|
كتب - يوسف العتيق - تصوير - سعيد الأحمري - فيصل الخيال - وشاركت في التصوير مشاعل العتيبي :
على مدى يومين (الأربعاء والخميس الماضيين)، عقدت الجمعية السعودية للدراسات الأثرية لقاءها الثاني في دورتها الرابعة، وقد امتاز هذا اللقاء بنقلة نوعية للجمعية، إذ إنّ عدد المحاضرات المتفرعة عن الجلسات زادت عن العام الماضي، كما أنّ هذا اللقاء صاحبه معرض هو (الأول من نوعه) في التراث بعيون فنية يتفرّع لأكثر من عمل فني، حيث التصوير والنحت والرسم، وأميز ما يجده زائر هذا اللقاء في يوميه الأول والثاني، أنه عمل قدم للزوار والحضور بكل جوانبه بأفكار وإبداع وعمل طلاب وطالبات الآثار، وتحت إشراف معيدي كلية السياحة والآثار ومحاضريها وأعضاء مجلس وأعضاء إدارة الجمعية السعودية للدراسات الأثرية، الذين يتقدمهم الأستاذ الدكتور عبد العزيز الغزي وثلة من الشباب المبدعين المتعطِّشين لخدمة وطنهم من بوابة السياحة والآثار.
بحوث الجمعية زيادة في العدد وتميُّز في المضمون عن العام الماضي
ففي هذا العام زادت الأبحاث المقدمة عن العام الماضي، وقدمت موضوعات وأطروحات جديدة ستكون حاضرة جميعها لدى كل محبي الآثار والتراث في كتاب مطبوع سيرى النور قريباً، كما نوّه عن ذلك الدكتور الغزي رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للدراسات الأثرية، ومن هذه البحوث التي قدمت في هذا العام:
بحث للدكتور سعيد بن فايز السعيد، عميد كلية السياحة والآثار ورقة بعنوان: خمس سنوات من البحث الأثري في العلا، حيث تناول مسيرة الأعمال الآثارية في العلا (موقع دادان) لمدة خمسة أعوام، ويبيّن تاريخ البحث الميداني والأعمال المنجزة، ويستعرض نتائج تلك الأعمال مقدماً النتائج الجديدة، والإضافات التي أضافها العمل الميداني إلى ما كان يُعرف عن الموقع وحضارته في المملكة العربية السعودية في الدراسات التي سبقته.
وأما البحث الثاني فكان دراسة تحت عنوان (النفوذ السبئي والحميري في وسط وشمال شبه الجزيرة العربية) قدّمته الدكتورة سميرة بنت سعيد القحطاني، من قسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وتهدف هذه الدراسة إلى استعراض الدور الذي قامت به مملكتا سبأ وحمير في شبه الجزيرة العربية وبالتحديد في وسطها وشمالها, فكما هو معروف لدينا فإنّ سبأ تُعَدُّ من الممالك المتميزة في شبه الجزيرة العربية إنْ لم تكن أشهرها, وذلك لأنها بقيت حتى فترة قريبة من الإسلام. ولاشك أنّ هذه المملكة قد بلغت من القوة ما جعلها تسيطر على الطرق والمراكز التجارية الرئيسة في شبه الجزيرة العربية, وعلى وجه الخصوص وسط المنطقة.
وأما البحث الثالث فقد كان عن نتائج الأعمال الميدانية الحديثة في موقع الأخدود، نجران، موسمي 1430هـ - 1432هـ وقدّمه الدكتور عوض بن علي الزهراني، مدير عام المتاحف، الهيئة العامة للسياحة والآثار، قطاع الآثار والمتاحف، ويحتوي هذا البحث على استعراض لنتائج أعمال آخر موسمين نُفذا في الموقع. فجاء الحديث عن العمل الميداني من حيث المنهج والمساحة، ثم نتائج العمل شاملة الدراسة للآثار المعمارية وحالتها، والآثار المنقولة مثل النقوش الموجودة على كتل صخرية، والأواني الفخارية وقطع العملة التي تُعَدُّ من أهم مصادر التاريخ القديم، والمجامر التي يتوفر منها كمية كبيرة من موقع الأخدود، والأواني الحجرية، وأواني الحجر الصابوني، واللوحات، والمصنوعات المعدنية.
وبهذا البحث تنتهي الجلسة الأولى لتبدأ الجلسة الثانية، وتضمّن البحث الأول فيها:
«حديث عن قرية كاف الأثرية من خلال كتابات الرحالة»، قدمته الدكتورة حصة بنت عبيد الشمري، رئيسة قسم التاريخ والحضارة، كلية الآداب، جامعة الأميرة نورة، وبيّنت الدكتورة الشمري أنّ كاف قرية من أقدم قرى محافظة القريات، الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية، ويهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على آثار قرية كاف وأوصافها المختلفة من خلال دراسة وتحليل ما ورد عنها في نصوص كتب الرحالة الذين زاروها.
