|
الجزيرة - الرياض :
تحت هذا العنوان، وبترشيح من مجلس إدارة الجمعية السعودية للدراسات الأثرية بالمملكة، استضافت الجمعية رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك ليلقي محاضرة، ويتحدث لمجموعة من العلماء والباحثين والإعلاميين وصنّاع السياحة وأصحاب المتاحف والمجموعات الخاصة، وإلقاء الضوء على دور الصحافة في دعم السياحة والآثار وآلية تفعيله وتطوير أدائه.
جاء ذلك بمناسبة عقد الملتقى السنوي للجمعية برعاية سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز. وفيما يلي نص المحاضرة التي ألقاها رئيس التحرير في مركز الملك فهد الثقافي.
كأن من اختار لي الحديث عن (دور الصحافة في دعم قطاع السياحة والآثار) موضوعا أو عنوانا للنقاش، كأني به يريد أن يسألني - باحتجاج مهذب وواقعي - ماذا قدمت الصحافة المحلية من أعمال جليلة لخدمة السياحة والآثار في المملكة؛ باعتبار أن ذلك يدخل ضمن منظومة الأعمال التي تشكل رسالتها، وبالتفاصيل فقد يكون الاستفسار في محله بالتساؤل عن الإضاءات والخدمات التي قدمتها الصحافة للسياحة والآثار من خلال المتابعة الصحفية اللصيقة بكل إنجاز تحقق في هذا الميدان، فضلا عن المبادرات التي ساهمت بها في خدمة السياحة والآثار في المملكة تحديدا.
عنوان الموضوع - مدار الحديث - شيق ومثير للجدل, ويحمل دلالات كثيرة بين مفهومنا للمسؤوليات الصحفية نحو هذا القطاع، ورأينا سلبا أو إيجابا نحو ما تقدمه الصحافة من مشاركات في تنمية السياحة والآثار، وبخاصة ونحن في مرحلة بدأ يتشكل فيها الوعي نحو أهمية ذلك بعد قيام الهيئة العامة للسياحة والآثار، وما صاحب قيامها من إنجازات يمكن أن ينظر إليها على أنها خطوات تسير في الطريق الصحيح.
من حيث المبدأ فإن من واجبات ومسؤوليات الصحافة أن تواكب هذا التوجه بتسريع نشر ثقافة السياحة والآثار التي ظلت لسنوات طويلة صفرا في سلم الأولويات، وبخاصة أن هناك من شكك ولا يزال يشكك بنجاح أي جهد يبذل لخدمة وتطوير السياحة والآثار، حتى بعد صدور تنظيم لها تحت مظلة الهيئة العامة للسياحة والآثار، بل إن هناك من يراهن إلى اليوم على مثل هذا الفشل معتمدا في رؤاه على مواقف ومشاهد يستمدها من تقويضنا وبشكل غير مبرر للكثير من المعالم الأثرية المهمة في بلادنا، وكذلك من المفهوم الخاطئ وسوء الفهم الذي ساد مجتمعنا نحوها متمثلا بالموقف غير الواقعي اعتمادا على نصوص دينية تم استحضارها لإفشال الداعين إلى العناية بها منذ أزمنة طويلة.
هذا يقودنا بالتأكيد إلى القول بأن حضور الصحافة في هذا المشهد يمكن لنا أن نوضحه على أنه تراوح بين التشجيع لكل مبادرة تنادي بحماية الآثار والاهتمام بها، بما في ذلك الدعوة لتذليل كل المعوقات التي تحول دون اعتبار السياحة ضمن العناصر المهمة في الترفيه والقيمة الاقتصادية، وبين التراخي في تناولها لهذا الموضوع بالتحليل والدراسة والمتابعة والنقد الهادف،وذلك ووفقا لرؤية كل صحيفة في تعاملها مع السياحة والآثار.
ولأن الموضوع الذي نتحدث عنه سوف يدور في إطار الآثار والسياحة، وهناك - كما تعرفون - تزاوج كبير بينهما، بحكم اهتمام السائح بالمواقع الأثرية، فضلا عن أن هذين القطاعين ينضويان من حيث إدارتهما والإشراف عليهما وتمويل متطلباتهما تحت مظلة الهيئة العامة للسياحة، فإن حديثي سوف يركز على دور صحيفة الجزيرة -تحديدا - في بعض ما أتذكره من مسانداتها للسياحة والآثار، حيث يمكنني القول بأن عملا صحفيا وإن بدا أحيانا متواضعا نسبة إلى ما ينبغي أن تقدمه من عناية واهتمام ضمن المواكبة لكل ما يبذل من جهد حكومي وأهلي في هذا المجال، إلا أنه -كما أتصور- عبر ويعبر بشكل أو بآخر عن أن صحيفة الجزيرة ظلت في حضورها ومواقفها إنما تمثل مساندة ومشاركة حقيقية وصادقة، سواء بما تنشره من تحقيقات وتقارير صحيفة ومقالات لكتابها أو من خلال متابعتها بالنشر وتسليط الأضواء لكل المستجدات في حقلي السياحة والآثار.
لكن قبل أن أستعرض أمامكم على عجل وبإشارات سريعة عن شيء من إسهامات صحيفة الجزيرة التي تنسجم وتتلاقى مع عنوان هذا الموضوع، لا بد لي أولا من أن أذكركم بحجم الإنفاق المالي الكبير الذي ينفقه السعوديون بالخارج - وهو بالمناسبة بالبلايين - بحثا عن سياحة مريحة تتوافر فيها متطلباتهم التي لا يوجد ما يماثلها في المملكة بحكم أن الاهتمام بالسياحة اهتمام ناشئ وبدأ متأخرا وما زال يعاني ويواجه الكثير من المعوقات وضعف المساندة ومحاولة بعضنا إحباط جهد وعمل وفرص مشجعة، ليس لاستقطاب السعوديين والمقيمين للسياحة بالمملكة فقط، وإنما لجذب السائح غير السعودي وغير المقيم في المملكة؛ ليرى ويستمتع بما قد لا يجد مثله إلا في المملكة لو مكن من زيارتها دون تعقيدات ووفرت له وسائل الراحة، وبالأخص الخدمات أينما كانت وجهته على امتداد مساحة المملكة بمدنها وقراها.
والسياحة تتعامل الدول الكبرى معها باعتبارها صناعة تساهم ضمن مجالات أخرى كثيرة في الناتج القومي وتنويع مصادر الاقتصاد الوطني، وتحفز صاحب الصلاحية في إعطاء قطاع الخدمات ذات العلاقة بالسياحة حصتها المناسبة من ميزانية الدول وخططها الخمسية، لمنع أو الحد من التدفق النقدي الكبير الذي تستثمره الدول السياحية باستضافتها للسائح السعودي، وفي المقابل وبافتراض إمكانية التحول إلى ثقافة جديدة في هذا المجال فلا بد من العمل على خلق فرص جديدة لتشجيع السياحة في المملكة، ما يعني الاستفادة اقتصاديا من خلال ما سينفقه السائح الأجنبي فترة إقامته وتجواله بين مناطق ومدن وقرى المملكة باعتبار أن هناك عوامل جذب سياحي تقوده إلى وضع المملكة ضمن برامجه السياحية.
فهل بإمكاننا وفق هذا التصور خلق بيئة سياحية داخلية تقلص أو تحد من أعداد السائحين السعوديين الذين يفضلون قضاء إجازاتهم في الخارج، وفي المقابل تكون حصة المملكة من السياحة العربية والأجنبية بأعداد أشخاصها ومردودها المالي والاقتصادي قادرة على أن تعوض ولو شيئا من الهدر المالي الكبير الذي يذهب إلى اقتصاديات الدول التي تحظى بحصة الأسد - كما يقولون - من السفريات السياحية للسعوديين، وبخاصة أن هذا الهدر المالي مرشح للصعود إلى أرقام أكبر، بينما تظل المملكة محرومة من فرص الاستفادة من السياحة الوافدة.
لا أريد أن أشغلكم بأعداد السائحين السعوديين والمليارات من الريالات التي ينفقونها على السياحة في الخارج، فهي أرقام متاحة ومعروفة لمن يريد أن يتعرف عليها، مثلما أنكم لا تجهلون الترتيب المتأخر للمملكة في سلم الدول ذات الجذب السياحي وأسباب ذلك، وما إذا كانت هناك فرص لتفعيل هذا القطاع عوضا عن الاستسلام والقول بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.
