Saturday  08/01/2011/2011 Issue 13981

السبت 04 صفر 1432  العدد  13981

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

      

هذا ليس عنوانًا للمقال، ولا يحق لي أن أضعه عنوانًا، فالأمر حقيقي وسيحدث «الطرد» اليوم السبت ما لم تكن «أُم يوسف» قد تدبرتْ أمرها؛ وحتى ساعة كتابة هذا المقال لم يردني منها ما يُفيد أنها قد تدبرتْ 14 ألف ريال قيمة إيجار شقتها، التي تسكنها ومعها ثمانية من أبنائها، الذين يضمّون ابنة مطلقة، وشابًا عاطلاً عن العمل، وأطفالًا لا يعرفون للمدارس طريق!!

«أُم يوسف» هذه المرأة السعودية التي صعقني القدر بمعرفتها في ندوةٍ عُقدتْ قبل خمسة أيام عن (الفقر في السعودية)، «أٌم يوسف» التي جاءتْ كسفيرةٍ للأحزان والمآسي السوداء إلى ندوةٍ طوباوية ضمّت مهتمين ومختصّين في الشأن الاجتماعي والاقتصادي، جاءتْ فقلبت الطاولة على رؤوسنا جميعًا بحكايتها المكتوبة بدموعٍ بدأتْ تنهمرُ منذ أكثر من أربعة عشر عامًا، جاءتْ لتخبرنا أن موعد طردها من شقتها المستأجرة بعد خمسة أيام فقط، واليوم السبت هو موعد الطرد!!

يا «أُم يوسف» لقد كنّا قبل دقائق من قدومك نتحدث عن استغراق كلٍ من وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الاقتصاد والتخطيط لنحو خمس سنواتٍ لتعريف الفقر وتحديد خطوطه لدينا؛ بين ما هو فقرٌ نسبي، وما هو فقرٌ مطلق، وما هو فقرٌ مدقع، عبر رحلةٍ طويلة لإعداد وإنجاز تلك الجهات بدأت من نقطة إعداد (الإستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر)، انتهى المطاف بها أخيرًا بعد تلك السنوات إلى أن خرجتْ إلينا بمسمّى (الإستراتيجية الوطنية للإنماء الاجتماعي)!

تُرى كم في تقديراتنا الإحصائية احتمال أن نكتشف غير «أُم يوسف» وأبنائها على تلك الحال، أو أسوأ أو أقل سوءًا من وضعها؟! وما يا تُرى سيكون عليه المستقبل الذي ينتظرها وغيرها ممن عسرتْ بهم الحال؟ وما نوع هذا المستقبل القادم الذي نتطلع إليه جميعًا وفي جعبته الآن مثل هذه القضايا المعقّدة، والتحديات الجسيمة، ذات الوزن الثقيل جدًا؟!

خرجتُ من تلك الندوة حول (الفقر في السعودية) وفي طريق العودة للمنزل؛ اكتشفتُ أن تشخيصاتنا ونقاشتنا البيزنطية حينها وحلولنا المقترحة في نهايتها كانت هي أيضًا بدورها فقيرة، وأنها ستموت قبل أن تخرج من الطاولة التي ناقش أطرافها عليها هذه القضية، لم يقطع وقْع صدمة هذا الاكتشاف إلا شريط ذكرياتٍ ليست قديمة حضرتْ في مخيلتي؛ استدعتْ فواجعها من كل حدبٍ وصوب صوتُ «أُم يوسف» الذي لا يزال يزمجر قهره وحزنه في مسمعي إلى الآن، لقد استدعى قصّة ذلك الشيخ الجليل المتقاعد ومعه زوجته وابنتاه في أحد أسواق مدينة الرياض قبل عدة أيام من أحد أعياد الأضحى المبارك، الذي اقترب مني هامسًا طالبًا إيصال حالته وغيره لأهل الأمر؛ وألا أكثر من الخمسين ريالاً التي في جيبه ستتحمّل مصاريف احتفاله بالعيد هو والثلاث نسوةٍ خلفه، ليختفي بعدها في زحام الناس.

صوت «أُم يوسف» الذي استدعى صوت وقصة إحداهنَّ؛ تلك الأرملة في مدينة الدمام التي جاء صوتها مهزومًا منكسرًا عبر اتصالٍ هاتفي تطلبُ فيه مدَّ يد العون لها وأبنيها اليتيمين، وإعلام أهل الخير بحالها ممن اعتقدت أنني أعرفهم بحكم دائرة الإعلام، أي صوتٍ هذا وأيُّ حكايةٍ هذه «أُم يوسف» مما استدعى تلك المآسي والقصص التي وردتْ إلى بريدي الإلكتروني ولا تزال؟!

أخيرًا أتساءل: هل تحقق فعلاً ما وعدّ به معالي الأستاذ خالد القصيبي وزير الاقتصاد والتخطيط بتأكيده أن عام 2009 كان هو الموعد الزمني المقرر للقضاء على الفقر المدقع في السعودية؟!

(*) عضو جمعية الاقتصاد السعوديةwww.abdulhamid.net

 

ماذا بعد
موعد طرد «أم يوسف»!
عبد الحميد العمري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة