التقى المؤرخ الأمريكي المشهور (بول كنيدي) بعدد من الصحافيين كانوا يحاورونه فيما ورد بكتابه (قيام وسقوط القوى العظمى) من تنبوءات عمن سيقود العالم في القرن الحادي والعشرين، فأجابهم إجابة تستحق التأمل العميق، قال: إن أحد الحلول لمواجهة التحدي الياباني للولايات المتحدة، هو أن تعود المرأة الأمريكية لبيتها.
وأقول:
أولاً: إنها ليست كل عودة ولا أية عودة، كما قد يسارع البعض إلى القول.
ثانياً: كما نعلم يقيناً فإنه يمكن للمرأة أن تبقى في البيت فلا يكاد يكون لها دور لأبنائها يتجاوز الدور المادي والعاطفي التقليدي.
أما المؤرخ الأمريكي (كنيدي) فيقترح عودة المرأة الأمريكية للبيت، لتقوم بنفس دور المرأة اليابانية في النظام التعليمي للأسرة.. فاليابانيات عادة ما يتوقفن عن العمل عند الزواج، ويكرسن جهودهن على مدى سنوات طويلة لمساعدة أطفالهن في المدرسة.
وأظن أنه من الصعب اتهام المؤرخ الكبير بأنه يريد أن يعود بأمريكا إلى الوراء..
وإذن فمن سمات المجتمع الياباني البارز دور المرأة الأم فيه إذا أضفنا لذلك ما يقوله (جورباتشوف) رئيس الاتحاد السوفيتي المنحل في كتابه (البيروستاريكا) أو إعادة البناء حيث قال تحت عنوان (ماذا نفعل لتعود المرأة لرسالتها النسائية البحتة) فقد تعرض للمرأة والأسرة، وسنعرض هنا لأهم ما ذكر تحت هذا العنوان مشيراً للعجز الفادح في إعطاء المرأة حقوقها الخاصة والأهم من ذلك وهو يشير لدورها أما وربة المنزل مما قد يثير الدهشة لدى أطراف عديدة حيث يذكر النص ما يلي: (ولكن طوال سنوات تاريخنا.. عجزنا أن نولي اهتماماً لحقوق المرأة الخاصة، واحتياجاتها الناشئة، كأم وربة منزل).
كما امتد العجز الذي يتحدث عنه إلى وظيفتها التعليمية التي لا غنى عنها بالنسبة للأطفال وتأملوا معنا هذه السطور، ودعوتها للمراجعة، والمفاضلة واستلاب أدوار من حساب أدوار أخرى أكثر أهمية وأثر ذلك مما يحدث للمجتمع من خسائر.
(إن المرأة إذ تعمل في مجال البحث العلمي، وفي مواقع البناء وفي الإنتاج، والخدمات، وتشارك في النشاط الاجتماعي لم يعد لديها وقت للقيام بواجباتها اليومية في المنزل، العمل المنزلي وتربية الأطفال).
وها هو الأثر في المجتمع نتيجة الابتعاد عن الدور النظري الذي فطر الله الخلق عليه.
(لقد اكتشفنا أن كثيراً من مشاكلنا في سلوك الأطفال والشباب، وفي معنوياتنا، وثقافتنا وفي الإنتاج تعود جزئياً لتدهور العلاقات الأسرية، والموقف المتراخي من المسؤوليات الأسرية).
والآن قد يكون من الأفضل أن نواصل الاستماع - ولو قليلاً- لما يقوله بول كنيدي..
(إن النجاح الاقتصادي لليابان يمثل تحدياً عويصاً للولايات المتحدة، ولسوء الحظ يبدو أن الأمريكيين غير مستعدين لمواجهته لأنهم يكرهون التغيير، وليسو على استعداد لعمل أي شيء يتطلب منهم تضحية ما).
أليست هذه قضية تستحق أن يفرد لها الذين يهتمون بشؤون التربية في بلادنا أبحاثاً ننتقي منها ما يصلح لنا من دروس وحكمة، لبناء أمتنا في المعترك العصري الذي يمثل اختباراً عصيباً لوجود الأمة بأسرها.