إن الإعلام السياحي بمفهومه المرتبط بعنوان هذا الموضوع غير موجود -كتخصص- في صحيفة الجزيرة ولا في بقية الصحف السعودية، وما تنشره الجزيرة من حين لآخر بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة، أو بمبادرة من الصحيفة نفسها لا تعدو أن تكون منطلقاته من إيماننا القوي بأننا أمام تحد كبير يجب أن يكون هناك هدف من الجميع للانتصار عليه، ولعل أهم الأسلحة التي تقودنا إلى الانتصار عليه استمرار تداول الحوار وتنوعه، وعقد مثل هذا اللقاء العلمي السنوي الذي تنظمه الجمعية السعودية للدراسات الأثرية، وإثراء هذا القطاع بالأفكار والمقترحات والتصورات التي تختصر المسافة الزمنية نحو بلوغ الأهداف التي تسعى إليها الهيئة العامة للسياحة والآثار والمؤسسات ذات الاهتمام بها.
وليس من قبيل الرصد للمعوقات التي تحول دون تحقيق هذه الأهداف أن نقول: إن توفير الخدمات من وسائل اتصال ونقل وسكن وتسهيل إجراءات تأشيرات الدخول إلى المملكة ووضع برامج للتسلية والترفيه والتسوق وزيارة الأماكن الأثرية هي مفاتيح لنجاح الهيئة في تحقيق أهدافها، وبدون توفير هذه المتطلبات فإن الانتقال من المربع الأول إلى الثاني فالثالث وهكذا, يصبح أشبه بالمواجهة بين جهتين غير متكافئتين، ما يعني أنه لابد من إيجاد وسائل فاعلة وصيغ أفضل لأسلوب وآليات التعاون بين الهيئة ووسائل الإعلام من جهة، وبينها وبين كل الجهات ذات الاختصاص في هذا المجال من جهة أخرى.
ولأن هناك ارتباطا بين السياحة والمواقع الأثرية؛ باعتبار أن الآثار بكل تفاصيلها وأشكالها وأنواعها تدخل ضمن اهتمامات السائح، وتشكل في الغالب رغبة لديه في التعرف على مظاهرها ومعلومات عنها؛ باعتبارها حلقة التواصل مع القديم، وبعضها من بين أهم المصادر التي يعتمد عليها للتعرف على ثقافات الشعوب وحضارات الأمم وتاريخ الإنسان وتأثيره في إعمار الأرض التي ولد وعاش فيها، فإننا نتفهم أهمية أن تتصدر المواقع الأثرية الصفحات الأولى من الأدلة السياحية وبرامج السياح، وهو ما يعني أن أي سياحة بلا اهتمام بالآثار ووضع تسهيلات للوصول إليها هي سياحة ناقصة.
والمملكة غنية بالكثير من مواقع الآثار التي يعود تاريخ بعضها إلى سنوات موغلة في القدم، ويقدر العلماء أن بعضها يعود تاريخها إلى ملايين السنين، وبخاصة تلك التي عثر عليها في الجوف ونجران، وتلك التي يعود تاريخها إلى فترات ما قبل الإسلام. وقد تأخرت المملكة في الاهتمام والعناية بالآثار؛ حيث يمكن اعتبار قرار مجلس الوزراء في العام 1383هـ القاضي بإنشاء إدارة للآثار في وزارة المعارف البداية الحقيقية لوضع المواقع الأثرية ضمن دائرة اهتمام الدولة بهذا النوع من الثقافات؛ لتتسارع القرارات التنظيمية بعد ذلك بصدور الكثير من التنظيمات لحماية الآثار والتنقيب عنها واكتشاف ما كان مجهولا منها؛ فشكل بعد ذلك المجلس الأعلى للآثار، فوكالة وزارة الآثار، ثم الهيئة العامة للسياحة والآثار.
وفي غير نجران والجوف هناك الدرعية بمواقعها الأثرية المهمة التي اعتمدتها اليونسكو المعنية بتسجيل المواقع الأثرية، وهناك قرية الفاو التي تمثل نمطا للمدينة العربية قبل الإسلام، وفي الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة تزخر أراضيها بالكثير من الجبال والأودية والسدود والقصور التي تصنف ضمن أهم المواقع الأثرية التي كانت شاهدا على المسيرة التاريخية في هذه الأجزاء الغالية من الوطن، فضلا عن آثار مدائن صالح والآثار في تبوك والعلا ومنطقة القصيم والمنطقة الشرقية ومنطقة عسير ومنطقة الحدود الشمالية ومنطقة جازان وغيرها كثير، مما لا يسعفنا الوقت في التوسع بالكلام عنها.
وعودة إلى إسهامات (صحيفة الجزيرة) في خدمة قطاع السياحة والآثار، فمن بين ما ينبغي أن أذكره لكم أن الصحيفة استضافت سمو رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان في مقرها، وعقدت معه ندوة موسعة بحضور أسرة تحريرها، وكانت هناك أسئلة واستفسارات ومداخلات وتعليقات أجاب عنها الأمير سلطان، وتم نشرها على حلقتين بواقع صفحتين من الصحيفة في كل حلقة، بما مجموعه أربع صفحات، وفيها أعلن رئيس الهيئة بأن الدولة لا يمكن أن تنظم قطاعا اقتصاديا من خلال الرقابة وفرض العقوبات فقط، مضيفا بأن الهيئة لا تجامل في السياحة تيارا فكريا على حساب الآخر وأن الأبواب مفتوحة لمناقشة الجميع، وأكد أن المملكة تمتلك مقومات سياحية متميزة، وأن ثروات المملكة ليست نفطا فقط وإنما تاريخ وتراث وحضارة وجمال بيئي متنوع، وتساءل الأمير يومها لماذا يشق شارع في وسط ينبع التاريخية لا تمر فيه سوى سيارة واحدة، واعترف سلطان بأنه لا يمكن أن يدار قطاع سياحي سريع النمو مركزيا من مدينة الرياض، وذكر المشاركين في ندوة الجزيرة بأن من كانوا يتوجسون من السياحة بالأمس أصبحوا يطالبوننا اليوم بتنظيم المهرجانات السياحية.
ولم يكتف سلطان بن سلمان بذلك، بل قال: إن الأجهزة الحكومية لم تعرف كيف تتعامل مع السياحة، وأن رئيس بلدية اعترف بتدمير مناطق تراثية، وكانت زيارة الأمير سلطان ل(الجزيرة) فرصة ليعلن عن انتقال قطاع الآثار في المملكة لهيئة السياحة رسميا، وأنه تقدم للدولة بمشروع لتأسيس قطاع اقتصادي ضخم للحرف والصناعات التقليدية، مضيفا أن 30 % من حجم السياحة العالمية هي في مجال التراث والثقافة، مؤكدا على أن السياحة الداخلية تجاوزت العناية المركزة وأنها تعيش مرحلة النقاهة وقريبا ستشهد مرحلة المنافسة والسباق، وأنه سيتم الإعلان عن خطة الاستثمار السياحي نهاية العالم الحالي، وكان ذلك عام 2007 وهو العام الذي زار فيه سموه الجزيرة وتحدث لأسرة تحريرها.
أردت أن أشير فقط إلى أن العناوين التي اخترتها من مضامين ذلك الحوار الشامل بين الأمير سلطان وأسرة تحرير صحيفة الجزيرة كان لسببين: الأول منهما للتعرف على ما تم من إنجازات خلال الفترة الممتدة ما بين 2007 و2010 وهي المسافة الزمنية بين زيارة الأمير سلطان للجزيرة ورعايته اليوم لهذه المناسبة المهمة، والسبب الثاني رغبتي بإطلاعكم على جانب من التعاون بين الهيئة والجزيرة بأمل أن يضعكم في أجواء الخدمة التي تقدمها الجزيرة لقطاعي السياحة والآثار.
وعليّ أن أؤكد سريعا بأن ما قامت به الجزيرة من مساندة للسياحة والآثار في المملكة ما كان ليتم بهذه الصورة لولا تلك المبادرات التي قامت بها الهيئة بدعوتها للجزيرة أكثر من مرة لزيارة المواقع الأثرية والتعرف عليها وتقديم الانطباعات عنها لقرائها، وتمثل ذلك في تنظيم رحلات سياحية علمية شاركت فيها الجزيرة، بهدف تنمية الفكر السياحي لدى المستثمرين والمواطنين والوافدين، وقد شملت هذه الرحلات جولات ميدانية مهمة، وهذه بعض العناوين عن انطباعات الجزيرة لتلك الجولات كما نشرتها في حينها ومنها:
- صبيا الفل والكادي تغري السياح بجمال طبيعتها المنوع.
- قافلة السياحة والإعلام تحط رحالها فوق الغيم بين الجمال والطبيعة السياحية الخلابة.
- من سواحل جزيرة فرسان الذهبية إلى قمم جبال بني مالك الشاهقة.
