب «جرائم إبادة» بحق الجنوبيين موثقة بالصوت والصورة.
فعلاً لم يَعُد العيب وصفاً يخيف من يتعامل حتى مع الإسرائيليين.. فالعمالة والخيانة طالما أوصلتا عملاء غيرهم للحكم، فلا مانع لدى البعض أن يخوض في وحل العمالة.. والإفصاح عن ذلك في الصحف.