ويؤكد المؤرخ الأمريكي أن هناك حاجة للتغيير في عدد من المجالات (البنائية) و (الاجتماعية) و (التعليمية) و (المالية)..
ثم يمضي قائلاً: (إذا استطاعت أمريكا تحقيقها فستكون أقل قلقاً إزاء التحدي الياباني) ويضيف: (إن ما نحتاجه هو أن نتساءل: لماذا لم نحقق نفس مستويات النجاح والتحصيل الأكاديمي لأبنائنا في سن 17 عاماً مثل الذي تحققه اليابان؟).
ولماذا لا ننتج من العاملين المدربين المهرة والمهندسين والعلماء والبيولوجين مثلهم؟
ولماذا يميل نظامنا المالي إلى الاستهلاك أكثر من الادخار والاستثمار؟
لاحظوا أن ما يردده المؤرخ في مجال صعود وسقوط القوى العظمى، يتناغم مع ما ذكره التربويون في التقرير الأمريكي (أمة معرضة للخطر) الذي صدر منذ عدة سنوات وورد فيه تحت عنوان: (خطاب مفتوح للشعب الأمريكي): يخاطب المسؤولين عن الشعب الأمريكي وقادته، كما يخاطب المربين في الجامعات والمدارس والمعاهد، ويوجه نداءه إلى رجالات المال والاقتصاد والجمعيات والهيئات الأكاديمية، والمهنية والعلمية، وقد أفرد للآباء - ويشمل هذه الأمهات بكل تأكيد- كما توجه إلى الطلاب مباشرة، يدعوهم ويشرح لهم مخاطر تدني مستوى التعليم بالنسبة لهم ولأمتهم وأظن أننا في قضايانا التربوية يعنينا جميعاً أن نوجه النداء نفسه لكافة مستويات الخطاب في أمتنا، بما يستفز كافة الأطراف المعنية، وفي لغة الخطاب الإسلامي ما يساند هذه العمومية والمسؤولية التي تستعلن في المبدأ العظيم: (كلكم راع).
ثم أن حديثه يتخذ مجرى -أكرر- لا خفاء فيه أو إخفاء أو مواربة وتركيزاً فإنه يقرر:
أولا: أن اليابان تشكل تحديا عويصا لأمريكا.
ثانيا: أن (كراهية التغيير) لدى الأمريكيين عائق جسيم يعمل، فيما يبدو، لغير صالحهم.
ثالثا: أنه ليس لدى الأمة الأمريكية استعداد للتضحية.
رابعا: يؤكد - مع وجود العوائق- حاجة أمريكا للتغيير في العديد من المجالات الأساسية الخطيرة.
هنا أمة في مواجهة (أمة)..
والجهود الجذرية متطلبة وماسة، وإن كانت العلاقات بينهما - فيما يبدو للعالم على الأقل- علاقات سلام تنافسية.
ولعلنا لنلاحظ ما يجري من حوارات القوى والدور الأساسي وفيما قبل المواجهة وبعدها -استشرافا للمستقبل الممتد لعام 2020م وما بعده.
يظل الدور الأساس والمنطقي للتربية والتعليم كما أنه في بعد من الأبعاد لذلك الحوار يتواصل الحديث عن الصفات العامة والمهمة بكل تأكيد في الأمة، وفي كل أمة أذهب في التذكير بأهمية تلك الصفات، إلى اعتزاز الإسلام وحرصه على الإبقاء في صفات تميزت بها الأمة في جاهليتها، مع صقلها وتطويرها في ظل الإسلام ومن نماذج تلك الصفات:
دور المرأة أو توضيحاً، الأم مع أبنائها..
استعداد شعب أو أمة ما (للتضحية).
قدرة شعب ما على (التغيير) إن دعته (الحاجة) أو (المنافسة) أو (الأخطار النازلة) أو (الأخطار المتوقعة) أو الرؤية المستقبلية لذلك.
ولعلنا نجد في تساؤل (بول كنيدي) نيابة عن مجتمعه: لماذا لا نحقق نفس مستويات النجاح والتحصيل الأكاديمي لأبنائنا في سن 17 عاما، مثل الذي تحققه اليابان؟..