عقاب تبحث عن الحب في الصخر !!
وأما البحث الثاني وهو من البحوث المتميّزة للدكتورة فتحية بنت حسين عقاب من قسم التاريخ، بجامعة الملك عبدالعزيز، حيث تحدثت الدكتورة عقاب عن البوح عند المرأة من خلال النقوش القديمة، حيث بحثت في ما تفضفض به المرأة من خلال نقوشها على الصخر مثل الإعلان عن الحب، والخوف من إعلانه، والسرور والجرأة والبوح بالانتماء والإفصاح عن الرأي، وهي من المواضيع التي أثارتها النقوش الثمودية. في حين أباحت النقوش الصفوية عن البوح عن الحزن، وإعلان بلوغ الفتاة. والبوح عن سرقة تقوم بها النساء كان له صدى يندرج تحت عدم حسن السريرة، وارتكاب الخطيئة في المعبد، وارتداء اللباس الدَّنس، وعبور المعبد من غير طهارة في النقوش السبئية، أما الرسومات فكانت أكثر تعبيراً عن البوح.
فهناك نقش عُثر عليه بجبال الكوكب بنجران وفيه: سيدة تدعى خبأت أحبت شلت وأن طيبة اشتاقت إلى حميو وهذه كلها تندرج ضمن العلاقات العاطفية.
وأما الجلسة الثالثة في هذا المؤتمر، فقد جاءت فيها عدة أبحاث وكان أولها:
درب، وبرك، واستراحات، وعين زبيدة، صرح حضاري وإسلامي، للدكتور حسن حمزة حجرة، ويتضمّن خطة الإنشاء لهذا الدرب حيث استعانت زبيدة بمهندسين في شق الدرب ورسم معالم وإنشاء وتصميم البرك والاستراحات، وبجيولوجيين لتقصي منابع المياه وبنائين لإنشاء البرك والأحواض لتجميع مياه الأمطار وشق القنوات وحفر وطوي الآبار للشرب.
وفي البحث الثاني تحدث الدكتور عبد الله العمير عن أدوات الطحن الحجرية المستخدمة في المملكة العربية السعودية، لأنّ هناك العديد من الأدوات والأوعية والمستلزمات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة الإنسان ولا تكاد تنفصل عنه في حلِّه وترحاله. ولعل من أبرز هذه المستلزمات تلك المصنّعة من الأحجار، ذلك لأنها قريبة منه ومتوفّرة في الغالب في بيئته الطبيعية المحيطة، كما أنها في الوقت نفسه لا تحتاج سوى خبرة قليلة في الإعداد والتشكيل.
وفي البحث الثالث حديث عن الخيام في تصاوير المخطوطات العثمانية دراسة حضارية فنية للدكتور حسن محمد نور عبد النور، مستشار، الهيئة العامة للسياحة والآثار، قطاع الآثار والمتاحف، كون الخيام تعتبر على درجة كبيرة من الأهمية في حضارات الأمم بصفة عامة، وفي الحضارة التركية بصفة خاصة، إذ إنّ للخيمة عند الأتراك العثمانيين تقاليد مرعية موروثة من أسلافهم، فهي عندهم بمثابة البيت والحصن والمعبد والمسجد.
وفي الجلسة الرابعة تطرّق البحث الأول إلى التمائم والتعاويذ الأندلسية حيث تحدث حسام العبادي، من قسم الآثار، كلية السياحة والآثار، جامعة الملك سعود مبيناً أن التمائم والتعاويذ التي واكب ظهورها التواجد الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية، بوصفها واحدة من صور هذا التواصل بين الثقافة الإسلامية وما سبقها أو حتى ما عاصرها من ثقافات مختلفة، بدول مجاورة خضعت لها بحكم نفوذها السياسي, كثقافات شعوب البربر بالغرب الأفريقي، حيث أثرت فيها بحكم تجاورها الجغرافي، مثلما هو الحال بالممالك الأسبانية (قشتالة وليون).
وفي البحث الثاني جاء الحديث عن عملة الإحسان في العصرين المملوكي والعثماني للدكتور أحمد الصاوي، من قسم الآثار، بكلية السياحة والآثار، جامعة الملك سعود، حيث يتعرّض هذا البحث لتطوُّر القيم النقدية والقوى الشرائية لعملات الإحسان بمصر خلال العصرين المملوكي والعثماني، بما يوضح مدى توافق هذه العملات مع التضخم في أسعار السلع الغذائية، وأيضاً الارتفاع البطيء لمرتبات وأجور أرباب الوظائف.
