بداية لا بد أن نعرف أن أسهل الطرق وأقصرها للدخول إلى عالم الكتابة الصحفية يتم عن طريق الرياضة وهذه حقيقة واقعة وملموسة. ولكن هذا لا يمنع من القول بأن هناك من دخل من هذا الباب ومن ثم أصبح من الكتاب الذين يشار إليهم بالبنان، بل أزيد على ذلك أن منهم من تبوأ مقعداً مهماً ورفيعاً في بلاط صاحبة الجلالة. ولكن يبدو أن الوضع قد اختلف الآن، فقد اختلطت الأوراق ودلف إلى هذا العالم من هبّ ودبّ فاختلط الحابل بالنابل وذلك نتيجة لكثرة الصحف أولاً وللزيادة في عدد الصفحات الرياضية ثانياً، بالإضافة إلى استصدار صحف متخصصة في هذا الشأن، فكان لا بد من تعبئة تلك الصفحات بالغث والسمين وذلك بحجة الإثارة تارة وبإطلاق حرية الرأي تارة أخرى مما نتج عنه الخروج عن النصّ في كثير من الأحيان بسبب دخول فئة من (المتعصبين) الذين ساهموا في تأجيج واحتقان الشارع الرياضي في الآونة الأخيرة. وأنا هنا لا أعمم، فهناك الكثير من الكتاب المتميزين في طرحهم العقلاني بالرغم من انتماءاتهم المختلفة وآرائهم المتباينة ولكن يظل الطرح الهادئ والمتزن هو ديدنهم وهؤلاء موجودون في غالبية صحفنا المحلية وهم الأكثرية ولله الحمد. ولكن يظل النشاز هو المحرك الرئيس لإثارة الفتنة وإذكاء روح التعصب وهم وإن كانوا قلة إلا أن تأثيرهم السلبي في الشارع الرياضي واضح ولا يمكن إغفاله ولعل ما يحصل الآن في هذا الجانب هو نتاج لما يطرحه (البعض) من تلك الفئة التي لا تريد أن تكون الرياضة مجالاً للتنافس الشريف بقدر ما تبحث عن زيادة الاحتقان وتأجيج الصراع وذلك بإيهام البعض من البسطاء بأن هناك محاباة وتسهيلا لأحد الفرق دون غيره وهذه الفئة من السهل أن تنساق خلف مثل تلك (الإيحاءات) التي يروجون لها و(الاتهامات) التي يسوقونها والتي لا وجود لها على أرض الواقع بقدر ما هي مجرد أوهام تعشش في مخيلة هؤلاء الكتاب وذلك نتيجة لإرهاصات وتراكمات سببها الإحباط والانكسارات التي توالت عبر سنوات وظلت تضغط في اللاشعور لديهم حتى أفرزت هذا الطرح الذي نسمعه ونقرأه بين فترة وأخرى.
والحقيقة أن (المتابع) والراصد لما يجري في ساحتنا الرياضية يدرك أن كل هذا التهويل والعويل لا يستند إلى حقائق بقدر ما هو مجرد كلام إنشائي مبني على (التشكيك) و(التأويل) وقلب الحقائق ولو استعرضنا أحد هؤلاء الكتاب نموذجاً وهو وإن كان يميل إلى خط الاعتدال وقليلاً ما يخرج عن النص ولكنه يطل علينا بين الفينة والأخرى ليتحفنا بشيء مما يختزله ضد النادي المدلل كما يزعمون حيث كتب بعد خروج الهلال من الآسيوية وكأن الهلال هو الممثل الوحيد متجاهلاً مشاركة نادي الشباب. يقول - لا فض فوه -: (خاصة غزالنا الأزرق الذي لم يحظ أي فريق سعودي من قبل بمثل ما حظي به من تدليل وتدليع وتسهيلات لاسترداد كرامة الكرة السعودية قاريا ودوليا ولكنه خذلنا وخذل مدلليه) انتهى كلامه. ولكنه مع الأسف لم يتحفنا بشيء من هذا الدلال والتدليع والتسهيلات المزعومة حيث انتظرنا أن يأتي بما لم تأت به الأوائل ولكنه مع الأسف توّقف بعد أن ساق الاتهامات دون أن يذكر دليلاً واحداً على الأقل ليثبت مصداقيته مع اعتقادنا الجازم بأنه لن يجد في جعبته الخاوية سوى مباراة مؤجلة مع (الاتحاد) والتي أقامت الدنيا ولم تقعدها بالإضافة لمليون ريال من رعاية الشباب تقاسمها الهلال مع شقيقه الشباب في تلك البطولة.!! أسوق هذا المثال لأنه لكاتب يصنف من ضمن التيار المعتدل من خلال ما يطرحه ولكنه لم يستطع إخفاء مشاعره في تلك المناسبة.
