لا نبالغ إن قلنا إن الطفولة تشغل حيز العالم بأسره، فهي البذرة الأولى للحياة الضرورية وهي الغراس الذي تجني منه المجتمعات ثمار العمل أياً كان نوعه وفائدته، كما أن الطفولة تمثل نصف المجتمع كتكوين حياتي بل هو المعادلة المهمة في بناء الحياة.
إلا أن ما يلحظ تفاوت قيم الطفولة لدى العالم، حينما يظهر جلياً اختلاف أو تفاوت نِسَبُ الاهتمام في هذه الفئة الغضة، ولاسيما إذا استثنينا أطفال غرب أوربا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا من كثير من الصور المضطربة لنمطية حياة الطفولة، فإننا سنجد أن حقوق الطفل وقبله الأسرة لا تسجل حضوراً مشرقاً أو متفائلاً نظراً لما تواجهه الأمم النامية من مشاكل جمة تكشفها جهود المنظمات الدولية دائماً ولا تجد حرجاً في توجيه أصابع الاتهام إلى المتسبب، لكنها لا تملك قرار العلاج أو آليات التغيير.
فالطفل العربي على سبيل المثال لا يمكن أن ندخله في سياق التفضيل والمقارنة بالطفل الغربي لأننا سنظلمه حقيقة ليس من منطلق أنه طفل منقوص كتكوين حياتي، أو تصنيف خلقي إنما لأن الطفل الأوربي أو الغربي يتمتع بخاصية قوية تتعلق بتلبية واجبات الطفولة واحتياجاتها الضرورية والترفيهية، ومثال ذلك أن بلداً أوربياً صغير المساحة كسويسرا تنفق على الطفولة أكثر مما تنفقه الدول العربية مجتمعة.
إلا أن ما يلاحظ في العالم العربي والإسلامي هو غياب القدرة على تحقيق أدنى معدلات البناء الضروري للطفولة من بيئة التعليم والصحة والغذاء، حتى أن العالم بات يرى الانهيار الواضح في منظومة الطفولة لدى بعض المجتمعات في العالم الثالث أو النامي.
ومن التعسف أيضاً أن نقارن بين تطور حياة الطفل في العالم العربي والغربي، إنما قد يكون من المناسب الاحتكاك بتجارب من حولنا في العالم الآسيوي على نحو تجارب اليابان وسنغافورة وماليزيا على سبيل المثال، لسبب واحد أنها تتقارب مع منظورنا الشرقي للحياة الذي ينظر إلى الكبير باعتباره رمزاً للسلطة والسيادة وهو المخول والمكلف في جلب القوت للأسرة، حتى بتنا منصرفين عن العالم الصغير وطفولته الغضة إلى تهيئة مهام الكبير وتحقيق بعض رغباته.
فتوقف رب الأسرة أو إصابته قد يهلكها أو يجعلها تنهار في ظل هذا الغياب، والسبب يعود إلى تلاشي منظومة العمل الاجتماعي في العالم العربي والإسلامي رغم محاولات بعض الدول النفطية للسعي نحو بناء عالم الطفولة والأسرة والمجتمع.