هم ثللٌ من عابري شوارع المدن، المنغمسين في أوردتها، الداخلين الخارجين من أبوابها، الساهرين يفكرون، والمصبحين يحفرون...
هواؤها يحمل أنفاسهم، وترابها يبصم خطواتهم، وماؤها تتسرب فيه بصماتهم...
أولئك المهمشون ...
تأكل النسور رؤوسهم، وتعض الزواحف أقدامهم، وتتعرى الأرض تحت جنوبهم، ويرافق الحجر بطونهم...
المهمشون...
تعتلي الأبنية بسواعدهم، وتجري الجداول بحفر أصابعهم، وتضخ الآلة بقوة زنودهم، المهمشون...
تركض دواليب الحياة وهم على الأرصفة، وتعتلي الأبنية وهم في القاع، وتجري الينابيع ولهم منها المستنقعات...
المهمشون...
أحلامهم عريضة...
آمالهم كبيرة...
داخلهم تضج الحياة..
لكنهم لا يعرفونها... إن سألتهم عنها، قالوا لك:
صباح باكر نحمل فيه معاولنا, ونستقبل الأرض...
وليل طويل تنافسنا أوجاعُنا فيه وسائدَنا...
وإن سألتهم عنها... قالوا لك:
لقمة بالكاد نتذوقها، تتقطع في أفواهنا، بصرخة طفل، ونداء واجب...
إن سألتهم وأمعنت، قالوا لك:
شربة ماء ساخنة على رصيف عرق...
المهمشون...
تنبذهم صدارة المجالس، وتؤويهم مداخلها...
هم بهار الحياة، وهم عرق العطاء...
هم طعم العمل، وهم شحوب الكدِّ المضني...
كم شُوهدوا في قصص الأفلام...؟
وكم قُرئوا في روايات القاصين...؟
وكم سُمعوا في منافي البؤساء...؟
وكم مُدت لهم أيدٍ، وأيديهم طولى عليها...
وأُشفِِق عليهم، وهم يرثون على المشفقين...؟
من هؤلاء الذين يعيشون على الهامش «سلمى» قارئة من مصر...
في رسالتها عجينة هذا المقال.
سلمى:
ستشرق لك شمس...
ستهبك في الغد نوراً آخر سلم...
ولن تغرب بك، قبل أن تكون يدك عصا, تضربين بها على دربك فينفرج...