كنتُ قد كتبتُ في زمن مضى عن خطورة تفشي ظاهرة القبلية والمناطقية في وطن قائم أصلاً على وحدة قبائله ومناطقه في نسيج الوطن الواحد الذي لا فرق فيه بين مواطن وآخر إلا بقدر ما يقدمه لهذا الوطن الكبير من حب وتضحية وصدق انتماء. وأظن أن مركز الحوار الوطني قد وُفّق في اختيار هذين العنصرين لمناقشتهما بوصفهما محورين للحوار الذي أُقيم أخيراً في مدينة جدة، وأزعم أن الحوارات المتكررة التي يجريها المركز بين أطياف المجتمع وشرائحه المختلفة تُعدّ خطوة متقدمة لتأصيل مبدأ الحوار، والاطلاع على وجهات النظر المختلفة، غير أنني أعتقد أن هذه الحوارات رغم أهميتها لن تؤتي ثمارها إلا من خلال قرارات عليا تنفذ تلك التوصيات التي وصل إليها المتحاورون، وبغيرها يبقى الحوار الدائر لتزجية الوقت والاستئناس بالآراء المطروحة؛ فالعبرة بالنتائج وانعكاسها على الواقع المعاش؛ فقضية مهمة ك(القبلية والمناطقية) قضية تلوكها الألسن، ويتداولها الناس في مجالسهم، ولا أظن أن هناك آفة تنخر بنيان الأوطان كآفة القبلية والمناطقية والمذهبية؛ فالقبلية تنمو وتترعرع في الأوطان بينما المعيار للمواطنة الحقيقية هو الجهد المبذول للدفاع عن وحدة هذا الوطن والسعي إلى تطوره وازدهاره. وأتصور بوصفي مواطناً محباً لوطنه وقيادته أن الوقت قد حان لكبح جماح القبلية والمناطقية قبل أن يستشري داؤها، وأخشى أن يأتي الوقت إذا لم نضع حداً لذلك ويصبح لكل قبيلة قناة فضائية تنطق باسمها! ولعل من الخطأ الاعتقاد أن جذوة هذه الآفة قد خبا ضوؤها؛ فمجتمعنا كأي مجتمع حديث التحضر لم تزل نغمة القبلية والمناطقية تشده، وتثير إعجابه، ودليلي جاهز؛ فنظرة إلى منتديات القبائل الإلكترونية وطفو عبارة (أنا من القبيلة الفلانية وأفتخر) وغيرها من العبارات التي تدل على تفشي هذه الظاهرة في الجيل الجديد تكفي للاستدلال على ذلك، وأنا أعرف أن قيادة هذه البلاد العظيمة منذ عهد المؤسس رحمه الله حاربت هذه الظاهرة وساوت بين القبائل والمناطق وأذابت جميع المكونات في كيان واحد متطاول كحد السيف.
باختصار، أريد أن أقول وأنا أحد أبناء تلك القبائل إن النعرة القبلية والمناطقية آفة مدمرة لأي وطن، ولا أرى فيها إلا الشر والفُرْقة؛ لأنني أعتقد أن المواطنة الحقة ليست مجرد انتماء ورقي وهوية نبرزها عند الطلب، ولكنها انصهار كامل في بوتقة هذا الوطن العظيم، وممارسة فعلية تترجمها التضحية والبذل والعطاء من أجل أن يظل وطننا صامداً متعالياً متلاحماً أمام كل التحديات والمِحَن. حمى الله بلادنا بقيادتها وأهلها من كل سوء!