في إحدى دولنا العربية ضج الفنانون التشكيليون من عدم رعاية الدولة لهم؛ فانتفض وزير الثقافة وجمع الفنانين المحتجين، وقال لهم: كم ثمن الريشة التي ترسمون بها؟ وكم ثمن علبة الألوان؟ وكم سعر الورق الذي ترسمون عليه؟!
وحينما أخبروه بثمن هذه الأدوات (تفقعس) على الكرسي، وانتفش كديك الحبش، وقال: من الآن فصاعداً أيها الأحباب ستوفر لكم الدولة ثمن هذه الأدوات وتوزعها عليكم بالمجان!!
وهنا ضحك الفنانون وخرجوا وهم يسخرون من سعادة الوزير وفهمه القاصر للفن التشكيلي.
بالطبع هذا الموقف التافه يُذكّرني دائماً بوضع الفنان التشكيلي المزري في الوطن العربي، في الوقت الذي يكون فيه بمقدور الفنان الأوروبي أن يعتاش من ثمن لوحة واحدة من لوحاته(!!) ناهيك عن اقتناء الدولة لوحات عدة لأي فنان مبدع بوصفه دعماً سخياً له واحتراماً لهذا الفن الراقي، إلا في عالمنا العربي البائس؛ وذلك لأن الدولة ليست بحاجة إلى (شخابيطه) التي لا يفهمها أحد سواه!!
وأذكر في هذا الصدد أنني حضرتُ يوماً معرضاً للفنان الكويتي المبدع سامي محمد، وكان يشتمل على بعض (منحوتاته) المدهشة، وحينما أشدتُ بأعمال سامي قال لي إننا نحسدكم أيها الشعراء؛ لأنكم تجسدون أعمالكم على الورق وتطوونها في جيوبكم لتقرؤوها في كل مكان ومن ثم تنشرونها في أية صفحة ثقافية، وكان الله بالسر عليم، أما نحن النحاتين البؤساء فإننا نُحضر أحجاراً خاصة من البلدان البعيدة، ونسهر الليالي على نحتها بالأزميل، وحينما يكتمل العمل لا تجد أحداً يشتريه؛ لذلك يقبع في بيوتنا حتى تضيق المساحة بأهلنا وأطفالنا، وفوق هذا وذاك لا نجد إلا السخرية بدءاً من رجال المطار وحتى الجيران وأولاد الحارة.
بالطبع كل ما ذكرناه سابقاً في هذه المقالة جاء نتيجة ابتهاجنا الخاص بما أقدم عليه وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري وأركان وزارته الفضلاء حينما أعلنوا شراء واقتناء لوحات عدة لفنانين سعوديين أقاموا معرضهم الرائع في مدينة جدة. ومما زاد ابتهاجنا ابتهاجاً هو أن معاليه سيوزع هذه اللوحات على جميع الملحقيات الثقافية التابعة لوزارته الموقرة، وأقول الموقرة فعلاً؛ لأنها تُدار بعقول نيّرة ومنتجة بدءاً من نائبه الفاضل الدكتور علي العطية وحتى أصغر موظف في تلك الوزارة.
يبقى القول أخيراً: ماذا لو حذا كل وزير حذو دكتورنا الفاضل، واقتنى عدداً من اللوحات لفنانينا التشكيليين؟ أقول حينها سيتعرف الناس على هذا الفن الراقي، الذي يُعتبر كما يقول العامة (زينة وخزينة)، ومَنْ يشكك في ذلك فليتابع مزادات اللوحات التشكيلية في العالم، وكفى