وفي البحث الذي يليه حديث عن موقع لم يتطرّق إليه باحثو الآثار من قبل، حيث تحدث د. محمد بن ناصر أبو حبيب الشثري، عن قرية النقية، بمحافظة الأفلاج، وبيّن الشثري أنها قرية خلفت قرية الهيصمية في الأفلاج واستمر استيطانها حتى أوائل القرن الحادي عشر الهجري، عندما أغرقها السيل وهجرها أهلها إلى قرية ليلي التي تقوم بجوار مدينة ليلى الحديثة. يعتقد أنّ نشأة هذه القرية في القرن السابع الهجري.
تكريم الفائزين وتقدير المساهمين والمشاركين وجوائز مستقبلية للمبدعين
وفي ختام جلسات هذا اللقاء قدمت الجوائز للفائزين في جميع الحقول، وشهادات الشكر والتقدير للكثير من الطلاب والطالبات، وكرم كل من قدم للجمعية إسهاماً خدمها في وصولها إلى هذا التميُّز، وبخاصة أنها تخطو في السنة الثالثة من عمر مجلس إدارتها الجديد، كما كرم عضو مجلس الإدارة الدكتور عبد العزيز بن عبد الله بن لعبون، لوضعه جائزة لأفضل رسالة ماجستير في الدراسات الأثرية.
الآثار في عيون الفن ... معرضٌ جديدٌ ورؤية جديدة
يحسب للجمعية والمبدعة الدكتورة هتون الفاسي رئيسة المعرض الذي أثار الشباب للإبداع في شتى فنون الرسم والنحت والتصوير، وخرج على هامش هذا اللقاء تحت عنوان «الآثار بعيون الفن»، فخرج منه مبدعون ومبدعات لا تسمح المساحة المتاحة هنا بعرض أكثر من نموذجين من الصور، فالأول عن موقع الأخدود المذكور في القرآن الكريم، والثاني عن قصر المصمك الذي ارتبط ذكره بالموقعة المفصلية في تاريخ هذا الوطن:
من المصمك إلى السماء
تقول الأستاذة نجلاء الخليفة مشرفة القسم النسائي بالهيئة العامة للسياحة والآثار:
قصر المصمك من أهم المعالم الأثرية في مدينة الرياض، وأثناء رحلة توثيق الأماكن السياحية في مدينة الرياض مع مجموعة عدسات عربية (مخمليات الرياض)، أخذت أتأمّل المكان الذي شهد نقطة تحوُّل في تاريخ الدولة السعودية، وأبحث في جنباته عن معالم للأحداث التي دارت فيه.
وفي لحظة رفعت رأسي للأعلى ولفت انتباهي التناغم الجميل بين المكان والسماء، وأحسست لوهلة بأنّ جدران المكان تبتهل للخالق مشكِّلة لوحة روحانية جميلة، ولذا أسميتها «من المصمك إلى السماء». التقطت عدّة صور للمكان من زوايا مختلفة، وقد كانت الصورة الفائزة هي أفضل شاهد للتوفيق الإلهي الذي حصل عليه موحِّد هذا الكيان العظيم المؤسِّس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيَّب الله ثراه.
أشكر الجمعية السعودية للدراسات الأثرية لإتاحة الفرصة لي بالمشاركة في مسابقة الآثار في عيون الفن، وأعتزُّ بالفوز بالمركز الأول في هذه المسابقة التي تحمل أهمية خاصة عندي، لأني أعشق تصوير الآثار والتراث العمراني.
الأخدود آيات تتلى وواقع يشهد
تقول طالبة الماجستير بكلية السياحة والآثار غادة بنت فهد القحطاني والتي شاركت في هذا المعرض بصورة لموقع الأخدود بنجران: تم التقاط هذه الصورة في شهر يونيو من عام 2010م، في موقع الأخدود بمدينة نجران.
ويُعَد موقع الأخدود واحداً من أهم المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية, والذي يعود إلى الحقبة الهلنستية في جزيرة العرب، ويرى عدد من علماء الآثار أنّ هذا الموقع الثري هو بعينه الموقع الذي شهد حادثة الأخدود المذكورة في القرآن الكريم، والتي تعرّض فيها نصارى نجران إلى الحرق تعذيباً لهم من قِبل حاكم نجران اليهودي (ذي نواس)، وذلك لتحوُّلهم إلى النصرانية.