- كنز ينتظر السائحين من الداخل والخارج وصوت اليامال برائحة البحر على شواطئ طولها 750 كلم.
- الجبيل الصناعية بنية تحتية تتوافق مع عشرات السنين القادمة، ومعرض أرامكو يحكي قصة النفط.
- البكيرية تفتح أبوابها للسياحة بمقصورات وآبار يزيد عمرها عن 250 سنة.
- نجران موروث تاريخي أدهش سياح الداخل والخارج.
- حضارات متعاقبة وتضاريس متنوعة ومعالم سياحية مختلفة في أراضي أكبر منتج للنفط في العالم.
- نقوش وآبار يزيد عمرها عن 25 ألف سنة تحكي قصص أقوام وتجارة تربط الجنوب بالشمال.
- بحيرة الأصفر.. خلجان خلابة ونباتات على طول 25 كيلومترا.
- مشروع الملك فيصل لحجز الرمال يعيد للأحساء حياتها الخضراء من جديد.
- في الجوف قلاع ومساجد ومدن أثرية سبقت الميلاد.
- حضارات تاريخية سادت ثم بادت في نجران وما زالت آثارها باقية إلى اليوم.
لدينا كذلك صفحة أسبوعية بعنوان (وراق الجزيرة) وهي صفحة تعنى بالتراث وبكل ما هو قديم من قيم تراثية وتاريخية وحضارية، وجاء إصدارها لاقتناعنا بأهمية خدمة المظاهر التراثية في المملكة، وهناك حضور دائم للجزيرة في كل مناسبة، ومع كل عمل يصب في دعم التوجه نحو إبراز القيمة التراثية التي تتمتع بها المملكة، ولكي أكون منصفا، فالصحف الزميلة تشارك هي الأخرى بأعمال يمكن تصنيفها على أنها تمثل حرصها على أن تكون في هذا المسار الداعم للسياحة والتراث، وما تقوم به الجزيرة والصحف الزميلة ووسائل الإعلام الأخرى من متابعة فاعلة، يظل محدودا نسبة إلى ما هو مفترض ومنتظر منها، وإن كان التناغم مع ما يتم على الأرض من إنجازات تراثية وسياحية لا يمكن أن يأخذ وضعه الطبيعي إعلاميا، ما لم تكن هناك معالجة حقيقية لكل جوانب الضعف الإعلامي في الجهات التنفيذية لهذين القطاعين.
إن دولة تحتضن الحرمين الشريفين، وتتنوع فيها التضاريس وتتميز كل منطقة فيها بمناخ مختلف، وتحيط بها البحار من الشرق والغرب، وتنتشر فيها المواقع الأثرية بشكل لافت، جديرة بأن تكون مقصدا للزوار وهدفا للسياح، ومنارة إشعاع لمن يريد أن يوثق لحضارة الإنسان الذي سكن هذه الأرض منذ أكثر من مليون سنة، غير أن التعريف بتيماء ومدائن صالح والشويحطية ودرب زبيدة، وبعض طرق الحج وسوق عكاظ والفاو وكل الكنوز الأثرية في الدرعية والجوف وسكاكا وجازان والأحساء ونجران وغيرها، إنما يتطلب الاستثمار تعليميا في مجال الآثار، لما تمثله الآثار من قيمة تاريخية وباعتبارها - ضمن عناصر أخرى - تشكل الهوية الوطنية للمواطن السعودي، وليس هناك ما هو أبلغ من المظاهر القديمة لأجدادنا الأول في ترسيخ ارتباطنا بهذه الأرض.
كما أن التراث العمراني والقرى التراثية والمدن التاريخية والأسواق الشعبية والمباني التاريخية والحِرَف والصناعات التقليدية، وكلها قد دخلت ضمن دائرة اهتمام الهيئة العامة للسياحة، لا يمكن أن تُغيِّر من الصورة الذهنية عن الآثار والتراث في المملكة دون استخدام وتوظيف وسائل الإعلام في خدمة هذا القطاع، وبخاصة أن جامعة الملك سعود تحتضن كلية للسياحة والآثار، وهناك في أبها كلية الأمير سلطان للسياحة، فضلاً عن كليات العمارة في أكثر من جامعة؛ ما يعني أن الفرصة متاحة والمقومات متوافرة الآن لإنجازٍ يتحقق على الأرض وبشكل غير مسبوق.