|
قال الدكتور عبدالله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المقارن عميد المعهد العالي للقضاء سابقاً: إنه ليس في الإسلام رجال دين ولا كهنوت ولا يؤخذ العلم فقط إلا منهم، لكن في الإسلام عقائد وقواعد وأصول ومبادئ، ولا يمكن فهم الشرع وسنة سيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إلا بالأخذ بها والسير على منوالها.
وأوضح الدكتور السلمي يقول: إنه من هنا لابد من إجابة شافية للسؤال الذي يطرح دوماً (لماذا التأصيل العلمي؟) فالقرآن الكريم موجود، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم موجودة فنأخذ مثل ما أخذوا وهم رجال ونحن رجال، حيث إن مناهج الأئمة وإن اختلفت مشاريعها وتنوعت عباراتها إلا أنها بالجملة تستقرىء حالة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله وأسلوبه في الأمر والنهي وطريقته في التعبير لما يحب وما يبغض، ومعرفة ما أحبه بعبارات و معرفة ما أحبه بحكايات ومعرفة كل ذلك بجميع الطرق والروايات، والنظر في تقاسيم وجهه وغضبه، هذه هي باختصار التأصيل العلمي.
وبين في سياق محاضرته التي ألقاها في (منتدى العُمري الثقافي)، في مقره بحي الفلاح بمدينة الرياض ضمن ندوة بعنوان: (التأصيل العلمي) - قدم لها الدكتور خالد أبو الحسن وبحضور راعي المنتدى الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم العُمري ونخبة من المفكرين والمتخصصين وطلبة العلم والأكاديميين وغيرهم، وقال المحاضر: ولهذا جاء علم أصول الفقه وموضوعه (الكتاب والسنة) ومعرفة مراد الله و مراد رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا تجد أول من ألّف في علم أصول الفقه هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي، ألّف الرسالة؛ وهي قواعد استقاها مما عرفه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وتعجّب الدكتور السلمي من المناهج التي بدأت اليوم تُطرح، وإنما تطرح لإشكال أن تأتي بأسلوب جديد أو تأصيل علمي جديد، مشيراً إلى أن الإشكال أن يكون هذا التأصيل، وأن يكون هذه القاعدة مبنية على غير فهم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا أصبحنا نسمع ما يسمى بفهم إعادة النص، أو القراءة الجديدة للتراث، مبيناً أن هاتين النظريتين، يقصد منهما إعادة فهم الشريعة الإسلامية على غير ما فهم السلف من محاكاة فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا أجاد بعض المفكرين حينما أراد أن يرد على هذه الفكرة ألّف رسالة في ذلك سماها الرسالة الثانية لأنك إذا جئت برسالة نفهم القرآن والسنة على غير ما أرادها النبي صلى الله عليه وسلم.
ومضى الدكتور السلمي يقول: لقد صارت هذه رسالة ثانية ولهذا تجد أن الأئمة حينما يطلقون على أمر من الأمور أن القاعدة فيها كذا إنما عرفوها باستقراء سنة النبي صلى الله عليه وسلم فجمعوا لهم النصوص، وجعلوا يأخذون بهذه القاعدة التي تعتمد على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد ذلك على سبيل العموم أو على سبيل الإطلاق أو قيد ذلك بخصوص شخص معين كما يسمى بقضايا الأعيان، أو أنه أطلق لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أما أن يأتي منهج جديد فيقول: أنا بأفهم كذا، واللغة العربية تؤيد ذلك إذا جاء لفظ عام من الرسول صلى الله عليه وسلم أو من القرآن ولم يأتنا ما يخالفه من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا وجدت ما يسمى بالحقائق الثلاث الحقيقة العرفية، والحقيقة اللغوية، والحقيقة الشرعية.
وأبان أستاذ الفقه المقارن أننا اليوم نجد أن بعض الناس يفهم القرآن على فهم لغة العرب، لأنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد قرر قاعدة، أو حقيقة شرعية فلا يعول على الحقيقة اللغوية وكذلك العرف الآن كما يقال لابد من فهم القرآن والسنة على إيجاد وفهم اللغة الموجودة اليوم، أو المجتمع الذي يعيشه اليوم هذا هو الخطورة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما جعل هذا القرآن شريعة قائمة إلى قيام الساعة صارت هذا الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، ومعنى ذلك أنه لا يمكن أن نأتي بفهم يخالف ما فهمه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عتب أن تختلف مناهج الأئمة هذا منهج أبي حنيفة رحمه الله وهذا منهج الشافعي، وهذا أصول أحمد، ومالك لكن كل من هؤلاء إنما بنى أصوله على ما فهمه من مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، أما أن يقول أنا أعلم أن الرسول أراد كذا لكن لغة العرب تفهم من هذه العبارة معنى آخر فلي أن آخذ بها قلنا هذا هو الإشكال وهذا هو التأصيل الذي سوف يهدم الأصل الشرعي ولهذا قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر.
وأكد فضيلته يقول: إن مخالفتك للقرآن والسنة سهلة لكن أن تقول أنا أقبل الكتاب والسنة وعندي فهم جديد وقراءة جديدة للنص وفهم إعادة النص، فهذه هي الخطورة، إذ أن التأصيل العلمي سار على ما سار عليه إلى يومنا هذا، مبني على قواعد ولهذا تجدون التأصيل العلمي مثل الحديث، ولهذا أقر المستشرقون أن علم الحديث مبنيٌّ على دقة متناهية في مراد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وتطرق لهذه القواعد وضرب أمثلة يملكها أولاً : لابد من جمع النصوص الشرعية عن النبي صلى الله عليه وسلم كي نعرف ماهو العام وما هو الخاص، ماهو المطلق وماهو المقيد، وتفهم منهم الدلالات الشرعية قبل الحكم على الشيء، وأمر آخر نلاحظ أحياناً تناقضاً رهيباً بين بعض الباحثين على التنظيم وبين التطبيق أيضاً التسرع في الأحكام الجديدة، وأمر آخر أحياناً الإنسان يضغطه الواقع حتى يخالف أحياناً أموراً فتجد أنه يتساهل بأمرين إما بعدم البحث الدقيق في المسألة وإما أن نتساهل بمخالفة الأمور.
وشدد الدكتور السلمي على أنه لابد من فهم الواقع وظن البعض منهم أن فهم الواقع أن تعرف التحليلات السياسية، هذا ليس المقصود لا يلزم الفقيه أن يعرف القضايا السياسية، المقصود من ذلك أن الفقيه لا يسوغ له أن يفتي في مسألة إلا ويعرف تصور هذا الواقع، وتصور الواقع شيء ومعرفة الواقع شيء آخر، لكن الواجب أنه إذا أراد أن يعطي حكماً شرعياً في قضية من القضايا أن يستكمل جميع تصوراتها لأنه ربما لو لم يستكمل جميع تصوراته لاشتط به الأمر، والأمر الآخر هو كثرة الردود في مسائل فرعية لم يكن المتقدمون أصحاب التخصص يهتمون بمثل هذه الردود.