تنازل مواطن عن (حقه الخاص!) ضد طبيبة نساء وولادة مقيمة بأحد المستوصفات الخاصة كانت قد ارتكبت خطأً طبياً فادحاً بنسيانها عنق الرحم مربوطا وعدم فكه قبل ولادة زوجته. وقد حكمت اللجنة الصحية الشرعية بأن تدفع الطبيبة مبلغ خمسة آلاف ريال (للزوج) لتبرئتها، إلا أنه تنازل أمام القاضي عن ذلك المبلغ وتلك القضية برمتها لوجه الله سبحانه وتعالى.
ويتضح من القضية أن المجني عليها الزوجة المتضررة من الآلام والمعاناة لم تستفد إطلاقا من رفع القضية! وذكرتني بقضية مشابهة حصلت لراعي غنم اشتكى زميله راعي إبل لأن بعيره تهجم على خروفه وكسر عظامه مما استدعى دفع غرامة لصاحب الغنم، بينما بقي الخروف بإعاقته ولم يستفد من تلك الغرامة ولو بحزمة برسيم طازجة!
ولست أعلم: لماذا لم تتقدم صاحبة القضية ذاتها بشكوى ضد الطبيبة برغم أنها امرأة مثلها طالما أنها هي المتضررة مما أصابها؟! ولكنه التهميش؛ حيث إن الزوج هو من قام برفع الدعوى وهو من تنازل عنها!
ولكي لا يصاب القارئ بالدهشة مثلي حينما قرأ عن رفع الزوج الدعوى بدلا من زوجته وتنازل عنها، فأقول لأن دخول المرأة للمستشفى وإجراء العملية هو من حق الزوج وقراره، فالمستشفى يلزم المرأة بحضور ولي أمرها عند إجراء عملية جراحية، ولا يمكن إجراؤها بدون موافقته وتوقيعه، حتى ولو كانت بالغة وعاقلة وراشدة. والنساء اللاتي يصلن المستشفى للولادة دون وجود ولي أمر يتعرضن للخطر حتى ولو كن بحالة حرجة، حيث حينئذ يشكك بأن الحمل كان نتيجة علاقة خارج نطاق الزواج! مما يدل على أن حقوق المرأة السعودية الأساسية في الرعاية الصحية تتعرض للخطر بسبب وضع شرط ولاية الرجل عليها في أشد حالاتها المرضية، فالمسؤولون في المستشفيات يطلبون تصريح ولي الأمر عند دخول المرأة إلى المستشفى والخروج منه، أو إجراءها عملية جراحية لها أو لأطفالها.
وبرغم أن مطالبة المستشفيات موافقة ولي الأمر لا تستند إلى أي نظام قانوني صريح، إذا كان المريض راشدا ويمكنه التوقيع على أي إجراء طبي بنفسه، كما يتوجب على المستشفى توفير الرعاية الطبية كلما احتاجها المريض؛ لكن ثمة عوامل اجتماعية كثيرة، تلعب دوراً في التضييق على المرأة والعبث بالقوانين، حيث يعمد بعض المسؤولين لمراقبة ومتابعة تطبيق هذا الإجراء بعينه وضمان عدم مخالفة المشتغلين بالمجال الصحي بالتزاماتهم الإدارية قبل الطبية والإنسانية، حيث يجبر أولئك على المطالبة بإذن ولي الأمر، حتى يمكن أن تتلقى المرأة الرعاية المطلوبة.
وهذا التعسف غير الإنساني يستوجب العمل بجدية من أجل تعريف المرأة بحقوقها المدنية في ظل وجود قانون لا يمنع علاجها ولا يلزم بإحضار موافقة ولي أمرها. فكيف تلزم المستشفيات المرأة بذلك دون سند قانوني؟! ولماذا هذا التشدد بإجراءات العناية الصحية ضد المرأة دونما أسباب منطقية وموضوعية، سوى التشكيك بشرفها أو بعقلها وإدراكها!
فإذا جاءت امرأة للولادة في المستشفى دون ولي أمر تصبح (قضية تتولاها الشرطة) وتحتاج لولي أمر يحضر إلى المستشفى، ويأمر بإخراجها. وتبقى مسجونة حتى حضور وليها. أما إذا كانت قد تعرضت للعنف منه فمن الصعب الحصول على حقها القانوني وإدانته. حيث إن ولاية الرجل المتسلطة على المرأة، تجعل من المستحيل لضحايا العنف السعي للحصول على الحماية أو التعويض القانوني. وكثير من السيدات تعرضن للعنف المتكرر وذهبت أرواحهن إلى بارئها بسبب العنف دونما تدخل من الجهات المختصة بحجة ضرورة إحضار ولي الأمر والذي يكون غالبا هو بذاته المتسبب بهذا العنف سواء كان والدها أو زوجها وأحيانا ...ابنها!