حصدت أسواق السلع أفضل النتائج في العام الماضي 2010 فكانت أعلى نسب الارتفاع فيها فالفضة تجاوزت مكاسبه 80% بينما حققت أغلب المنتجات البتروكيماوية ارتفاعات فاقت بمتوسطها 30% ويندرج الحديث عن ارتفاعات السلع على الذهب والنفط والمنتجات الزراعية بينما كانت أسواق العقار عالمياً تحاول تعويض الكثير مما فقدته من أسعارها التي حققت ارتفاعاتها الكبيرة في السنوات السابقة.
لكن أسواق المال كانت نسب مكاسبها متوازنة وتتماشى مع نمو أرباح الشركات حيث شكلت نسب الارتفاع مستويات جاءت جلها دون 10% بعد أن حققت مكاسبها الكبيرة في العام 2009 التي كانت سنة تعويضية للأسواق، حيث كان التصحيح للأعلى سيد الموقف بحركتها بعد أن لعبت المخاوف من آثار الأزمة المالية العالمية دوراً كبيراً في وصولها لمستويات متدنية جداً مما أسهم بلعب دور كبير في سرعة عودة الأموال لها بعد أن اطمئن المستثمرين إلى الخطوات الحكومية والعالمية لمواجهة الأزمة العالمية.
لكن وبعد أن تنقلت الأموال بين أسواق المال ثم السلع خلال العامين الماضيين فإن توجهات جديدة ستحملها السنة الحالية 2011 في قرارات المستثمرين فالتضخم الذي حدث بأسعار السلع لابد وأن يكون له نهاية فمن المستحيل أن تستمر مكاسب السلع بنفس الوتيرة التي حصدتها في العام الماضي لأسباب عديدة منها المخاوف من انفجار الفقاعة بوجه المتعاملين بتلك الأسواق وبالتالي لابد من حدوث عمليات توزان في نسب الارتفاعات أو الانخفاضات بالأسعار مع الاقتناع بضرورة استقرار الأسعار لضمان نشاط الأسواق خصوصا أننا في هذا العام سنشهد بداية خطط التقشف بمنطقة اليورو مما يعني انخفاض بمستوى الطلب على العديد من السلع يأتي ذلك بالتزامن مع توجهات الصين لكبح جماح التضخم بخلاف اقتناع كل الدول الكبرى بمخاطر حرب العملات وأنها مرحلة لا يمكن أن تطول لأن ضررها سيكون على الجميع دون استثناء بالإضافة إلى تغير العديد من العوامل التي أسهمت برفع أسعار السلع.
وهذه الاتجاهات التي تتحرك من خلالها الاقتصاديات الكبرى ستؤثر في تحركات أسعار السلع بشكل عام ويبقى أي انخفاض كبير أو ارتفاع مشابه بالنسب لأي سلعة استثناءً في تحركات أسواق السلع متأثراً بعامل يؤثر على تلك السلعة.
لكن الأموال التي تتنقل بسرعة كبيرة في الأسواق لابد من أن تغير اتجاهاتها بشكل يتناسب مع المرحلة المقبلة وتبرز عدة احتمالات، فالأسواق المالية تبدو خياراً مفضلاً لها نظراً لسعة حجمها وكذلك لظهور آثار الإنفاق المالي العالمي عليها أكثر من أي وقت مضى مما يعني تحقيق نمو بأرباح الأسواق المالية أكبر مما تحقق في العام الماضي غير أن المنطقية قد تكون بارزة بتحركات الأسواق المالية، فلن تكون هناك ارتفاعات كبيرة تفوق ما تستحقه الأسواق بل ستكون متناسبة مع النتائج المتوقعة والمتحققة مما يعني أن معرفة نسب النمو بأرباح الشركات والقطاعات وكذلك الأسواق عموماً له أهمية كبيرة في تركز توجهات السيولة المستقبلية.
وفي أسواق المنطقة والسعودية تحديداً أعطى شهر ديسمبر من العام الماضي صورة أوضح عن مستقبل السوق في العام الحالي فما تحقق في الشهر الأخير فاق مجمل ارتفاعات الأشهر الأحد عشر التي سبقته وكأن المتعاملين أصبح لديهم قناعة تامة بأن الأرباح ستكون جيدة وأن العام الحالي 2011 سيكون أفضل نمواً حيث جاء تقدير الإنفاق الحكومي المعلن بميزانية العام الحالي كبيراً جداً ومتنوعاً في توزعاته وأصبح من المؤكد أن الآثار الإيجابية ستنعكس على مجمل شركات السوق بينما تظهر الأوضاع الاقتصادية العالمية الكثير من الإيجابية للقطاعات التي ترتبط بالخارج كالبتروكيماويات وبعض شركات الصناعية المصدرة وقد أعلن عن العديد من العقود لشركات سعودية مدرجة بالسوق المالي مع دول مجاورة مما يعني عودتها للنشاط الذي تأثر سلباً بشكل كبير خلال العامين الماضيين.
الأسواق المالية تبقى هي قائد للاقتصاد لأن تحركاتها تأتي قبل ظهور التوقعات بأشهر سواء كانت سلبية أو إيجابية وما يعيشه العالم اليوم والاقتصاد السعودي حالياً يحمل العديد من الجوانب ذات الأثر الإيجابي على نشاط الشركات ومستويات الطلب على منتجاتها فالإنفاق العالمي والمحلي لابد وأن يحفز الشركات على زيادة خطوط إنتاجها وكذلك ارتفاع مستوى الاستثمارات لتأسيس مشاريع إنتاجية تتماشى مع حالة التفاؤل بارتفاع مستوى الطلب الكلي والسيولة التي كانت تحاول التحوط والمضاربة من خلال التنقل بين أسواق السلع والمال لن تستمر بنفس الوتيرة إذاً لابد من أن يكون هناك عقلانية في تحركاتها وإعطاء كل سوق حقه من هذه السيولة لكي تصبح أكثر أماناً من المخاطر المحتملة وكذلك أكثر استفادة من تحركات الأسواق فلا يمكن أن يكون هناك توازن واستقرار في أدائها إلا مع التوزيع المناسب بين كل قناة استثمارية وفق حجمها مما يعطيها فرصة للتعويض وكذلك آل تقليل من المخاطر إذا ما ظهرت أي أزمة جديدة أياً كان مصدرها أو حجمها.