صدر عام 2009 كتاب أمريكي باسم «وُلد ليجري» تكلّم فيه الكاتب عن مغامرته إلى المكسيك بحثاً عن قبيلة غامضة اسمها «تارا أومارا»، شاع عنهم امتلاكهم لقدرات رياضية مذهلة، مثل قدرتهم على الجري لساعات متواصلة بلا تعب. هذه القبيلة من الهنود الحمر هي من السكان الأصليين للمكسيك قبل اجتياح المستعمرين الأسبان للمكسيك، وحيث إنّ الاستعمار الأسباني في القرن السابع عشر قد أثّر على المكسيك إلى اليوم - حيث اللغة والحضارة الأسبانية هي السائدة الآن - فإنّ قبيلة ال»تارا أومارا» رفضت الاستعمار الأسباني، ولا زالت تحكي لغتها الأصلية. لا زالوا يعيشون في كهوف حفرتها الطبيعة في وديان ضيقة بعيدة عن الحضارة المدنية، يرعون الغنم ويحرثون الأرض.
ما دفع الكاتب للبحث عنهم هو ألم ركبته المستمر. أخبره طبيبه أنّ الركض الطويل يؤثر سلبياً على الركب، ولما سمع الكاتب بهذه القبيلة ذهل من المسافات الهائلة التي يقطعونها في الركض بدون أي مشاكل في مفاصلهم. انطلق الكاتب في مغامرة طويلة بحثاً عنهم، زاد من صعوبتها أنّ هذه القبيلة من طبعها الوحدة الشديدة، فهم يسكنون بعيداً وينأون عن الاختلاط بالغرباء، ويهربون باستمرار من أي لقاء معهم. بعضهم ينتقل للمدينة أحياناً ويعيش فيها، لكن هذه ليست حالات شائعة.
وصل لهم الكاتب عبر شخص يعرفهم ويثقون به، ما يثير العجب هو أنّ أجسادهم مذهلة في قوّتها الرياضية. هؤلاء القوم يركضون للمتعة. أحدهم في منتصف يومه، انتهى من أعماله في الرعي والزرع، لا شيء يصنعه، فجأة ينطلق راكضاً خلال الوديان. يركض ويركض ويركض، لمسافة 50 و100 كيلومتراً، لا يتوقف ولا يخفف سرعته! هذه ليست أساطير ولا قصص، هذه رآها الراءون ودرسها الدارسون. قارن هذا بسباقات الماراثون التي لا تزيد عادة عن 43 كيلومتراً. من طفولتهم وهم يعشقون الركض ويتلذّذون به كما نتلذّذ نحن بالاسترخاء والأكل، بل أكثر. وأعجب من هذا (بالنسبة للكاتب الأمريكي على الأقل) هو أنهم لا تؤلمهم ركبهم. لديهم مدارس أقامها بعض المتعاطفين معهم، حيث إنّ حضارتهم مهدّدة بالتوسع المدني. عندما يعود أطفالهم من مدارسهم، من ألعابهم أن يركلوا كرة للأمام ويركضون باتجاهها، يناولونها بعضهم ويستمرون في الركض، وهكذا، إلى ما شاء الله.
رأى الغربيون بعض أفراد هذه القبيلة وهو يركض لمدة 48 ساعة متواصلة بلا توقف! بعضهم رُؤي وهو يجري مسافة تعدّت 170 كيلومتراً!
لا أعرف تفسير هذه القدرات المذهلة، لكن الكاتب يشير إلى أنّ أحد أطعمتهم هو مزيج لزج غليظ من بعض النباتات التي تنمو في وديانهم، أبرزها نبتة اسمها «تشيا». لكن هذا ليس السبب الوحيد، فمن يأكل طعامهم لن يمتلك قدرة فورية على الركض لعشرات الكيلومترات، رغم أنّ هذه النبتة تمنح الآكل طاقة عالية جداً.
الشاهد هو أنّ الكاتب توصّل أخيراً إلى سبب عدم إصابتهم بألم الركبة مع الركض: أحذيتهم. منذ أن انتشرت أحذية الركض في العالم قبل قرابة 50 سنة، زادت آلام الركبة طردياً. أحذية قبيلة تارا أومارا هي من الصندل الرقيق، مما يجعل القدم تتحرك وتعمل بشكل طبيعي، عكس أحذية الجري اليوم التي تُوَسّد أسافلها بالكثير من المواد التي تخفف وقع القدم على الأرض. النصيحة التالية قرأتها كثيراً من قبل لكن كتاب «وُلد ليجري» رسّخها بعمق: أفضل طريقة للركض هي الجري حافياً. هذه هي الطريقة الطبيعية. هكذا خُلقِت الرجل. الركض بالأحذية شيء دخيل على الجسد ويخلق مشاكل للركب وآلاماً للجسد. دراسة أجرتها جامعة هارفارد وجدت أنّ أحذية الجري تزيد احتمال إصابات الأقدام، حيث إنّ الوسائد التي توجد في أحذية الجري اليوم تزيد احتمال الراكض أن يستخدم كعب القدم في الجري بنسبة 80%، الأمر الذي يزيد احتمال الإصابة، عكس الجري الحافي الذي يجعل الشخص يركض بشكل طبيعي لا يضرب فيه على كعبه.
بعد انتشار هذه الحقائق، بدأت تظهر الآن أحذية جري جديدة تحاكي الجري الحافي، خالية من الوسائد ولكن صلبة ومرنة، مثل أحذية Vibram وFeelmax وغيرها.