رأي أهل الاختصاص
ومن نماذج التصوير إلى رأي المختصين في الفن التشكيلي، حيث قال الفنان القدير - سعد العبيد: إنّ فكرة إقامة معرض تشكيلي ضمن البرنامج العام للملتقى العلمي للجمعية السعودية لدراسات الأثرية، لهذا العام 2011 م. فكرة رائدة وجدت تفاعلاً ملموساً من عدد من التشكيليين والتشكيليات من مختلف مناطق المملكة، رغم أنها التجربة الأولى، حيث تجاوزت الكثير من العوائق التي عادة ما تواجه التجارب الأول. فقد رأينا التنوُّع في الطرح والتقنيات الحديثة، كذلك التطرُّق لآثار من أرجاء الوطن نتمنى أن نرى معرضاً شاملاً في المناسبات القادمة إن شاء الله.
في محافظة الخرج جولات لآثار قبل الميلاد ووقفة مع أوقاف المؤسِّس !!
في اليوم الثاني وهو يوم الخميس كان عدد من أعضاء الجمعية السعودية للدراسات الأثرية وبعض ضيوف الجمعية، على موعد لجولة في بعض المواقع الأثرية في محافظة الخرج، ولأهمية ما دار في هذه الجولة أجده لزاماً أن يكون القارئ على اطلاع وعلم بمواقع مهمة.
أبناء الجزيرة سبقوا المصريين في بناء الأهرام وبناة الأهرام قد يكونون مهاجرين من أرضنا
بهذا المنطق يتحدث الدكتور عبد العزيز الغزي للفريق المصاحب له، حين زار جبل ابن لعبون قرب عين فرزان، حيث تكثر هناك قبور تعود إلى ما قبل الميلاد، حيث قال: تنتشر في وطننا الغالي الكثير من المدافن الركامية، ومن بينها المدافن المدرجة التي يتكون أحدها من مصاطب متتالية إلى الأعلى بما يشكل هرماً دائرياً، وهو ما يرمز إلى العلوم والارتفاع في نظرة الإنسان، وهو رمز إلى الاعتراف بالإله الأوحد، وأنّ هناك رباً للأرباب كلها، وهذه الفكرة هي ما نشاهدها في بناء الأهرامات بمصر، وبخاصة المنتشرة في جنوب مصر ذات الارتفاعات المنخفضة والتي لا تختلف عن ما يوجد في السعودية، ما عدا التمحور نحو الشكل المثلث، وهذا التشابه مع تأكيدنا بأسبقية ما يوجد في السعودية من حيث الزمن، فهذا يوحي لنا بأنّ بناة الأهرام الضخمة مهاجرون من الجزيرة العربية نقلوا معهم ثقافة تشييد المدافن المدرجة.
اليمامة القديمة
كما قام الفريق بزيارة موقع الخضرمة وهو اليمامة القديمة وهي مستوطنة اندرست تحت الرمال، وفي المواطن التي حرّكتها الآلات الحديثة تبيّنت رؤوس جدران منازلها ويظن أنها عاصمة الخرج القديمة، إذ يمتد تاريخها من الألف الثاني قبل الميلاد وحتى القرن الخامس الهجري، عندما أباد القرامطة سكانها الأخيضريين في معركة شرسة قتل بها خلق كثير.
عين السيح (الضلع)
ومن هذه الآثار القديمة كان للفريق جولة على بعض ما بقي من عيون الخرج، حيث زار فريق الرحلة عين السيح، وهي عين تقع في جذع جبال هضبة القصيعة في الخرج، وكانت مع عين سمحة المجاورة لها، وعين (أم خيسة)، يشكّلون مصدراً مهماً للماء في حضارة وادي الخرج منذ العصور القديمة وحتى وقت المؤسِّس طيّب الله ثراه، وتطل عليها مقابر من نمط المدافن الركامية الضخمة التي لا شك في أنها تتشابه إلى درجة التطابق مع مدافن سار الجسر في البحرين، ومدافن الشيخ حمد في البحرين، وهي من آثار الألف الثالث قبل الميلاد، إذ إنها تنسب إلى فترة دلمون المؤرّخة في ما بين ألفين وأربع مئة إلى ألفين قبل ميلاد المسيح عليه السلام.
ابن عفيصان يتحدث عن المؤسِّس وعريشه بالسلمية
وقد رافق فريق الرحلة في بعض محطاتها بمحافظة الخرج ولا سيما مركز السلمية، الأستاذ سلمان بن عفيصان رئيس مركز السلمية، الذي تحدث عن بعض آثار المؤسِّس في هذه المنطقة، وبعض أوقاف آل سعود، وأطلع الفريق على بعض المباني التي دلّت على تاريخ السمية العسكري في خدمة الدولة السعودية الأولى والثانية، كما تحدث عن العريش الذي كان يستظل به المؤسِّس في زيارته للسلمية ويتابع شؤون الوطن ويستقبل المواطنين فيه رحمه الله.