أقول: لعلنا نجد في ذلك السؤال ما يذكرنا بتساؤلات زعماء السوق الأوروبية ووصفهم لأوروبا بأنها الشخص (المريض) وحينما تساءلوا في المجال التنافسي الذي به ينظرون، فقالوا: هل بدأت أوروبا عصر الانحطاط؟
لعلنا نتذكر، مع الخط الأول، خط تشخيص العيوب وصراحتها وصرامتها- نتذكر الخط الثاني، وهم يسعون جادين لظهور (القلعة الأوروبية) في عام 1992م، أو على الأصح في أول يناير 1993م، وهو الموعد المحدد لقيام السوق الأوروبية الموحدة، وقد فعلوا.
كل هذا حتى لا تظل أوروبا - التي تعلمون ماذا تعني كل دولة منها وحدها- تتعثر في أذيال الولايات المتحدة، وذلك التنين الصاعد في جنوب شرق آسيا.
فقد أقرت وثيقة أوروبية موحدة من أجل إقامة (السوق الداخلية) بالتدريج، التي تضم منطقة بلا حدود فيما بينها، تكفل فيها حرية انتقال السلع والأشخاص والخدمات ورأس المال..
ولعلي أضيف - ولو قليلا- من خلال نشرة التربية والعلوم الصادرة في جمهورية ألمانيا الاتحادية 04-1988م) بالإشارة إلى القرار الذي اتخذه المجلس الأوروبي، بشأن إيجاد وثائق ومستندات مقارنة ومناسبة للكفايات المهنية في الدول الأوروبية الأعضاء، بينما عمدت اللجنة التنفيذية للمجموعة الأوروبية في بروكسل، على تكليف المركز الأوروبي لتشجيع التعليم المهني في برلين، بتنفيذ هذه التوصية الأوروبية المهمة. وبموجب هذا القرار المهم، تقوم كل دولة من الدول الأعضاء بتعيين ثلاثة خبراء لكل فرع من الفروع المهنية الموجودة حالياً، يشرفون على دراسة الاحتياجات العملية لكل مهنة على حدة، والعمل على مقارنتها مع الفروع المماثلة لها في الدول الأوروبية الأخرى.
والواقع أن تحديد هذه الكفايات والعريف بها يساعد القائمين على شؤون التوظيف والمستخدمين والعمال في المؤسسات الاقتصادية والصناعية، وكذلك خبراء التربية والتعليم ودوائر العمل في الدول الأوروبية المختلفة- على معرفة الإمكانيات والكفايات المتوافرة، بما يحسن فرص التشغيل في أسواق العمل الأوروبية في المستقبل. إن هذه السيولة في انتقال اليد العاملة المفكرة وأصحاب المهن، وسقوط الحدود فيما بين الدول الأوروبية ودور التربية الأوروبية في التحضير لكل ذلك -أمر يستحق المتابعة، واجتناء حكمة الدروس، فأوروبا تولد منها قوة دولية اتخذتها مكانتها البارزة في هذا القرن.
هذا مجرد نموذج للعمل على طريق القلعة الأوروبية الموحدة، ودور العاملين في مجال التربية والتعليم في ذلك، وهو دور أساسي فيها.
فهل فعلنا مثل ذلك في مجلس التعاون، قولاً، وعملاً وتطبيقاً؟ آمل ذلك.
ومواصلة للتفكير دعونا نتأمل كلمات المؤرخ الأمريكي (بول كنيدي) مؤلف كتاب (قيام وسقوط القوى العظمى) فإنه يذكر اليابان باعتبارها الدولة الوحيدة في التاريخ التي تسنى لها تحقيق نفوذها الجيوبوليتيكي من خلال الهيمنة الاقتصادية، وليس (العسكرية).
كل هذا التقدم المذهل، العاجل، المدروس إنما يشكل قوته الدافعة كل قوى الترية والتعليم الزاخرة في اليابان.
أما الفروق بين كلا النظامين الأمريكي والياباني، فهي التي تتجسد فيما شخصه (رولتي) من جامعة ستانفورد في مقولته المأثورة: إنها (الروح) (الروح) هي التي تبث الحياة في النظام التربوي.