أما من ينشد الحقيقة، فسيجد أن التاريخ الرياضي لدينا شهد تقلبات متباينة من حيث الحضور في البطولات لبعض الأندية فلو أخذنا حقبة التسعينات الهجرية، فالتاريخ يقول بأن (الأهلي) مع (النصر) كانا فرسا رهان في النهائيات وإن كانت الغلبة دائماً ما تكون للنادي الأهلي الذي كوّن منتخبا في تلك الفترة ضمّ أفضل اللاعبين من مختلف الأندية أمثال الكبش. عبدالرزاق أبو داود. ساعد رزق. أحمد عيد. صالح عبدالكريم. عبدالله يحيى. الغراب وغيرهم من اللاعبين المميزين حيث أطلق عليه آنذاك قلعة الكؤوس ومع ذلك لم يخرج من يقول بأن هناك تسهيلات وانحيازا لكلا الفريقين في الوقت الذي كان فيه نادي الاتحاد يغط في سبات عميق بالإضافة إلى الهلال والشباب وحينما استفاقت تلك الأندية وأعادت البناء والتخطيط عادت لحصد البطولات متجاوزة الجميع خصوصاً (الهلال) الذي أصبح يغرد خارج السرب في عدد البطولات وكذلك نادي (الشباب) الذي هبط إلى الدرجة الأولى في فترات سابقة لكنه عاد بقوة ليحصد ثلاث بطولات متتالية للدوري وظل منافساً قوياً وضلعاً ثابتاً في جميع البطولات المحلية حتى الآن بالإضافة إلى الضلع الثالث في البطولات نادي الاتحاد حيث حافظت تلك الأندية الثلاثة على مكانتها وظلت تتناوب على الفوز بالبطولات. ولكن الملفت أن تلك الفئة المأزومة ظلت تلاحق الهلال في كل صغيرة وكبيرة وترمي الاتهامات جزافاً أحياناً ضد (التحكيم) وأحياناً ضد جهات أخرى مدعية بأنها تسهل الطريق للهلال للفوز بالبطولات دون التطرق لمنافسيه الحقيقيين (الاتحاد) و(الشباب) حيث لم نسمع من يتحدث عن إغفال الحكم لضربة جزاء للتعاون في مباراته مع الاتحاد في الدقائق الأخيرة من المباراة والتي كانت ستمنح التعاون التعادل على الأقل. ولم يتحدثوا عن إغفال الحكم لضربة جزاء للقادسية ضد الاتحاد في آخر دقيقة من المباراة والتي كانت من الممكن أن تعطي القادسية الفوز في تلك المباراة ولم يتحدثوا عن تسجيل الاتحاد لهدف التعادل في مباراته مع الاتفاق بعد انتهاء الوقت الأصلي للمباراة ولم يتحدثوا عن الحكم العريني في مباراة الاتحاد والفيصلي ومجاملته لأسامة المولد الذي سبق وأن أذاقهم من نفس (البوت) حيث عقدوا هدنة مؤقتة بعد الأزمة الطارئة والتراشق الإعلامي نظراً للحاجة الماسة إلى توحيد الصف خصوصاً وأن الوقت لا يسمح بالتصعيد ولا بد من نبذ الخلافات الطارئة جانباً والتفرغ لما هو أهم.
نقاط للتأمل:
في الشوط الثاني من مباراة الرائد والهلال كانت النتيجة التعادل السلبي واحتسب الحكم (العريني) ضربتي جزاء متتاليتين للرائد مع طرد مدافع الهلال. فهل يمكن لعاقل أن يأتي ويقول إن هذا الحكم يريد أن يصعب المهمة للهلال كما ردد البعض بعد مباراة النصر والتعاون التي قادها الحكم ذاته.
في مباراة التعاون والهلال تقدم الهلال بهدفين نظيفين لا تشوبهما شائبة، وفي الشوط الثاني احتسب الحكم (الكثيري) ضربتي جزاء للتعاون أجمع النقاد بعدم صحة الأولى مع الشك في صحة الثاني حيث حقق التعاون التعادل في تلك المباراة وقد انتهت المباراة دون ضجيج ولم نسمع من الطرف الهلالي أي تعليق متشنج تجاه الحكم بأنه حاول تعطيل الهلال.
في مباراة النصر والتعاون تكرر السيناريو حيث تقدم النصر بهدفين أحدهما غير صحيح وفي الشوط الثاني سجّل التعاون هدفاً صحيحاً واحتسبت له ضربة جزاء صحيحة حسب رأي بعض المحللين وانتهت المباراة بالتعادل ولكن العلامة الفارقة هو التباين في الطرح بين الحالتين، فالهلال الذي ألحق به الضرر كان حديثه هادئاً ورزينا ولم يحدث منه ما يعكر الجو العام، وفي المقابل شاهدنا ما حدث من الطرف النصراوي من فوضى عارمة. من هنا ندرك الفارق بين فريق يعرف أن ضياع نقطة أو حتى خمس نقاط أمر وارد في عالم الكرة وأن الفريق البطل لا بد أن يشق طريقه رغم ما يعترضه من صعوبات وعوائق، أما من يبحث عن النقطة ويتشبث بها ويرى بأنها هي العائق الوحيد نحو وصوله إلى منصات التتويج فلن يصل وسيتعثر في منتصف الطريق.
الكلام الأخير:
في عصر ذلك اليوم فتح الخط الساخن بين العاصمة الكاتالونية والعاصمة الخليجية، وتمت الترتيبات اللازمة لتواكب الحدث الجسيم والنبأ العظيم الذي سيهز الأوساط الرياضية حيث استعد الثلاثي مع القائد الهمام وحشدوا قواهم لذلك الخبر (القنبلة) أو كما وصفه أحد الثلاثي بكرة النار التي ستعج بالهشيم، ولكن الفرحة ماتت في مهدها حينما خرج المسؤول ورش قليلاً من الماء على كرتهم التي لم تتدحرج فخمدت فوق طاولة الحوار حيث أعمتهم بدخانها بين ابتسامات الوكيل المعتمد وقهقهة المشاهدين.
صالح المرزوقي