تتجدد المواقف الطريفة للمأذون الشرعي دائماً، وقد مرت بي وبعض مأذوني الأنكحة مواقف طريفة وأخرى محرجة، ولعلي أذكر للقارئ الكريم طرفاً منها:
حضرت في منزل من المنازل لكي أعقد القران، وطلبتُ من والد الزوجة أن يحضر السجل المدني الخاص بالعائلة وورقة التوافق الصحي للزوجين، فذهب الولي كي يحضر ما طلبتُ منه، وبعد مدة قصيرة رجع ومعه السجل المدني (دفتر العائلة)، وورقة في يده، فأخذت ما معه من الأوراق، وقمتُ بتسجيل معلومات دفتر العائلة، وبعد ذلك فتحتُ ورقة أظنها ورقة التوافق الطبي، ، فوجدتُ فيها معلومات لا تتعلق بالزوجين أبداً، منها: (الدفرنس، الشاص، الأذرعة، المساعدات، علبة الدركسون، الفرامل...) وغيرها من المصطلحات التي لا تتعلق بالإنسان بأي حال من الأحوال، فقلت: هل من المعقول أن رجلاً له (دفرنس) أو شاص، أو هل يوجد في النساء (علبة دركسون)، أو مساعدات؟
ولما رأى والد الزوجة علامات التعجب على وجهي! سألني وقال: عسى هناك توافق بين الزوجين.
فقلتُ له: الحمد لله التوافق بين الزوجين كبير، هذه الأوراق تخص سيارتك (الكابرس)، وما تخص الزوجين، فقام من المجلس وأحضر الأوراق الخاصة بالتوافق الطبي الخاص للزوجين واعتذر.
إن الفحص الطبي من الإجراءات الضرورية التي لابدّ من توفرها قبل إجراء عقد النكاح، وينبغي أن يلتزم الزوجان بالفحص الطبي وذلك لتلافي وجود أمراض وراثية في الأبناء أو أمراض معدية، وتشكر وزارة العدل على حرصها على وجود التوافق الطبي بين الزوجين.
من المواقف التي حدثت في أثناء عقود الأنكحة: حضرت لإجراء عقد نكاح لإحدى الأسر، ولما وصلتُ إلى منزل أهل الزوجة، ودخلتُ إلى المجلس وجدتُ مجموعة من الشباب فسلمتُ عليهم وجلستُ في مكان مناسب في المجلس، ووجدتُ أنّ وليّ الزوجة وأشقاءها والزوج ووالده في حديث ساخن عن مباراة كرة قدم ستقام بعد صلاة العشاء، وكانوا يتحدثون بحماس عن المباراة وعن التوقعات لنتيجة المباراة، وكان والد الزوج يتحدث عن أهمية إحضار حكم أجنبي لإدارة المباراة، وطال بهم الحديث وقتاً طويلاً، فحاولت إفهام والد الزوجة أن لدي ارتباطا وأرغب في الذهاب لموعدي، فاعتذر عن التأخير وأذن لي بإجراء العقد وتم العقد، وأخذتُ توقيع الزوج والولي والشهود وبصمة الزوجة، وبعد ذلك قلتُ لهم: الآن خذوا راحتكم في الحديث.
إن عقد النكاح من العقود الشرعية التي يجب على المسلم أن يحترمها وألا ينشغل عنه بأمور لا تتعلق بها، وإذا انتهى العقد للإنسان له أن يتحدث في الأمور المباحة الأخرى.
ومن المواقف التي حدثت في أثناء عقود الأنكحة: أن شخصاً اتصل بي وطلب مني الحضور لعقد نكاحه، فحددتُ معه موعداً ولما جاء الموعدُ ذهبتُ إلى منزلهم، ولما وصلتُ إلى الموقع وطرقتُ الباب خرج رجل شاب قد لبس لباساً من لباس أهل الشام القدامى مثل لباس (غوار الطوشي)، فأصابتني الدهشة وقلت بيني وبين نفسي (هذي آخر التقليعات)، فقال لي: تفضل يا شيخ، فقلت بيني وبين نفسي (تضرب على هلبس)، ولما دخلتُ المنزل استقبلني شاب آخر في المجلس يشبه في لبسه لباس (أبو عنتر)، ولما جلستُ توقعتُ وجود (بدري بيك أو كلبشة)، وحسني البرزان، وياسين، وظننتُ أن العروس (فطوم حيص بيص)!!، وأمّا العريس (عريس الغفلة) فكان لباسه عادياً ولم يكن مستغرباً (زي سعودي)، ولما تحققت من إثبات الشخصية وجدتُ أن جميع الجنسيات سعودية، ووجدت أن ورقة من الأوراق ناقصة ولا يتم العقد إلا بتوفرها، وأخبر ولي المرأة بتعذر وجودها في هذا اليوم، فاعتذرت عن إجراء العقد وقلتُ لهم لابد من إحضارها، وخرجتُ من منزلهم، وكنت أكثر وأرددُ من قول الله تعالى: {فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (64) سورة يوسف. ولله الحمد أنني خرجتُ سالماً من هذا الموقف، حيث توقعت أن من في البيت غير طبيعيين..