(تلك الروح).. نراها متوهجة متألقة في اليابان.
(بينما نراها تخمد وتخبو في الولايات المتحدة).
وبطبيعة الحال.. فإن استخلاص الواجب بالنسبة لأمريكا يقضي أن توجد هذه الروح المفقودة، ولا أعتقد أن أمريكا وحدها هي المطالبة بذلك، بل كل من يهمه الدرس.
وقد يبرز هذا الصعود الهائل، ويمهد الطريق إلى الغطرسة، وإلى الخطوات التي تود أن تخرق الأرض أو تبلغ الجبال طولا- أن تبلغ اليابان ما بلغت، ولذلك ما يبرره بمنطق العصر.
ولكن انظروا إلى رئيس الوزراء الياباني يقف أمام (برلمان) بلاده ليطالب اليابان كلها (بالتواضع)، وهي التي ترشحها المحافل الدولية لتصبح أكبر مانح للمعونات الاقتصادية في العالم.
الأمر في اليابان ليس معجزة، بل إنه عمل ودأب وإفادة إلى أبعد مدى ممكن من المقومات الذاتية، ومن الإنتاج العالمي، وشق الطريق إلى الإبداع الذي يثبت أقدامه على طريق الحياة، وينتزع التقدير والاحترام من العالم كله.
أولاً: عند اليابانيين زهد في حياة الترف.
ثانياً: أن نظرة الياباني إلى العمل تختلف عن نظرة غيره الذي ينظر إلى العمل كأنه وسيلة للغنى، ولإشباع الجانب الأساسي في حياته، خارج مكان العمل كما نفعل.
أما الياباني فالعمل والحياة عنده نسيج واحد، بحيث لا تستطيع أن تعرف متى ينتهي أحدهما ويبدأ الآخر.
ومن الطبيعي أن يترتب على هذه النظرة التي تدمج الحياة بالعمل، أن تقل الحاجة إلى العطلات بصفة عامة، وقد نندهش إذا علمنا أن العطلة السنوية أسبوعان، وقلما يكملها الياباني لنهايتهما!
والياباني -فردا- قد لا يعمل بكثافة الغربي، وإن كان الناتج الجماعي لجهودهم أكبر مما يقوم به عدد مماثل من الغربيين.
إن قوة العمل اليابانية لا تعتمد على وفرة المواد الأولية أو الاحتياجات المالية، إن مصدر القوى هو: العمالة الكبيرة العدد، المحبة للعمل، والإبداع في الوسائل، والإدارة الذكية.. إنها روح الجماعة الكامنة في الشعب الياباني ولمحبة للعمل ليست مجرد كلمة، ففي التطبيق يشاهد أن مديري أكثر المصانع اليابانية يوفرون للعاملين دروساً في تنسيق الأزهار، وحفلات تناول الشاي والرياضيات المختلفة.
ومعظم المصانع في اليابان تنظر للعاملين نظرة أبوية مفعمة بالعطف، فإذا غضب أحد العمال سارع الجميع إلى إرضائه وإسعاده.
وإن قدر الطاقة الذي ينتجه مائة مليون يابانيا يقاس بالطريقة الحسابية العادية التي نحصل عليها بضرب نشاط الفرد في مائة مليون، ذلك لأن الرقم يتزايد ليصل إلى بلايين، كأنه انفجار ذري، يتخطى حدود العمليات الحسابية المعتادة أليس هذا حصاد التربية؟؟
وأظن أن من الواجب أن نركز على بعض ملامح التربية اليابانية، التي أنجزت ما نشهده ونوجزها فيما يلي:
1 - الزهد في حياة الترف.
2 - النظرة التي تدمج طواعية محبة العمل بالحياة، وليس هذا بالأمر الهين لمن يتأمل!!
3 - روح الجماعة الكامنة المستقرة في الأفراد، التي تدفعهم للتعاطف والأبوة داخل وحدات العمل.
أظن أن غرس مثل هذه الأصول، والمسؤول عن السهر عليها ورعايتها وحمايتها وتأكيد السلوك طبقا لها- هو عمل التربية.
