المشرعون للنظام التجاري متعدد الأطراف، حاولوا قدر جهدهم أن يكون النظام متوازناً لضمان نجاحه، ولجذب أكبر عدد من الدول للانضمام تحت لوائه باعتباره نظاماً اختيارياً وليس إجباريا. فلأي دولة كامل الحرية للدخول في عضويته، ولها الانسحاب منه متى شاءت. لكن متى انضمت إلى هذا النظام، أي أصبحت عضوا في منظمة التجارة العالمية، فعليها الالتزام بمبادئه وقيمه حفاظاً على حرية التجارة وتسهيل تدفقها بين الدول الأعضاء وفق آلياتها المتوازنة، ومنها حق الدولة العضو في فرض رسوم إغراق، أو تدابير تعويضية، لحماية صناعاتها المحلية من الممارسات الضارة عن طريق تسخير قواعد اتفاق الإغراق التي لا يجيدها سوى الراسخون في علم القانون، والمتخصصون في المحاسبة.
لقد عانت دول كثيرة من فرض رسوم إغراق، حيث يبلغ متوسط تدابير مكافحته النافذة في الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية ما يقارب (800) تدبيراً في العام.
وفي دول مثل: أستراليا، الهند، البرازيل، يتراوح إجمالي التحقيقات التي تجريها سنوياً في مكافحة الإغراق مابين 24 إلى 42 حالة.
المملكة من الدول التي بدأت تعاني من فرض رسوم إغراق على بعض صادراتها من البتروكيماويات، بعدما جنت - فيما يبدو- ثمار الانضمام لعضوية المنظمة بإلغاء بعض التدابير الحكومية الأخرى من ضرائب وقيود كمية مستفيدة من مبدأ (المعاملة الوطنية)، لكن بقيت أمامها عقبة فرض رسوم الإغراق من بعض الدول التي تعتمد على الأداوت القانونية لنظام مكافحة الإغراق. وهذا الوضع يحتم رسم إستراتيجية وطنية للاستخدام الأمثل لقواعد مكافحة الإغراق لتحقيق غايتين، الأولى: فرض رسوم إغراق (قانونية) على الواردات من السلع التي تتوفر فيها هذه الصفة وتضر بالصناعة السعودية المحلية متى وجدت. والثانية: التصدي لرسوم الإغراق التي تفرضها بعض الدول على الواردات السعودية بطريقة غير قانونية.
فاتفاق مكافحة الإغراق وضع قيوداً وشروطاً على الدولة التي ترغب اللجوء إليه أهمها، وجود زيادة كبيرة في الواردات الإغراقية أو المدعومة إذا تبين أن أسعار تلك الواردات أقل من أسعار المنتجات المحلية المماثلة، وأن من نتيجة ذلك أن يلحق الضرر بالصناعة المحلية، أو أن هناك تهديد بالضرر قد يلحق بالصناعة المحلية في البلد المستورد.
ومن الشروط أيضاً، تقديم طلب من المنتجين المحليين بفرض رسوم إغراق وفقاً لبيانات ونسب تفصيلية دقيقة. وأن يتم إبلاغ حكومات الدول الأعضاء المصدرة للسلع المتهمة بالإغراق بشكوى المنتجين المحليين مؤيدة بالمستندات قبل السير بإجراءات التحقيق والتحريات، ومنح تلك الدول (أو اتحادات المصدرين المتضررين) حق تقديم الدليل الشفوي أو الكتابي لدحض ادعاءات الإغراق عن منتجاتها المستهدفة بالرسوم. وحق جميع الأطراف الاطلاع على جميع البيانات التي تستخدمها السلطات التي تجري التحقيقات والتحريات (باستثناء البيانات السرية) لكي يتسنى لهم إعداد دفاعاتهم.
إن المؤشرات تظهر أن الرسوم التي تفرضها بعض الدول على واردات المملكة من البتروكيماويات ينقصها الكثير من الإجراءات القانونية التي تجعلها باطلة عند الاحتكام لقواعد اتفاق الإغراق في منظمة التجارة العالمية. لكن مجابهة ذلك يتطلب الاستناد إلى قدر كبير من الفهم لتلك القواعد، مما يستدعي في نظرنا إنشاء وحدة متخصصة في مسائل الإغراق تكون مشاركة بين القطاع الحكومي والخاص لا تعنى فقط في مكافحة رسوم الإغراق الأجنبية، بل أيضاً يكون من مهامها مكافحة حالات الإغراق في الواردات الأجنبية للسوق السعودي متى شكل ذلك تهديداً للصناعة المحلية، وتوفرت فيه الشروط القانونية.