لن نتفاجأ من أن نشهد في دولة أخرى ما يحدث في الجزائر من اضطرابات بسبب المغالاة في أسعار السلع الغذائية التي دفعت المحتجين إلى إثارة الاضطرابات في عدد من المدن الجزائرية.
ولن نفاجأ أيضاً من أن نشهد في مكانٍ آخر ما حدث في تونس من اضطرابات بسبب بطالة حملة الشهادات الجامعية.
بل أكثر من ذلك، لن نفاجأ أيضاً من أن تحصل اضطرابات في دول أخرى لأزمات لا تزال كامنة تحت الرماد، تظهر فجأة مثلما حصل في اضطرابات ارتفاع أسعار الخبز، أو عدم الحصول على مساكن كل الذي شهدته دول عربية أخرى.
أزمات ومشاكل عدة تعاني منها الدول النامية، وجميعها من دول الجنوب التي تفرّغها الدول الغنية من خبراتها وخاماتها وحتى من الأغذية وتُعيدها مصنعة بأسعار عالية لتسويقها في البلدان النامية الفقيرة، فتستعيد ما دفعته من فتات الأموال، بأموال مضاعفة، وبذلك تُفرغ هذه البلدان المحتاجة من ثرواتها وتقضي على فرص الاستفادة من مواردها الطبيعية وخاماتها، والأمثلة كثيرة، فبدلاً من أن تُقام مصانع المنسوجات في نفس الدولة المصدرة تصدّر الأقطان والأصواف لتعود لنا منسوجات قطنية وصوفية بأسعار مضاعفة، وأيضاً زيت الزيتون يصدر بعد أن يتم معالجته في معاصر الزيتون المزروع في نفس الدولة، ففي تونس، يزرع الزيتون، ثم يعبأ زيته في قوارير تحمل اسم مصانع وشركات إيطالية وإسبانية وإيطالية، والقليل القليل جداً يعبأ في مصانع تونسية، رغم أن النوعية متقدمة جداً من حيث الجودة والنقاوة، زيت تونسي، يتحول إلى إسباني أو إيطالي ويباع في أسواق الدول النامية ومنها الأسواق العربية!!
هذه السلعة مجرد نموذج، فهناك العديد من السلع الأخرى التي لا يقتصر رفع سعرها على بلد المنشأ «المصنع» بل يزيد من ارتفاع أسعار احتكار مستورديها ومعظمهم من تجار احتكاريين حصلوا على «منحة المتاجرة بغذاء الشعوب» وهو ابتلاء تعاني منه شعوب عدة، فالأسعار تتضاعف ويتحمل المستهلك عبء هذه الزيادات التي لا يستفيد منها سوى الاحتكاريون وتتحمل نتائج أعمالهم الجشعة الحكومات التي تعاني إصلاح ما خرّبه المحتجون وتسوء سمعة الدولة التي شهدت تلك الاضطرابات التي هي من صنع المتاجرين بغذاء الشعوب.
اضطرابات الجزائر وقبلها تونس وكذلك الدول التي شهدت احتجاجات وحملت مسميات «ثورة الخبز» و»غضب الطماطم» وغيرها لا بد وأن الدول والحكومات في الدول النامية قد رصدت هذه الاضطرابات ودرست ما حدث ونتائجها، وهو ما يفرض أن تعالج الأسباب قبل استفحالها خاصة في ظل تبلد إحساس المسؤولين من متاجرين بغذاء الشعوب وحياة الخريجين، فالذين يكنزون الأرباح في الشركات والمؤسسات ليس عندهم استعداد التنازل عن جزء من هذه «الأرباح الكنوز» لتشغيل العاطلين، وهم مثل تجار الغذاء الذين تسببوا في إشعال الاضطرابات والاحتجاجات.