التقى أحد السعوديين بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية ب8 سنوات في واشنطن العاصمة بزميل له في الدراسة يدعى نير، وكان هذا الزميل يهودياً من إسرائيل، انخرط في ميدان الإعلام وعمل بعد تخرجه مع واحد من أشهر الصحفيين الأمريكيين هو (سكوت آرمسترونج) تنقل نير بين إسرائيل وأفغانستان، وغزة ورام الله، والتقى بالزعماء وأجرى حوارات وصداقات، ثم قال لزميله السعودي بعد سبع سنوات: لقد كفرت بالإسرائيليين والفلسطينيين، فكلهم لا يريدون السلام وكلهم نفعيون، وبعدما استدعاه نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن إلى الكونجرس في العام الماضي 2009م ليناقش الأعضاء حول الوضع في أفغانستان أهمية الموقف الأمريكي فانتقد العمل العسكري مما أزعج نائب الرئيس الأمريكي فقال له: لقد أخطأنا في دعوتك إلى الكونجرس.
هذه الحالة توضح مدى التفكك الفكري في المجتمع اليهودي العالمي والمجتمع الإسرائيلي بالذات، ويؤكد ذلك ما كتبه (برادلي بيرستون) في مقاله الذي بعث لي بنسخة منه بعنوان (مكان خاص في الجحيم A special Place in Hell).
فالقضية هي أن المجتمع اليهودي داخل إسرائيل وخارجها انقسم إلى قسمين هما، يهود الجدار، ويهود البوابة Jewd of Wall and the Jews of Gatc
فيهود الجدار هم الأقلية، سواء كان ذلك في إسرائيل أم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهم الذين يحكمون اليوم ولديهم القوة المالية، ويحبون الاستقرار الدائم في الضفة الغربية، ويدعمون بقوة بناء المستوطنات ويسعون بالتالي إلى إسقاط القرارات الدولية في الأمم المتحدة التي تنص على الانسحاب من الأراضي المحتلة.
واليوم أصبح هؤلاء هم حراس الأرثوذكس المتشددين في إسرائيل، وهم دعاة الدولة اليهودية، وقد تحالفوا مع اليمين اليهودي العلماني المحافظ، وهذا ما جعل اليهود في العالم يخشون بأسهم.
أما يهود البوابة فقد شغلوا المجتمع اليهودي بطرق مستحدثة واستقطبوا الأكثرية في العالم حتى أصبحوا واجهة المجتمع الدولين فهم يؤمنون بإمكانية المستقبل ويتحركون بواقعية لصالح اليهود ومستقبلهم، لقد كسروا الحاجز الإسرائيلي ويؤمنون بأن الله عز وجل منح بن آدم إمكانيات لإصلاح العالم، وهؤلاء يختلفون عن يهود الجدار الذين يحاولون لم شعث اليهود الذين فرقوا من حيث السلطة والتماسك الروحي والجيني، فهم حقاً يواجهون الجدار، إذ يعيشون الماضي ويفسرون التسوية الوسطية بالاستسلام، ويؤمنون بأن كلام الله باللغة العربية يحمل كلمة سلام وهو السلام الذي يريدون، فهم يقولون بأنهم يؤمنون بالتفاوض ومع هذا يبتلعون الأراضي، ويعادون العرب والأتراك والإيرانيون وباراك أوباما فهم يرددون دائماً أننا لن ننسحب ولن نوقف الاستيطان.
لهذا يرى يهود البوابة أن يهود الجدار يقودون إسرائيل إلى الهاوية وأن الاحتلال هو المرض، إنهم يؤمنون أن التطرف هو الدمار ونحن العرب نعتقد ذلك، فالتطرف في العالم العربي هو الذي مكن إسرائيل من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء، والتطرف هو الذي دمر أفغانستان، والتطرف هو الذي دمر العراق وغزة ولبنان.
لقد كشر يهود الجدار عن أنيابهم في مواجهة يهود البوابة، واليوم نراهم يحاولون إسكات أصوات جي ستريت المعتدلة المنشقة عن إيباك في واشنطن ويفسدون عليهم اجتماعاتهم بسبب تأييدهم التسوية بين العرب وإسرائيل.
فكما واجه نتنياهو هجوما من الشباب اليهودي في نيوأوليانز في 8 نوفمبر 2010م الماضي تعرض بعدها (جيرمي بينامي) رئيس جي ستريت إلى اعتراضات صاخبة من بعض أعضاء يهود الجدار، مما دعا قائد التجمع الروحي التعبير عن استيائه من تصرفات بعض الأفراد والذين شاركوا في المسرح المدرسي.
بعدها تكررت هجمات يهود الجدار على من يطالب بالسلام أو يوجه نقداً إلى السياسة الإسرائيلية، حتى بلغ بهم استخدام العنف فقد خربوا منزل (رابي مايكل تيرنر) في بركلين لأن مجلته منحت الجائزة السنوية لحقوق الإنسان للقاضي (ريتشارد جولد ستون) فخرجت رسائل تقول بأن اليسار الإسلامي والمتشددين الإسرائيليين هم قوم من الإرهابيين.
إن الأزمة في المجتمع اليهودي تتصاعد، لكن يهود البوابة أثروا عدم استفزاز يهود الجدار حتى لا يخسر اليهود مكاسبهم، ومع هذا فهم يدركون أن يهود الجدار يقودونهم نحو الهاوية.
* رئيس مركز الشرق الأوسطللدراسات الإستراتيجية والقانونية