عودة الاتجار بالجراد هذه الأيام ليست غريبة، لأنها ضمن النزوات الموسمية المعتادة للبعض.. هؤلاء الذين يَجدُّون في البحث عنها وطلبها بأي ثمن، لكن ليس بدوافع الجوع لا سمح الله ذلك الذي يحتم أكل مثل هذه المخلوقات إنما يبدو تشبثاً بما هو طريف يأتي في شتاء كل عام ولما قد تتركه أحاديث المجالس عن هذه الوجبة العجيبة.
فالذين يتعاطون هذا النوع من الجراد، ويُقْبِلُون عليه يتجاهلون تصنيفه العلمي بأنه (حشرة) ضارة، بل يرونه من الطيور الحلال، وهم بذلك يعتمدون منقولات ومقولات القدماء حينما يستعيدون تفاصيل سنوات الجوع والضمأ، تعززها حذاقة المتاجرين في اللعب على حبال العاطفة من خلال مقولة أو حكمة: (إذا جاء الجراد كب الدواء).
الغالب في ترويج الجراد وبيعه هذه الأيام هو التجارة والكسب، لأن سعر الكيلو جرام منه قد يبلغ أكثر من مائتي ريال، وهو سعر غير مبرر، كما أن هناك من يطلبه رغم المحاذير الطبية التي تصاحب خروجه هذه الأيام، نظراً لأنه حينما يتم تناوله بعد الشواء أو الطهي «السلق» يتفاعل مع الكثير من الأدوية التي يتناولها المصابون بأمراض القلب والشرايين وضغط الدم والفشل الكلوي، لأنه يحتوي على مواد عالية التركيز على نحو البروتين والكالسيوم والبوتاسيوم والماغنسيوم.
فظاهرة االإتجار والترويج للجراد تأتي حالة موسمية في المناطق الداخلية ولا سيما نجد وما جاورها مع وجود إرهاصات الفقع والإقط والسمن وصيد الضبان وتنويعات أخرى لا ترى فيها سوى إعادة لرسم تفاصيل تحولات العرض والطلب.
أمر آخر يلفت الانتباه يتمثل بالمتاجرين في أكياس الجراد وهم من صغار السن هؤلاء الذين لا يعرفون عنه أي شيء ولا علاقة لهم فيه، ولا رابط تاريخي يشدهم إليه إلا أنه لمجرد الاتجار الموسمي به مع أصناف شتوية أخرى، حتى يحل الصيف وتكثر عروض الحبحب أو الجح وفي روايات البطيخ.
الطريف في أمر «الجراد» أنه ورغم خطره الفادح على البيئة والإنسان ورغم إعلانات الجهات المختصة أنها تقوم برشه ومكافحته بالمبيدات السامة إلا أن البعض يتسقطه أو يتلقفه أو يقتنيه.
وهناك من يتيقن بأن في تكاثر الجراد وحضوره وجه من أوجه العقاب من الله للناس ولا سيما المزارعون حينما يأتي على المحاصيل، والمزروعات، ليكون هذا المخلوق بالفعل آفة خطيرة تستحق التخلص منها ومكافحتها بشتى السبل.