أريد أن أؤكد في الجزء الثاني من هذه المفارقة أنه لا قصور في الأنظمة فيما يتعلق بحماية المستهلك، لكن القصور يكمن في إجراءات حصول المستهلك على تلك الحماية.
خذ مثلاً ما ورد في «نظام الوكالات التجارية ولائحته التنفيذية» من نصوص لحماية المستهلك، فقد أوجب هذا النظام على الوكيل التجاري أن يؤمِّن بصفة دائمة قطع الغيار بأسعار معقولة، وأن يؤمِّن الصيانة اللازمة للمنتجات التي يبيعها للمستهلكين طوال مدة الوكالة وسنة بعدها بتكاليف مناسبة، وأن يضمن جودة الصنع مع مراعاة المواصفات القياسية المعتمدة في المملكة، والتي نص «نظام الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس» على معايير وضعها المتمثلة في المحافظة على السلامة والصحة العامة وحماية المستهلك وضمان المصلحة العامة. فقد ورد في المذكرة التفسيرية لهذا النظام «ونظراً لارتباط هذه المواصفات بقطاعات التجارة والصناعة والزراعة والمواصلات والكهرباء والبناء والأعمال الهندسية، فقد اقتضى الأمر إشراك أكبر عدد ممكن من المتخصصين في الوزارات والمصالح الحكومية بالإضافة إلى ممثلين عن رجال الأعمال والمستهلكين والمهنيين الذين يعنيهم الأمر في وضع هذه المواصفات ضماناً لإعدادها على أسس سليمة»، وفي موقع آخر من المذكرة التفسيرية تقرأ: «وغني عن البيان أن المواصفات القياسية تخدم المستهلك الذي ليست لديه عادة الوسائل المناسبة لاختيار جودة السلع التي يشتريها»، وأتساءل مَن منا عايش تطبيق هذه النصوص في حياته العملية؟ وحصل على قطع الغيار بأسعار معقولة وصان ما اشتراه بتكاليف مناسبة؟
نظام مكافحة الغش التجاري يزخر بالنصوص التي تجرِّم العديد من تصرفات التجار، ونظام «مزاولة مهنة الصيدلة والاتجار بالأدوية والمستحضرات الطبية» و»نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان» يحميان في نصوصهما المستهلك من أخطاء الأطباء والصيادلة.
لكن المفارقة، أن المستهلكين يعانون من مخالفات التجار والمصنعين والمهنيين لهذه النصوص، لكن معظمهم يجهل حقوقه الذي كفلته له الأنظمة، ومن يعلم عنها عزف عن الشكوى إما لأن المراجعات بشأنها تستغرق وقتاً طويلاً، أو لأن تجربته وتجربة مَن يعرف في مثل هذه الشكاوى لم توصله إلى حقه، أو تفاهة التعويض الذي يحصل عليه والذي لا يغطي خسارته المادية وما بذله من جهد وتحبيب الخشوم.
ينص «النظام الأساسي للحكم» على أنه لا عقوبة إلا بنص، ومع أن النص موجود، إلا أن العقوبة لا تكاد تطبق، لأن إيقاف العقوبة يحتاج إلى دعوى والدعوى تحتاج إلى محام متخصص، وأتعاب المحامي تفوق بكثير التعويض المتوقع، وقرار المستهلك المتضرر في النهاية هو «عوضي على الله» على الرغم من وجود لجان ذات اختصاص قضائي شكلت لتنظر في شكاوى المستهلكين، ويخضع معظمها لرقابة ديوان المظالم.
العقوبة حق عام، والادعاء نوعان مدني وجزائي، فإذا تقاعس المستهلك عن المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب التعقيد في الإجراءات، فما الذي يمنع الادعاء بالحق العام!
لقد استبشر المستهلكون خيراً بصدور تنظيم جمعية حماية المستهلك بقرار مجلس الوزراء في 12-1-1429هـ، فهل أسهم هذا التنظيم في تسهيل إجراءات حصول المستهلك على حقوقه المحمية وتعويضه عن خسائره؟ الإجابة في مفارقة قادمة بإذن الله تحت عنوان «هل نجحت جمعية حماية المستهلك في حماية حقوق المستهلكين؟».