أليس هذا هو التحدي المطروح علينا كأمة؟ بل إنه الاستفزاز العميق، يدفع كل فرد منا لمراجعة نفسه، وما يقدمه في مجال التربية لنفسه ومن حوله، إنه استفزاز شخصي، أحسبه موجها لكل فرد في أمتنا على حده.
تكمن فيه دعوة كل فرد لنفسه - قبل أن يكون للآخرين- ليقدم كشف حساب ذاتي، يسأل نفسه عن عمره فيم يفنيه؟ وعن ماله فيم ينفقه؟ وعن علمه كيف يوجهه؟ وعن جاهه كيف يستخدمه؟
إن هذا الاستفزاز إضافة إلى أنه شخصي، فهو عصري أيضاً، فالمجتمعات الآن صارت شفافة، فما يحدث في اليابان اليوم، أو يقع في أمريكا أو روسيا غدا، نجده متاحاً بعد ساعات قليلة من وقوعه أمامك، ويمكن لذلك - إذا أردنا- أن يشكل مشغلة حية عميقة في عقولنا ووجداننا.
ففي العصور الغابرة كان يمكن الجوال في أعماق آسيا أو أحراش أفريقيا، أو في مجاهل الأمازون، أن ينعم بمعيشته أو جهالته، راعيا أو صائداً أو زارعاً، وأن يرضى بما قسم له مع أسرته وفي ظل قبيلته، بعاداتها وتقاليدها وأعرافها..
إذا رشد أو ضل ففي ظل جماعته، يعاني أو ينعم دون مكابدة أو توتر كثير لماذا؟
لأن العمل دائب، والحياة تكاد تخلو من المقارنة.
ومثل هذا الجوال هائم ما بين الكهف والغابة والجبل والسهل والوحش يعينه على كل تلك الشدائد قبيلته.
وقبيلته تلك قد تستبد به حينا، وقد يستهين بها حيناً آخر، ويكاد يحمل (حريته) و (رزقه) و (كرامته) على أطراف قدميه وحوافر دابته، فإن عز عليه المقام في أرض، حمل أدواته وسلاحه على عاتقه ولحق به خاصة أهله..
وقد تفعل ذلك قبيلة وقبائل وشعوب، قرأنا عن هجراتها في التاريخ.. يضربون في أرض الله الواسعة، متى شاؤوا، إن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.
هذه النعمة البدائية، نعمة السكون والرضى، انقلبت في عصرنا الحاضر (نقمة)..
فالمتخلف، فرداً أو قبيلة أو شعباً، عن ركب الحياة المتغيرة المتقدمة، يشعر بدقات خطوها الخطرة في كل لحظة، فإذا أعرض من أعرض عن المشاركة في القلق والبحث والمحاولة، طاردته قوى المرئي والمسموع في قعر داره، التلفاز والمذياع عن اليمين وعن الشمال قعيد.
هذا هو الاستفزاز.. ففي كل يوم ترى نفسك مكرها كنت أم راضيا، تقارن بين ما أنت وأمتك فيه، وبين الأفراد والأمم الأخرى.. تمر أمام ناظريك أشرطة وأشرطة من الفواجع والمسرات، الحروب والسلام، المخدرات والمجاعات.
العالم اليوم أصبح شفافا يرى باطنه من خارجه، وبواعث التفكير والعمل من خارجه، وبواعث التفكير والعمل لا حد لها والعبرة واجبة بمن يهلك أو يصير تابعاً، وهي لا تنفك ماثلة في كل آن ومكان.
فمن أعرض عن التفكير والتأمل والعمل هلك.. وإنما يهلك بذلك من يهلك عن بينه!!
وأحسب أن كل معلم في هذه الأمة، يستطيع من موقعه، وباتقانه وجهده وجهاده، أن يستخرج أفضل ما في الأجيال الجديدة، من صفات (الشجاعة) و (الصدق) و(الإتقان) و (الصبر).. والمنافسة مع الأمم الأخرى.
بل أحسب أن كل فرد من هذه الأمة، يمكن أن يكون معلماً في موقعه، بتطوير أدائه وبالتفتيش الواعي المستمر عن كل ما يمكن أن يعالج شؤون أمته، ويدفعها للأمام.
والله سبحانه وتعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل..