حلَّت اللحظة التي كان الكثير من السودانيين لم يكونوا يتوقعونه أن تحل، هذه اللحظة التي قد يجدها السودانيون لحظة مؤلمة، اللحظة التي قد يُسلخ جزءٌ من وطنهم ليصبح دولة جديدة، وأن يتم ذلك باختيار شركائهم في الوطن خيار الابتعاد والانسلاخ عن هذا الوطن.
والاستفتاء الذي يجري اليوم في جنوب السودان والذي كان متفقاً عليه منذ أكثر من خمسة أعوام، جاء وأبناء السودان في الشمال والجنوب قد أعدوا لهذا اليوم الذي ومع أنه سيؤدي على الأرجح إلى تقسيم الوطن الواحد إلى دولتين، إلا أنهم يتعاملون بواقعية حضارية حتى وأن أغلب أهل الشمال يرونه إجراءً قد فُرِضَ عليهم، ولكنهم راضون بما ستؤول إليه الأمور حتى وإن اختار أهل الجنوب الانفصال، وهو الأرجح. فأهل الشمال يرون أنهم ليس بمقدورهم ولا في مصلحتهم أن يجبروا أهل الجنوب على البقاء في وطن كانوا يرون أنفسهم فيه بأنهم مستعمَرون وأنهم ليس إلا مواطنين من الدرجة الثانية أو أدنى، ولهذا فإن البعض من أهل الجنوب يرون في تحقيق الانفصال استقلالاً، وأنهم يحلمون بدولة مستقلة تحقق لهم الطموح والآمال التي قضوا قرابة الخمسة عقود وهم يعملون من أجل تحقيقها، وذلك منذ اندلاع أول مواجهة مسلحة بدأت بحركة (أنانيا واحد) حتى توجت بعد تعدد المحاولات باتفاق نيفاشا الذي جاء ترجمة لتفاهم قرنق -البشير اللذين وجدا أن أفضل طريقة لاستمرار الوئام بين أهل الشمال والجنوب هو الطلاق، فجاء طلاقاً رحيماً... وليس طلاقاً بائناً، إذ هناك الكثير من أساليب العمل والتعاون بين دولتي الشمال والجنوب من أجل خير السودانيين جميعاً بشرط أن تصدق النوايا وأن لا يُسمح للآخرين بالتدخل السلبي بينهم.