إحياء السنن والواجبات وتطبيقها عملياً داخل محاضن التربية والتعليم التفاتة حسنة، لا أدري كيف غيّبت أو غابت إقامة صلاة الاستسقاء، والخسوف في هذه المؤسسات في عقود سلفت؟ ربما يكون لدعم رجال الدين والفتوى المعاصرين في جواز إقامتها خارج المصليات الرسمية، وإحجام الأوائل عن ذلك أثر في هذا التوجه المحمود، وربما كان تجاهل ذلك فيما مضى مرده تخفيف القيود المفروضة على الطلاب في خروجهم ودخولهم من المدارس، والتربية الحسنة، والثقة في النفس، وتحميل النشء المسؤولية منذ وقت مبكر، ولم يكن إلى جانب ذلك مخاطر كبيرة، أو مخاوف من انصرافهم، أو تأخرهم عن المدرسة، ولم تكن هناك مغريات، أو أماكن للهو والترفيه تصرفهم، أو تجرهم إلى ما لا يستحسن من سائر السلوك. والرقابة الأسرية والاجتماعية والتلاحم بين أفراد المدينة والحي أسهم في ضبط السلوك، وتحجيم المخالفات في المجتمع الصغير حينذاك.
- وأيا كانت الدواعي والأسباب إلا أن التعليم والتربية عمادها التطبيق، والانفصام والازدواجية التي نرصدها على سلوك المجتمع تكشف ضعف طرائق تعليمنا التي نحاول بين فترة وأخرى أن نأخذ ونقف على ما استجد من علوم التربية الحديثة. من المؤكد أن إقامة صلاة الاستسقاء، والخسوف، والكسوف وغيرها من الشعائر التي يشرع إقامتها أمام الكوارث والنوازل، والمصائب والابتلاءات وليس لها صفة الاستمرار، أو غير مرتبطة بحياتنا اليومية، أو معاملاتنا المستمرة، نقول من المؤكد أنها ارتباط روحي قوي، واستمساك بعروة وثقى من عرى الإيمان، تجدد في ذات الإنسان ارتباطه بخالقه، وتدعوه للتأمل والتفكر في الحوادث الكونية، والسنن الإلهية الثابتة، وتحد من تعالي هذا الإنسان وتكبره وتجبره، ونزواته وغروره، وتزرع فيه القيم والمبادىء التي قد تزول، أو تندثر حين تتوالى النعم على هذا المخلوق الضعيف. وفي ظل امتداد هذه السنن في الحياة يظل الفرد متعلقاً أبد الدهر بين الخوف من الله ورجاء مغفرته ورحمته. وقد يكون هناك بعض السنن التي لا تصاحبها شعائر محسوسة، كالدعاء للمسافر في ذهابه وإيابه، والمريض حين شفائه، وآداب الأكل والشرب، وما يسن معها، لكننا نمر عليها في مناهجنا الثرية مرور الكرام، رغم تكرار المشهد، وتوالي المناسبة، ويظل المربون والمعلمون يلقون باللائمة أمام تقصير النشء في هذه الجوانب على الأسرة، أو على وسائل الإعلام، وما تلفظه من سموم وأفكار.
(خاتمة)
في كل مناسبة، وفي كل كرب ومصيبة، وفي كل موضوع يمتطي الشعراء الشعر، ويشاركون غيرهم بالأدب الخلاّق، وما أجمل ما قاله أحد الأدباء في ابتهال لخالقه:
الله في كل خطبٍ حسبنا وكفى
إليه نرفعُ شكوانا ونبتهلُ
فاشمل عبادك بالخيرات إنهمُ
على الضرورة والشكوى قد اشتملوا
فربّ طفلٍ وشيخٍ عاجزٍ هرمٍ
أمست مدامعهُ بالخدّ تنهملُ