كثيرًا ما تساءلت وأنا اقرأ لهؤلاء الشعراء الشعبيين -ولكي أكون منصفًا لبعضهم- وقصائدهم التي تسهم في تعميم الرداءة، والكلام المحكي الذي لا طعم فيه للشعر والذوق: هل يعيش هؤلاء في زمن غير زمننا، زمن (الناقة والبعير) و(الونيت الحمر) و(الغزلان السائبة) في البراري؟، هذه الرداءة والبدائية والانسلاخ عن الواقع المعاش شجعتها بعض القنوات الفضائية، والمجلات ذات الألوان الصارخة، والعناوين المثيرة، وصور فتيات «الفيديو كليب» اللواتي يعلن ولههن وعشقهن للشباب الخليجي تحديدًا، أو أنهن يبحثن عن «ابن الحلال»!
أفهم أن (يترزز) «بعير» بسنام أو سنامين على غلاف تلك المطبوعات، وأفهم ممتنًا أن تزين المجلة الشعبية غلافها بصورة قرص الشمس الآخاذ وهو يغيب وسط رمال الصحراء الخلابة، ولكن ما لا أفهمه علاقة (نانسي عجرم) و(هيفاء وهبي) بمجلة تعنى بالشعر الشعبي وقد أصبحت صورهن كليشة الغلاف لتلك المجلات؟ وأي رابط يجمع بين عيني (هيفاء) المدمرتين، وبين مطبوعة تتحدث عن الموروث الشعبي وقصص الشجاعة والنخوة والكرم -كما يفترض-؟ وإذا تجاوزنا هذه الإشكالية ودلفنا إلى داخل العدد، وقرأنا ما يحتويه من قصائد الحب والغرام والهجر والخصام، و»يا بنت روحي في طريقك وأنا أروح- وكلا الله يسعده في طريقة» ثم عرجنا على آنات «المجروحين والمحروقين»: (ياونّتي كلما ونيت - وتشبني النار وأطفيها)!
أبعد الله وجوهنا عن النار؛ لا تملك إلا أن تتساءل: هل يعيش هؤلاء القوم خارج الزمن والهم اليومي أم أنهم يعيشون في عالم آخر لا علاقة له بعالمنا، عالم العيون «المسلهمة» والنظرات القاتلة.. قاتلها الله!
واستغرب عدم معايشة هؤلاء لمعاناة الناس في الغلاء والبطالة وانعدام فرص العمل وغيرها من المشكلات، كما يتحدث شعراء شعبيون في أقطار أخرى بحيث أصبحوا صوت الناس، على الجانب الآخر يقف بعض شعراء العرضة والمحاورة وما يتخللها من مدح قبلي، وتعارك، وألفاظ سوقية ينتقص كل شاعر من الآخر!
وهناك فئة الشعراء «المتسولين» الذين يدبجون القصائد بغية الحصول على النصيب من الممدوح! أريد أن أقول في النهاية: إنني لست ضد الشعر الشعبي بالمطلق، ولكنني بالتأكيد ضد الترويج لهذا الشعر الذي يفتقد إلى الحد الأدنى من شروط الشعر، ضد المراهقة الفكرية والتغزل المفضوح وكأن كل همومنا ومشكلاتنا تتمحور حول الحب والغرام، والصد والهجران من المحبوبة؛ وإن كنت أشعر بقدر من التعاطف مع أولئك الشعراء الذين تحوَّلت معشوقاتهم إلى أفاعي تبث السم في شريان المحبوب الجنوبي المسكين: «ياونتي ونّة الملقوص في نجد الأقصى - ملقوص من سم ثعبان تلاقت نيابه» أووووووه ونوا يالمجاريح!!