إن بعض الأسر لا تحافظ على التقاليد المعروفة في البلد وبالتحديد في قضية اللباس وذلك بتقليد لباس دول أخرى أو تقليد بعض المجتمعات في بعض العادات الخاصة بهم والتي لا تمتُ بأي صلة للمجتمع السعودي المحافظ، ولا شك أن هذا من نقص العقل.
ومن المواقف التي سجلها أحد مأذوني الأنكحة القدامى: أنه بعد حضوره في مجلس العقد أراد أخذ إقرار الزوجة بالموافقة على الزواج وسألها هل أنتي موافقة على الزواج فمنعها الحياء من الإجابة وحاول المأذون مرة أخرى أخذ الإجابة منها لكنها سكتت ولم تتكلم، فأخذ المأذون دفتر الضبط الخاص بالنكاح، وقال لوالد الزوجة الذي يظهر لي أن ابنتك لا ترغب في الزواج ولما أراد الخروج من المنزل نادته البنت وقال له: تعال وين رايح خلاص تعال والله موافقة فعاد المأذون وأتم عقد القران.
إن من عادة الفتاة الحياء وقد لا تستطيع إبداء رأيها، وهذا الأمر ينبغي ألا يجعل حجة للمأذون بعدم أخذ رأي وإقرار الزوجات في الموافقة.
ومن المواقف: تواجد أحد مأذوني الأنكحة في منزل من المنازل وذلك بعد عودته من قبل ولي أحد الفتيات وذلك للقيام بإجراء عقد نكاح كريمته على رجل من الناس، ولما أراد المأذون إجراء عقد النكاح سأل عن الشروط ومقدار المهر، فقال العريس: سجل أربعين من المجاهيم!! فتعجب المأذون من هذه التسمية للمهر، فقال للعريس: سم صداقاً غير المجاهيم، فقال الزوج: سجل أربعين جنيه ذهب، فاقتنع المأذون بأربعين جنيه ذهب وقيدها في سجل الأنكحة.
إن الذي ينبغي إدراكه أن المهر ينبغي أن يكون واضح المقدار لكي لا يكون هناك مشاكل بين الزوج والولي، وأن يكون مما تعارف الناس عليه، وأن يكون من العملة التي يعرفها الناس وينبغي كذلك أن يكون القدر المعقول وألا يبالغ فيه.
ومن المواقف التي حدثت من مأذون شرعي: أخبرني أحد الشباب أنه ذهب إلى أحد وسطاء الزواج، وهو مأذون شرعي، وطلب منه أن يبحث له عن بنت حلال، فقال له المأذون الشرعي: هل تدخن يا فلان، فقال الرجل: لا أدخن يا شيخ، فقال له المأذون الوسيط: افتح فمك لأرى أسنانك، فمن خلال نظرتي على أسنانك يتبين لي هل أنت مدخن أو غير مدخن، فقلتُ لصاحبنا: لعل الرجل يريد أن يتأكد منك هل أنت جذ؟ أو ثني؟ أو رباع؟ أو سديس؟ فقال لي صاحبي ممازحاً: لعله أراد ذلك.
يشكر وسطاء الزواج المخلصين الذين يجتهدون في البحث للفتيات عن أزواج، وهم مطالبون بتحري الدقة في عملهم لأنهم مؤتمنون في التوسط، حيث إن الأولياء يثقون في اختيارهم.
ومن المواقف: ذهب أحد المأذونين لأحد البيوت لإجراء عقد نكاح أحد الشباب، ولما دخل المأذون منزل أهل الزوجة، وجلس في المجلس، ولما طلب الإثباتات الشخصية وقام بسؤال والد الزوجة عن الشروط المتفق عليها، فقام الولي بذكر الشروط، ثم سأل العريس عن موافقته على الشروط، فأجاب العريس إجابة جعلت المأذون في حيرة من أمره، وقام المأذون بسؤال العريس عن مقدار المهر فأجابه إجابة الواثق - بارك الله فيه (واقرأ الإجابة) -قائلاً-: (أي مهر الله يرحم والدينك، لازم أدفع مهر!!! وين التعاون يا إخواني في الله).. انتهى كلامه (لا فض فوه)، فتيقن المأذون أن العريس قد شرب من الكأس التي شرب منها طرفة بن العبد القائل:
فمنهنّ سبق العاذلات بشربةٍ
كميتٍ كلما تعلُ بالماء تُزبدِ
أو من الكأس التي تغنى وافتتح بها نزار قباني قصيدته الدمشقية:
هذي دمشق وهذي الكأس والراحُ
إنِّي أُحب وبعض الحُبِ ذباحُ
أو من الكأس التي ذكرها الشاعر:
دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراءُ
وداوني بالتي كانت هي الداءُ
إن الذي ينبغي على ولي المرأة أن يتحرى الدقة في السؤال عن المتقدم لوليته لأنه أمانة عنده، وإذا فرط في التحري وزوج ابنته على رجل سوء فإنه يأثم على تفريطه.